استيقظ مبكرًا ونشيطًا صباح يوم السبت – يوم عطلته-
على غير العادة، تحمم بالماء الدافئ؛ ارتدى البنطلون الجينز الجديد – أشتراه أول أمس-
والقميص الأبيض الذي يفضل أنسجته البارزة؛ شرب النسكافيه وتناول سندوتشًا صغيرًا من
المربى، نظر إلى المرآة كثيرًا بتركيز شديد؛ وضع الكريم المرطب لوجهه وكفيه؛ أما بديل
الزيت أغرق به شعره الناعم؛ حرك أصابعه بشكل عشوائي أضفى عليه ملمحًا بوهيميًا لا يناسب
كلاسيكية ملابسه؛ لم ينسَ الجوارب والحذاء الأبيض؛ ألقى نظرة أخيرة راضية على المرآة
ومضى نحو الخارج.
(طلبت مني السيدة ماجي إضافة
حصة صباح يوم السبت، يوم إجازتي وإجازة ابنتها سلوى، طلبت ذلك وسلوى تحضر الكتب من
غرفتها، وضعت يدها على فخذي؛ نظرت إلى عينيّ بعمق وضحكت؛ لم أفهم ماذا تعني حركاتها؛
كنت سعيدًا ومأخوذًا وحسب).
قاد سيارته سريعًا ووصل فيلا حارس عبد الرحيم والد سلوى،
هبط ونظر إلى وجهه في مرآة السيارة؛ اتجه إلى السلالم وصعدها برشاقة وسمع البواب يقول:
- الهانم في انتظارك يا أستاذ.
ضغط الجرس؛ فتحت لارا الخادمة الأجنبية كانت تتحدث اللغة
العربية بشكل مضحك ولم يعرف موطنها الأصلي ولم يهتم أن يعرف؛ قادته إلى غرفة الصالون؛
سألته ماذا يشرب؟ طلب عصير ليمون، لا يدخن ولا يحب الكافيين فقط كوب النسكافيه الصباحي؛
خرجت بخطى سريعة.
(ستأتي بعد قليل السيدة ماجي
وسأنعم بصحبتها، ربما سلوى غير موجودة وأتمنى ذلك، أنها مراهقة حمقاء، قبلتُ اقتراح
درس التقوية في اللغة الفرنسية لجمال ماجي وحسب، عيناها عالم آخر يسحرني، جسدها نار
أستعر به في البعد والقرب، ستكون بين يديّ بعض لحظات).
سمع صوت خطواتها لا تخلع الكعب العالي، تمنى رؤيتها
حافية؛ قدماها ممتلئة ومغرية، تمنى رؤيتها عارية من كل شيء، ثيابها.. مساحيق التجميل.. صبغة شعرها، يندهش لماذا تتكلف والجمال يقطر حتى من ظفر أصبعها الصغير، تقترب الخطوات،
طرف فستانها يظهر من الباب المفتوح، عطرها الدائم الذي لا يعرف اسمه.
(مالت برأسها وتبعها جسدها النحيل،
ظهرت أمامي كاملة، نظرت إلى دهشتي وحدقتيّ اللتين يلفهما البياض، وقفت بشموخ وشماتة
نعم شماتة وليس كبرياء، تتأملني بتحدي وأنا أعيد كوب العصير إلى الطاولة، ضحكت ورجع
رأسها إلى الخلف بفجر لا يليق بمراهقتها، سلوى أنها هي بروح ماجي، ثقتها وعنفوانها
وجموحها، اقتربت نحوي وصافحتني دون ارتعاش، كفي مبتلة؛ خجولة مثلي، جلست قبالتي دون
كتب أو أقلام، رفعت ساقًا فوق أخرى، بالرغم من نحافتهما كانتا مغريتين في عريهما الجميل،
سقطت أطراف فستانها بجوار الكعب العالي ولم تعبأ بتجميعه).
حاولت سلوى أن تخرجه من ذهوله، قالت أن والدتها غير
موجودة ووالدها في سفر ضمن عمله كعادته، اقترحت أن يجلسا في غرفتها عندما كانت طفلة،
لأن حركة الخدم تزعجها ومن الواضح أنها تربكه أيضًا؛ رفعت خصلات شعرها المنسابة بأصابعها؛
نظرت إليه وكأنها استعارت نظرات والدتها العميقة التي يعجز أمامها عن الرفض، تبعها
في صمت.
ظهرها كان جميلاً؛ أول مرة ينتبه لذلك، شعرها الناعم
يغطي عنقها وجزء من كتفيها، ذراعاها عاريان؛ صليل أساورها رقيقًا؛ تمشي بخفة دون سرعة
أو إبطاء، خصرها نحيل جدًا أبرزه ضيق الفستان؛ لأنه مفتوح في الأمام كان يرفرف على
الجانبين، سال العرق من جبينه وتعجب من نسيانه لماجي، وصلا إلى باب صغير مقارنة بحجم
المنزل؛ فتحت وأشارت إليه حتى يسبقها للدخول؛ دخل، الغرفة ضيقة جدًا وبها سرير وكرسي،
أغلقت الباب وقالت من خلفه :
دي أوضة النوتي.
ضحكت بشدة، وصوت قدميها ابتعد حتى خفت.
(حاولت فتح الباب ولم أستطع،
هل حبستني تلك المخبولة؟! لماذا؟ لم أكن سيئًا معها إلى حد معاقبتي، كل ما في الأمر
أنني أراها حمقاء؛ تجعلني أكرر ما أشرحه عدة مرات وتنساه في الدرس المقبل، هل ماجي
حرضتها على ذلك؟ لماذا؟ هي من توددت إليّ! الغرفة سيئة التهوية وشبه معتمة، كيف يتركونها
بمفردها في هذه الغرفة التي تقبض القلب وكانت طفلة؟ أوغاد؛ لا يهم طفلتهم يفعلون ما
يحلو لهم بها، أنا الأحمق لماذا طمعت واقتربت منهم، لعنة الله على الرغبات والوهم).
الباب مرتفع عن الأرض بما يسمح لدخول الضوء والهواء،
انبطح ونظر إلى الخارج، كانت تجلس ماجي تدخن سيجارتها وتنصت لحديث ابنتها الذي لم يتمكن
من سماعه؛ كانت تقلد حركاته وتفتح عينيها بما يشبه الدهشة، سارت خطوتين بدلع وخفة؛
نظرت إلى والدتها وقهقهتان بشدة، تحسس رأسه فأمسك بأذنيه اللتين طالتا، خشى أن يتأمل
باقي جسده.