تنشر "الهلال اليوم" نصًا جديدًا من كتاب "أجنحة لمزاج الذّئب الأبيض"، للشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة، بعنوان "جناح لنميمة التّاريخ، جناح لوحـل الآلهـة "، ونقرأ فيه:
كم تعجبُ لرجل يحمل النميمة بين يديه،
ويزرعها في الآذان فتنزلق القلوب!! كم تعجب من "ن" الشفوي!
يقول للسّؤال: يا أخي ما الذي بينك
وبين الجواب؟
لولاه ما كنت أعلم أن الإنسان يمكن أن
يحقد بهذا الشكل؟
يقول للجواب: أنت تخدعني، تلمّع لي
السؤال لأقع في شراكه، حتى يضيعّني بخبثه، وأنا في عقلي، بينما أنت تعلم سوءه وخبث
نيته، إلى درجة أنه يشتمك في الغياب، ويدغدغك في الحضور.
يفكّر السؤال في الليل: ما به
الجواب؟!
تراه غار مني لأني كريم معه؟! أغذّيه
بما أملك ولا يملك، وأعدّه بالنصيحة ليثق في المستقبل. أصلاً أنا عرفته وهو يحمل
حبله إلى الشجرة، كان سينتحر لولا بذور المستقبل التي زرعتها فيه! وإلا لماذا هو
حاقد علي؟! سأقول هذه للولهي وإلا سأنفجر. ما أصعب أن يخيب الإنسان في رفيق العمر
في اللّيل يقول الجواب: نام الخلق عن
تفكيرات النهار، لكنني لن أنام حتى أحسمها مع السّؤال، هل فعلت له شيئاً ليشتمني
في الغياب؟!
أنا أصلاً عدت إلى الحياة لأسمعه ثم
أموت، وبالتراكم نسيت الموت وانخرطت في الحياة. تراه ندم على إنقاذ منافس تفوّق
عليه؟
لا بدّ أن أختبر ذلك مع الولهي، وإلا
ما أصعب أن يخيب الإنسان في رفيق العمر
كان ليـلُك عاصفاً بالثلج، وكان
الكانون رفيقَك إلى الفجر. نسيتَ صديقيك، وغرقت في عسل الشعر. كم تحب إذا هجم عليك
الشعر أن تنزوي عن المخلوقات في زاوية الليل
هل الكانون مخلوق؟
يبتسم لك باللهب
يُطرق البابُ
هو السؤال والعاصفة تلفح صدره
ـ كيف وصلت في هذه العاصفة؟
ـ كنت أهرول إليك، وهي تدزّني من
الأمام، حتى كدت أن أسقط.
يدخل موَحْوحاً من البرد، يلمح
الكانون يتصاهد في الركن، فيجري إليه: قرّب لي هذا المخلوق يا الولهي
يشتكي لك من الجوابِ
تسمع طرق البابِ
يدخل الجواب موحوحاً من البرد،
والعاصفة تدزّه من الخلف، حتى كاد أن يسقط، يلمح الكانون في الركن فيجري إليه:
قرّب لي هذا المخلوق يا الولهي
ينتبه إلى السّؤال وقد نام مقرفصاً،
يشتكي لك منه، فـ"نون" الشفوي لا يكذب، يفتح السّؤال عينيه
ـأنت أيضاً قالها لك يا الجواب؟
يرتفع صراخ في الخارج أرعب الجميع،
يمدّ الجواب يده للسؤال، فيستقيم كأنه مجنّد سمع نذير الحرب/ يمدّ لك السؤال يده
لينتشلك إلى الخارج/ الليل عاصف بالثلج، والرؤية منعدمة/ تتوقفون لتسمعوا جهة
الصّراخ/ كم تجعل العاصفة مصير الضعفاء مرتبطاً بالأذن/ تدلّكم آذانكم على منظر
فظيع/ أرأيت كم كان فظيعاً يا الولهي؟
"ن" الشفوي، نصفٌ في الثلج،
ونصفٌ تحت عدالة الذئاب، لا يفوت ذئب في اللقمة ذئباً
تفوتون الذئاب إلى البيت
تحميكم ثقة الباب
جناح لوحـل الآلهـة
تنسى المسجد نسيانَك لنفسك في
الظلمات، وتذكر الحانة حتى وأنت تشرب الحليب مع الأسرة. الحليب أبيض في عينيك،
لكنه لا يعني لك إلا الأسرة! وفي الحانة يتجلّى لك في أقداح النبيذ، فترى كل جليس
أخاً، وكل جليسة أختاً، وكلهم يسألك إذا دخلتَ: لماذا أطلتَ؟ وإذا أردت أن تخرج:
متى تعودُ؟
أما الدار، فيا خوفك من الدار: لا
يعنيهم دخولك، أو خروجك، أو ما بينهما، فيتجلّى لك الحليب في الفنجان نبيذاً، وترى
كل جليس تيساً أو كبشاً أو ثوراً، هم عبئ عليك وأنت عبئ عليهم
آه...
كم تفشل كلما حاولت أن تكتب كيف تنسى
نفسك وأنت تشرب
يقول لك أخوك عمّار: تلك حالة لا
يكتبها صاح، فتزيد أقداحك
تقول: أحياناً أنسى نفسي يوماً كاملاً
يا عمّار، وإن حدث أن أصحاني شخص أعرفه، حمْلَـقتُ فيه مليّاً، استرجعتُه
ملمحاً... ملمحاً، حتى أذكر اسمَه. أعود إلى نفسي من خلال استحضار الآخرين. تصوّرْ
يا عمّار أنك تنسى نفسك، وليس هناك آخرون، هل تستطيع أن تعود إليها؟ أتصوّر أنّ
الله كان في تلك الحالة، قبل أن يخلق الإنسان، نسي نفسه، ولم يجدها إلا في آدم.../
لا يلحد إلا من يرى نفسه إلهً
يستغفر عمّار: أنا يحدث أن أذكر نفسي
يوماً كاملاً، فإذا أنسانيها شخص أُنكر خلُقَه، حدَجْـتُه في الحين، استبعدتُه
ملمحاً... ملمحاً، حتى أنسى اسمه. أعود إلى نفسي من خلال استبعاد الآخرين. تصوّرْ يا الولهي، ستذكر نفسك دائماً لو لم يكن
هناك آخرون، أتصوّر أن الله كان في تلك الحالة، ذكر نفسه فنسيها في آدم
لا يؤمن إلاّ من يرى نفسه إلهً.
تذهب إلى الحانة
ويذهب إلى الدّار
تلعنه في نفسك حتى أنك تشرب الضّعفَ
يلعنك في نفسه حتى أنه يصلي الضّعفَ
ويجمعكما الفجر: عائد من شرب مضاعف،
مع ذاهب إلى صلاة مضاعفة، يصدم أحدُكما الآخرَ، تتبادلان اللعنات فاللكماتِ
فالنطحاتِ فالسقوطَ في الوحل
ينتبه كلّ منكما إلى سلاح الآخر
في يدك حجر التيمّم
في يده زجاجة النّبيذ