السبت 27 ابريل 2024

السخرية السياسية على السوشيال ميديا (2)

أخرى26-11-2020 | 13:50

أوضحت رسالة ماجستير الباحثة عُلا ممدوح عيسى سكرتير تحرير مجلة "النصر" التي تُصدرها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، التي شَرُفتُ بالإشراف عليها وناقشها مؤخرًا د. سحر مصطفى (إعلام القاهرة) ود. مي مصطفى (أكاديمية أخبار اليوم) تباين تكرارات كل فئة من فئات الهدف العام للسخرية في عينة المنشورات؛ حيث نجد أن التكرار الأكبر كان في فئة الاستهزاء بالموضوع بنسبة (43%)، يليها فئة إظهار السلبيات بنسبة (35%)، ثم يليها تلخيص قضية ذات جدل واسع بنسبة (9%)، ثم تأتي وجهات نظر متباينة حول القضية، وعرض الرأي العام حول قضية بتكرارين متقاربين وبنسبة مئوية (6% ، 5%) على التوالي.

 

وفي صفحات الكاريكاتور تساوى كل من إظهار السلبيات والاستهزاء بالموضوع، حيث بلغت نسبتهما (21%) ثم تلخيص قضية ذات جدل واسع، عرض الرأي العام حول قضية، عرض وجهات نظر متباينة حول القضية وأهداف أخرى بنسب (11%)، (10%)، (1%) و(0%) على التوالي. واستهدفت الصفحات الساخرة الاستهزاء بالموضوع بنسبة (46%) وإظهار السلبيات بنسبة (36%) بشكل أساسي تليهم تلخيص قضية ذات جدل واسع وعرض وجهات نظر متباينة حول القضية بنسبة (7%) ثم عرض الرأي العام حول قضية بنسبة (3%).

 

من هنا يمكن القول إن أكثر أهداف السخرية وضوحًا كان كل من إظهار السلبيات والاستهزاء بالموضوع، مما يعني أن الغرض هو النقد وإظهار المساوئ وتسليط الضوء على السلبيات، مما يصب في النهاية في صالح الأفكار المقابلة، وبما أن مسئولي الدولة هم الهدف الأساسي للمنشورات، فالغرض هنا هو إظهار ضعفهم وعدم تمكنهم من أداء مهامهم الوظيفية بكفاءة، وأنهم يضرون بمصالح المواطنين، وهو سلاحٌ ذو حدين، حيث أنه قد يثير البلبلة لدى المواطنين دون تقديم حلول، وفي الوقت نفسه قد تكون له فوائد بعد معرفة قوة مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها في التغيير، وأن المسئولين أصبحوا على دراية بما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، ويسعون جاهدين لتحسين صورتهم وطريقة أداء عملهم حتى لا يتعرضون للسخرية، أو أن يتم تداول أخبار عنهم على مواقع التواصل، وهذه الحالة تكون في صالح المواطن، حيث تعمل مواقع التواصل الاجتماعي كرقيب على أداء الفاعلين سياسيًا.

 

فالتركيز على السلبيات دون تقديم حلول أو وجهات نظر يجعل المنشورات أقرب للتسلية والترفيه ومجاراة الأفكار الشائعة، وقد تُستخدم لتدعيم فكرة ما، ولتكريس صورة ذهنية معينة بغض النظر عن كونها صحيحة أو لا، أو لمجرد ممارسة الحق في النقد والسخرية من مبدأ القدرة على الانتقاد، وهو ما ظهر بشدة بعد عام 2011 دون تقديم حلول جذرية مثل مهاجمة الثوابت والأكبر سنًا وعند المطالبة بتقديم حلول لا تكون هذه الحلول متوافرة.

 

وبالنسبة لمدى توافر النص المصاحب للرسوم الساخرة، تبين أنه يتوافر النص في المنشورات، ونسبة ضئيلة جدًا هي التي جاءت بدون نص، فالاعتماد هنا على الكلمات سواء كانت للتوضيح أو للتفسير، ويمكن القول إن الكلمات تلعب دورًا أساسيًا في نقل الفكرة الساخرة، ويمكن تفسير ذلك بأن أغلب المنشورات اعتمدت على استخدام صور شخصية أرشيفية للفاعل السياسي، وبالتالي لا تدل على موضوع محدد، ومن هنا جاءت الحاجة لاستخدام النص، فمثلاً استخدام صورة رئيس الوزراء لا نستطيع أن ندرك موضوع السخرية في المنشور بدون نص يوضح ذلك. فقد تكون الصورة هنا لموضوعات عدة (غلاء الأسعار – قرارات حكومية تمس المواطنين – مواجهة إحدى الأزمات – الإعلان عن إجازة رسمية).

 

وعلى الرغم من أهمية الصورة وأنها يمكن أن تعبر أكثر من الكلمات، فإن الباحثة وجدت أن طبيعة المنشورات محل الدراسة جاءت معظمها للسخرية من قرار أو تصريح أو خبر من الفاعل السياسي ثم يأتي رد فعل المواطن وتعليقه عليه، وغالبًا يكون التعليق بكلمة أو تعليق ساخر، وبالتالي كان من المهم استخدام الكلمات لنقل القرار الرسمي أو التصريح، وهذا الجزء لا يتضمن سخرية، حيث يكون بمثابة عنوان للمنشور أو مجرد نقل للتصريح أو الخبر الرسمي، ثم التعليق عليه، وهو الجزء الساخر، سواء على لسان منتج المنشور أو القائمين على الصفحة أو التحدث بلسان المواطن العادي الذي يمسه هذا القرار أو التصريح، لذا أدرك القائمون على الصفحات أن استخدام الصورة فقط قد لا يكون كافيًا للتعبير عن السخرية من القرارات والتصريحات.

 

وتوفر النص في الصفحات الساخرة بنسبة بلغت (96%)، في حين بلغت النسبة (45%) في صفحات الكاريكاتور، ويمكن تفسير ذلك أن رسام الكاريكاتور يضع فكرته الساخرة في الرسم فيمكنه الاستغناء عن النص، والتعبير فقط من خلال الرسم والاكتفاء بعنوان يوضح ما يتناوله المنشور أو التعريف فقط بالأشخاص الموجودين في الرسم الكاريكاتوري، أما في الصفحات الساخرة الأخرى فالمنشورات التي اعتمدت على لقطات من أعمال الدرامية أو صور شخصية احتاجت لنص أو حوار لتوضيح الفكرة الساخرة والموضوع الذي يتناوله المنشور، ففي المنشورات التي اعتمدت على الرسوم الكاريكاتورية كان استخدام الكلمات في أضيق الحدود وبكلمات قليلة ودون وجود حوار بين الأشخاص الموجودين في الرسم الكاريكاتوري، إلا أن في بعض الرسومات لم يصل المعنى بسهولة للجمهور، وبدأ الجمهور في التساؤل والبحث عن المعنى من خلال التعليقات.

 

وكانت الغلبة للنص الملون في كل الصفحات ما عدا فقط صفحة إسلام جاويش "الورقة"، حيث اعتمدت على الرسوم الكاريكاتورية البسيطة بالأبيض والأسود ولم تؤثر بشكل كبير في إجمالي عينة المنشورات، نظرًا لصغر حجم عينة المنشورات عن الفاعلين سياسيًا في صفحة "الورقة".

 

ولا شك أن الإمكانات الهائلة التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة التي تضم مواقع التواصل الاجتماعي جعلت استخدام الألوان ليس خيارًا، وإنما هو من الأساسيات، وبالتالي جاءت كل النصوص في المنشورات ملونة، هذا بالإضافة إلى استخدام الصور الملونة ما عدا المنشورات التي استخدمت صورة أبيض وأسود لمشهد من فيلم قديم مثلاً أو صورة قديمة لفاعل سياسي.

 

وبالنسبة للغة النص، أوضحت الدراسة اعتماد الصفحات الساخرة على اللهجة العامية بشكل أساسي باختلاف النسب بين الصفحات، وترى الباحثة أن السبب في استخدام العامية لأنها الأسهل في الوصول إلى القاعدة العريضة من الجمهور، كما أنها تتناسب مع السخرية، وأن الصفحات لم يكن اهتمامها نشر اللغة السليمة، حيث وجدت كمًا كبيرًا من الأخطاء الكتابية عبارة عن حروف مفقودة وأخطاء إملائية في المنشورات، فليس هناك اهتمام بمراجعة وتصحيح الأخطاء، ولم تُستخدم الفصحى إلا في المنشورات التي تضع التصريح الرسمي أو البيان الحكومي كما هو بدون أي تعديل أو تعليق لتعطي له مصداقية. وأحيانًا يذكر القرار أو التصريح كعنوان بالفصحى ثم يكون التعليق عليه بالعامية، وحتى عند إضافة كلمات للخبر، فتكون أيضًا بالفصحى لتحتفظ بجديتها والإيحاء بجدية الخبر.

 

أشارت الدراسة إلى أن استخدام النص جاء كهدف لإظهار المفارقة في المرتبة الأولى يليها الفكاهة كهدف للنص، ثم يأتي بعدها توضيح المعنى ثم التفسير، وبنفس هذا الترتيب جاءت الصفحات الساخرة، أما صفحات الكاريكاتور فجاء الترتيب المفارقة وتوضيح المعنى أولاً بنسب متساوية، يليهما كل من الفكاهة والتفسير بنسبة متساوية.

 

في أغلب منشورات عينة الدراسة كان هدف النص الفكاهة والمفارقة، ثم يأتي بعد ذلك توضيح المعنى والأقل استخدامًا كان التفسير. فالملاحظ هنا في المنشورات أن النص ينقل للجمهور الحالة الساخرة، كما أنه يوضح الموضوع أو القضية التي يتم التعرض لها، فبدون النص لا يكون الجانب الساخر واضحًا للجمهور. فالنص مع المشهد أو اللقطة هما ما يمثلان السخرية، لكن بدونهما تصبح المنشورات عبارة عن تصريحات الفاعلين السياسيين، ولن يظهر الجانب النقدي أو الساخر.

 

أما توضيح المعنى فهو عندما يكون للنص دور مكمل لفهم المقصود من المنشور، فجزء من الرسالة يمكن أن يصل للجمهور من خلال الصورة، ثم يأتي النص لاستكمال الصورة أو الرسالة. ويظهر ذلك بشكل أكبر مع الرسوم الكاريكاتورية، حيث إن معنى الرسم قد لا يصل للجمهور بدون استخدام الكلمات، أما في المنشورات الساخرة الأخرى، فيكون التصريح أو القرار كافيًا لمعرفة الموضوع، حتى لو لم تتم إضافة أي حوار أو تعليق للمنشور، لكن إضافة النص هي التي توضح المعنى الساخر.

 

وللحديث بقية ..!.

د. شريف درويش اللبان

    Dr.Randa
    Dr.Radwa