السبت 4 مايو 2024

برضاها ولا من غير رضاها

أخرى30-11-2020 | 13:14

في خمسينيات القرن الماضي اتهمت فتاة من إحدى الأسر الثرية شابا ينتمى إلى الفئة نفسها، باغتصابها عندما ذهبت إلى منزل أسرته لزيارة شقيقته ولكنها لم تجد غيره في المنزل، فما كان منه إلا أن اغتصبها كرها عنها.

وتداولت القضية في مراحل التحقيق المختلفة وأمام هيئة المحكمة، وقف السياسي محاميا عنه السيد "مكرم عبيد" مدافعا عن المتهم وكان مكرم عبيد من أشهر وأكبر وأقدر المحامين في تاريخ القضاء المصري الواقف.

وكان ذا أسلوب مميز في المرافعات حتى أن كثيرا من الناس كانوا يذهبون إلي المحاكم التى يترافع فيها لسماع مرافعاته المفعمة دائما بالبلاغة اللغوية والثرية بالمعلومات القانونية والغنية باللمحات الذكية ولعل أشهرها "الكرافت" التى كان يلف بها ياقة قميصه وطلب من شاهد أن يذكر له لونها عند استجوابه وهي التى تم "اقتباسها" لشخصية المحامى الذي قام بأدائه الفنان الكبير فؤاد المهندس في مسلسل "عيون" الشهير بـ"مسلسل حيرم".

لكن في مرافعة قضية الاغتصاب، جاءت مفاجأة عبيد بما لا يتوقعه أحد، حيث بدأ بسؤال للمجنى عليها، بعد أن طلب مناقشتها أمام المحكمة، فإذا به بعد أن وقفت بجواره يقرر أمام القضاة بأن "المجنى عليها عندما شرع الجانى في مواقعتها صرخت مستغيثة" فسارعت الفتاة لتقول مؤكدة "أنا لم أصرخ" فإذا بكلمتين قاطعتين يفوه بهما مكرم "إذن بإرادتك".

وهنا انتهت المرافعة التي كانت أقصر مرافعات الدفاع في تاريخ المحاكم الجنائية.

فكون الفتاة لم تصرخ مستغيثة عند استشعارها الخطر ودون أن يهددها الجانى بالقتل أو الإيذاء المادي أو المعنوي، فإن ذلك يعد علامة على توافر إرادتها بقبول المواقعة الجنسية ومن ثم فقد انتفت تهمة "المواقعة بدون رضاها" وهي المعبر عنها شعبيا وإعلاميا بلفظ "الاغتصاب" فحسب نص المادة 276 من قانون العقوبات المصري فإنه "من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالسجن المشدد فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم السلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد".

إذن يشترط عدم رضا المجنى عليها حتى يتم وصف المواقعة بالجريمة.

ففي حال قبول المجنى عليها  طائعة مختارة، لا يكون الجانى حينئذ "مغتصبا" وقد اعتبر مكرم عبيد إقرار الفتاة المجنى عليها بعدم الصراخ، دليل انتفاء الاتهام عن موكله وأيدت المحكمة ما استند إليه المحامى العظيم فقضت ببراءة المتهم.

كذلك الجريمة الأقل عقوبة وإثرا من الاغتصاب وهي هتك العرض "المعروف إعلاميا بالتحرش" لها الحكم نفسه وهي توافر عنصر الإكراه بأى وسيلة للإدانة ويضاده عنصر الرضا لإثبات البراءة، فكلا الجريمتين لا تقعان مع توافر ركن رضا المجنى عليها، كما أن قبولها وقوع الفعل، له أدلته وقرائنه ومنها السكوت بدون إكراه أو مبرر، فكما أن السكوت في الزواج "علامة الرضا" فهو كذلك في الاغتصاب والتحرش.

ولكن في قضية قريبة العهد ذهبت بعض الفتيات إلى شاب يعيش في "كمباوند" سكنى وكن يزرنه واحدة تلو الأخرى وهو بمفرده لقضاء وقت "مع بعضينا" لكن حدث أن "استطالت يده إلى أجسادهن بغية قضاء شهوة" وكن يتركنه أيضا بمفرده ولم تتقدم أي منهن ببلاغ ضده إلى أن حدث أن تذكرت إحداهن ما فعله الشاب معها في منزله الذي ذهبت إليه "برضاها" ولكنها اكتشفت أنه "إنسان وحش" و"كائن شهوانى" و"مش متربي" مع أنها عندما ذهبت معه على عادة "بنات الناس المتربيين" وهو أمر معهود في فئات معينة تعيش بيننا، ولم تتوقع منه ذلك.

والسؤال: "كنت فين يا شاطرة طوال ثلاث سنوات منذ وقوع التحرش؟.

وسؤال آخر: لماذا ذكرت هذا على مواقع الثرثرة الاجتماعية ولم تتقدمي ببلاغ حتى تم "نصحك" بتقديمه من جانب ناشطة شاركت في الحوار المثرثر؟.

ــ حد سأل؟

ــ لأ.. ولا اهتم حتى حتى بأنه يسأل

ولكن هذه الواقعة تتضاءل أمام واقعة "مواقعة" أخرى قررت فيها فتاة أخرى، أن عددا من الشباب "اغتصبوها" داخل منشأة سياحية وكمان قاموا بالتوقيع بالأحرف الأولى على جزء حساس من جسدها

ــ هل صرخت؟

ــ لا

ـ هل أبلغت بما حدث؟

ــ نعم.. هي أبلغت

ــ متى؟

ــ بعد 6 سنوات

ــ رحمة الله عليك يا أستاذ مكرم عبيد.. لهذا استحققت أن تكون علامة بارزة من علامات القضاء الواقف.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa