حولوا العالم إلى برتقالى.. «قاسم أمين» محرر المرأة فى القرن العشرين
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة 16 يوما للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي بدأ منذ يوم الخميس 25 نوفمبر الماضي، ويستمر نشاط الحملة حتى الخميس 10 ديسمبر الجاري، والذي يتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وقد حددت الجمعية موضوع اليوم الدولي لهذا العام وهو "تحويل العالم إلى البرتقالي: مولوا، واستجبوا، وامنعوا، واجمعوا"، وذلك من أجل رفع الوعي حول مدى المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الإغتصاب والعنف المنزلي، وغيرها من أشكال العنف المتعددة.
وفى أثناء تلك الحملة ترصد "الهلال اليوم" أهم أفكار الكاتب والأديب، قاسم أمين، الذي يعد واحدا من أبرز رواد حركة تحرير المرأة في مطلع القرن العشرين، وهو كاتب، مصلح إجتماعي، وأحد مؤسسي الحركة الوطنية المصرية. وله مسيرة طويلة من العمل انشغل فيها بقضايا المجتمع الكبرى كتحريره ونضاله ضد المستعمر الإنجليزي، ومناداته بتحرير المرأة من تلك القيود التي تسرق حقوقها.
أثار كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين، الذي صدر فى عام 1988، ضجة كبيرة وقت ظهوره، ولم تكن الضجة في الأوساط الثقافية والسياسية فقط، بل انتقلت إلى عموم الشعب المصري بأكمله، حيث يتناول المرأة بصورة غير مألوفة للكثيرين، فقد خرج عن نطاق المعتاد السائد المستساغ، حاول قاسم أمين من خلال الكتاب أن يلفت الأنظار إلى أوضاع المرأة الإجتماعية والسيساسية، التي تعيشها، حيث كانت تعاني قهرا إجتماعيا نابعا من العادات، التقاليد والموروث الثقافي الذي كانت صلته وطيدة بالفهم الخاطئ للمعتقدات الدينية، ومن ثم فُرضت القيود التي طوقت المرأة لعقود كثيرة.
انطلق أمين، من دعوته لتحرير المرأة المصرية منذ بداية القرن العشرين، حيث كان يعتبر أن صلاح الأمة العربية يتوقف بالدرجة الأولى على تربية المرأة وتعليمها، وهذا ما ركز عليه فى كتابه"تحرير المرأة"، فهو يرى أن المرأة لا فرق بينها وبين الرجل، لا تختلف عنه فى شيئ في الوظائف، الإحساس، الفكر ولا فى كل ما تقضيه حقيقة الإنسان.
رأى قاسم أمين أن المرأة كانت محرومة من اللجوء للقوانين، فأخذ يصف فى كتابه حال المرأة فى تلك الحقبة بكل ما تعانيه من جهل، تمييز نوعي، قهر وظلم كبير يقع على كاهلها دون غيرها.
وتعجب أمين، في كتابه "تحرير المرأة" من موقف المجتمع من تعليم المرأة، ويسرد تساؤلاتهم التي لا تستند إلى أي منطق، وكان يرد عليهم بمنطق فقهي، فالشريعة الإسلامية لم تحرم عمل المرأة أو تعليمها، كما أنها لم تبيح تعنيفها والاعتداء على مساحتها الخاصة فيقول "لا يزال الناس عندنا يعتقدون أن تربية المرأة وتعليمها غير واجبين، بل إنهم يتساءلون هل تعليم المرأة القراءة والكتابة يجوز شرعا أم هو محرم بمقتضى الشريعة".
رأى قاسم أمين، في "تحرير المرأة" أنها قد حرمت من أن تمارس أعمالها بكل حرية، فقد كانت في ذلك الوقت لا تزال فى كنف السلطة الأبوية، وقال أن العلماء فى خضم ذلك لا يصح لهم الحكم على طبيعة المرأة ومبلغ استعداداها للكمال الإنساني إلا فى حالة أن تملك حريتها وزمام أمورها كما يملك الرجل، فلا شيء يمنع المرأة المصرية من أن تشتغل مثل الغربية في مجالات مثل: "العلوم، الآداب، الفنون الجميلة، التجارة والصناعة" ولا عائق لها إلا جهلها وإهمال تربيتها، فلو أخذت فرصتها كاملة وتم توجيهها بشكل أمثل فسوف تستخدم مداركها، قواها العقلية والجسدية لتنتج وتساعد فى بناء المجتمع، ويعقد مقارنته بالمرأة الغربية التي أكانت قد أصبحت قاضية، بل وقسيسة تخطب فى الكنائس ويستمع إليها المئات من رعايا الرب.
كانت دعوته إلى عمل المرأة، وتحريرها من ظلمة الجدران الأربعة لكي تعيل نفسها وتحافظ على كرامتها، ومهما كانت حالتها الإجتماعية، فالمرأة تحتاج إلى عمل لتثبت وجودها ولتنفق على عائلتها أو على أولادها، واشترط فى ذلك أن تكون متعلمة لكي تشتغل بأعمال مناسبة ولا تكون منافية للآداب العامة.
وقد واجه قاسم أمين في ذلك الحين انتقادات عنيفة من نخبة المجتمع مثل: مصطفى كامل، محمد فريد، وآخرين، حيث وجدوا أن الإقتداء بالثقافة الأوروبية لايليق بالأمة الإسلامية، لأنها تخالف الأعراف السائدة فى المجتمع الشرقى المحافظ.
كما لم يسلم أمين من الإنتقادات على الأفكار التي طرحها حول قضية حجاب المرأة، لأنه كان يرى أن الحجاب ليس من الدين أصلا، وإنما هو لباس إجتماعى وموروث عن الأجداد، ولا يوجد دليل من الدين يوجب الحجاب على المرأة، ورأى فبعض معارضيه أنه يدعو إلى خلع الحجاب لأنه لا يليق بالفتاة الشابة، ورغم تلك الإنتقادات التى واجهتهه إلا أن دعوته لقيت الإهتمام من طرف المهتمون بقضايا المرأة العربية، وكأنما النساء يمثلن نصف المجتمع ولا يتعرضن مثل الرجال لمشاكل الحرب والإستعمار أو الفقر والبطالة وغيرها من الأزمات التي تطرأ على المجتمع ويكون الرجل أو المرأة أطرافها.
بينما فى كتابه "المرأة الجديدة" الذى صدر فى عام 1900، كان يقصد بالمرأة الجديدة، تلك التي بدأ ظهورها في الغرب منذ عصر التنوير، وهي المرأة التي بدأت تلعب دورا جوهريا في المجتمع، على كافة المستويات بعد أن كانت مهمشة، تعاني الإقصاء في عصور ما قبل التنوير الأوروبي، حيث يرى أن صورة المرأة فى القرن التاسع عشر أشبه بحالة المرأة فى عصور أوروبا المظلمة، و"المرأة الجديدة" أحد أهم إرهاصات التنوير ودخول عصر الحداثة، هى تداعيات العقل الإنساني المفكر صاحب الاكتشافات ليبدأ العقل في التخلص من أوهام الخرافات ويسلك طريق العلم وينير دروبه، من خلال سن القواعد والقوانين، التي تكفل الحرية للجميع، لذلك جاءت أراءه مستندة إلى الشريعة الإسلامية التي منحت المرأة من إثنى عشر قرنا كامل حقوقها التي لم تنلها المرأة الغربية إلا في بداية القرن التاسع عشر والتي كانت مرتبطة بازدهار الحركات النسوية التي نادت بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل فى كل شيء.