السبت 28 سبتمبر 2024

السينما في مهرجان القاهرة.. الكبار أيضا

أخرى7-12-2020 | 18:14

انتشرت نغمة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي بين السينمائيين في مصر ، وهي أن "السينما للشباب فقط"، ولا مكان فيها للكبار، فوجدنا نجومنا الكبار مثل محمود عبد العزيز ونور الشريف و محمود ياسين يعانون من البطالة السينمائية، أو الظهور النادر بأدوار صغيرة أو كضيوف شرف، وذلك قبل وفاتهم بسنوات طويلة، وانغلقت الأجيال الجديدة على نفسها تماما، وكأن صناعة أفلام لكبار السن شيء مستحيل.


ومع بداية مهرجان القاهرة ، ذلك العيد السينمائي السنوي، شاهدنا في أول ثلاثة أيام ثلاثة أعمال، أبطالها نجوما كبار، ومواضيعها ترتبط بالفئات العمرية الكبيرة، وكلها حازت إعجاب الجمهور بدرجات متفاوتة، مما ينفي كل الادعاءات السابقة. 


أول هذه الأفلام، والذي يستحق عليه القائمون على المهرجان كل التحية، هو فيلم " The fathe""،  للقدير أنتوني هوبكنز الذي كان خير افتتاح للمهرجان، الفيلم مأخوذ عن مسرحية بنفس الاسم للمؤلف المسرحي فلوريان زيلر، الذي قام أيضا بإخراج الفيلم وكتب له السيناريو كريستوفر هامبتون.


"The fathe""،  بالتأكيد ليس هو الفيلم الأول الذي يناقش قضايا كبر السن والشيخوخة، لكنه من الأفلام القليلة، التي استطاعت النفاذ إلى أرواحنا بالسيناريو الرائع والأداء المذهل لهوبكنز، الذي قال "إن الدور لم يكن صعبا في الأداء بل كان سهلا لأن النص جيد"  ورغم أن الفيلم لم يخرج من شقة أنتوني إلا حين ذهب للمستشفي، إلا أننا لم نشعر بالممل، بل كنا نعيش مع أنتوني هواجسه ومخاوفه ونشفق عليه وعلى ابنته الحائرة بين بقائه معها، وبين إيداعه مستشفي .


توحد الجميع مع هوبكنز، الذي كان سهلا عليه كما قال أن يتقمص شخصية أنتوني الرجل الثمانيني، الذي يعاني من أمراض الشيخوخة والخرف، والألزهايمر  في مراحلها الأخيرة،  وكان زيلر على حق حين قال "لقد كتبت هذا السيناريو لأنتوني هوبكنز، هو الذي أردته لفيلمي وهو الذي كنت أحلم به لتولي الدور"، لذلك فليس غريبا أن يسمي بطل القصة بنفس الاسم الأول لأنتوني هوبكنز، الذي بكينا معه، وجعلنا نفكر في مصيرنا ومصير أحبائنا من كبار السن، ويستحق هوبكنز عن هذا الدور جائزة أوسكار أحسن ممثل، التي فاز بها مرة واحدة عام 1991 لتأديته دور هانيبال ليكتر في فيلم صمت الحملان.


  أما الفيلم الفلسطيني "غزة مونامور" الذي رشحته فلسطين لتمثيلها في المنافسة على جائزة أوسكار أحسن فيلم غير ناطق بالإنجليزية، فبطله صياد ستيني، يعيش في غزة ، يدعي «جودت أبو غراب»، (يجسده الممثل الفلسطيني سليم ضو) عثر في شبابه أثناء الصيد قبالة سواحل «دير البلح» بقطاع غزة، على تمثال برونزي يُجسِّد الإله أبولو، أحد آلهة الإغريق القدامى، وتسبب هذا التمثال في سجنه أكثر من مرة، وهو يحب جارته سلمي "هيام عباس" حائكة ملابس " ، ومن خلال هذه القصة البسيطة ، استطاع الأخوان "طرزان وعرب ناصر" أن يرسما لوحة ناعمة تعرفنا من خلالها على الأحوال السياسية والاقتصادية في غزة، وووقوع أهلها بين مطرقة الأمن، وسندان الاحتلال، فالقضية الفلسطينية حاضرة دائما حتى وإن لم تتصدر الواجهة.


نجح سليم ضو، في تجسيد شخصية العجوز المولع بالحب، الذي يتحدي كل الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والأمنية الصعبة، ليصل إلى محبوبته في النهاية،  وكانت هيام عباس معبرة ببساطة كعادتها عن أوجاع المراة الفسلطينية في ظل الحصار والقبضة الأمنية، والتقاليد المجتمعية البالية.


الفيلم تأليف وإخراج الأخوان «طرزان وعرب ناصر»، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين وفرنسا وألمانيا والبرتغال.

تم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي في دورته الـ 77، وفاز بجائزة اتحاد دعم السينما الآسيوية، في مهرجان تورنتو  كما فاز الفيلم بعدة جوائز أخرى في مهرجانات دولية: كمهرجان بلد الوليد السينمائي الدولي، ومهرجان أنطاليا للأفلام. 


الفيلم الثالث، هو "حظر تجول" الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية،  وهو من تأليف وإخراج أمير رمسيس، وبطولة إلهام شاهين، وأمينة خليل وأحمد مجدي. جسدت فيه إلهام شاهين، شخصية فاتن، التي قضت من عمرها 20 عاما داخل أسوار السجن، بتهمة قتل زوجها، وخرجت في أحد ايام حظر التجول الذي فرض، عام 2013، لتضطر ابنتها لاستضافتها ليلة كاملة، رغم عدم رغبتها في ذلك، لأنها حرمتها من والدها، لتمر بهم أحداث كثيرة تغير في شكل العلاقة، ونكتشف خلالها سبب قتلها لزوجها، الذي حاول الاعتداء على ابنته، ليناقش الفيلم قضية خطيرة وهي "زنا المحارم"، هذه القضية التي يخشي الجميع الحديث عنها ويدفنون رؤوسهم في الرمال.


رأينا الأم المظلومة التي قتلت زوجها لأسباب تستحق من وجهة نظرها، لكنها لا تريد معرفة ابنتها، وتحاول في نفس الوقت أن تكسب تعاطف ابنتها، لنري تحول إلهام شاهين خلال أحداث الفيلم أكثر من مرة من السيدة القوية إلى الأم الحنون الضعيفة التي تتمني كلمة حنان من ابنتها ، وكان الممثل الفلسطيني كامل الباشا مؤثرا في دور المحب في صمت.