بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، بدأت فعالياته في 25 من نوفمبر الجاري وتستمر لمدة 16 يوم تحت شعار "حولوا العالم إلى البرتقالي".
تنشر "الهلال اليوم"، عددًا من المقالات الصحفية لمبدعات يُقدمن شهادتهن حول ما تتعرض له المرأة من أشكال عنف في المجتمعات العربية.
العنف ضد السعادة والبهجة..أزمتي الحقيقية مع "العنف " أي عنف إنه يكسر روح من يمارس ضده..
فما بالنا بعنف يوجه منذ مئات السنين ضد فئة معينة، عنف ممنهج يمارس بعفوية وتلقائية بشكل أعطاه شكل العرف، أضفى على قسوة الرجل ضد زوجته وبناته، ثم قسوة الأخ ضد أخته وأمه، شئ من العادية.
يظل النموذج المسيطر على ذهني في الأدب في قمع تربية الفتاة /المرأة لاحقا هي رواية "ذات" لصنع الله إبراهيم.. إعجاز هذه الرواية في رأيي ليس فقط أن كاتبها رجل، وإنما لأنه نجح أن يضم كل ما يمكن أن تتعرض له الفتاة المولودة هنا..
التفريق بينها وبين أخيها، الختان، التربية القاسية حتى لا تفسد، تسليمها لزوج يشبه أبيها، الوقوع في الأسر من يد ليد، حيث لم يصبح في يد تلك البطلة في الرواية شئ من أمرها، فقط أمنية بسيطة أن تجدد حمام بيتها ذات يوم، الحلم الذي يبقى في قلبها سنوات دون قدرة على تحقيقه، فيصبح جلوسها في الحمام والبكاء، هو الطقس الوحيد الثابت الممتد عبر حياتها كلها.
الناجيات من مذابح تربية أب يمارس رجولته المرتبكة بقسوة ضد بناته، ستجدهن هنا وهناك يرسمن ويكتبن ويفعلن بالضرورة أشياءً مختلفة، معلنين في كل مناسبة إنهم نتاج تربية أب شجاع ومختلف، بعض هؤلاء الناجيات إن لم تكن كلهن يتوقف حسن الحظ لديهن عند مرحلة الأب، لا تمنحهن الحياة زوجا أو حبيبا متفهما، قادرا على رعاية زهرة قلوبهن.. و منحها ما يكفيها من هواء وشمس وحرية..
تبدو ملهاة بائسة، الرجل الذي يتزوج فتاة مختلفة، كل ما يعجبه فيها، كل ما اختارها من أجله، هو بالضبط ما سيناضل طيلة علاقته بها على طمسه وتشويهه.
أشبه دائما شعور الرجل بأن تلك الفتاة أصبحت ملكه، ومن حقه، حتى وضع إصبعه في عيناها وإخراجها في يده، هي دميته التي فاز بها في الليلة الكبيرة في أحد موالد الحياة.
ليس هناك عنف في رأيي، يمكن أن يمارسه رجل/ حبيب ضد حبيبته أكثر من رغبته الخالصة في قتل بهجة روحها، لتبدو سجينته.. هكذا يخبر الرجل/ النموذج داخله أنه فاز ولم يخرج على النص.
لي صديق من أكثر الرجال تفهما، صديق جيد ومستمع صادق، ومبدع مرهف وشديد الموهبة.. ودامت صداقتنا لسنوات قبل أن نجتمع في جلسة تضم أصدقاء كتّاب، صحافيين، نقاد وزوجته، كانت هادئة ولطيفة، طيلة الجلسة كانت مبتسمة وصامتة حتى تحدث أحد الجالسين عن أمر له علاقة بالفن التشكيلي وأظنها مهتمة بالموضوع أو له علاقة بدراستها فتحمست لكلامه وعلقت بكلمة أو إثنتين، عندما انفض الجمع وبقينا أنا وصديقي وزوجته، عنفها بقسوة، وسألها بسخرية إن كان كلام زميلنا التشكيلي عجبها لهذه الدرجة.
مضت سنوات على هذا المشهد، وتكومت لديّ فوقه عشرات المشاهد المؤسفة المشابهه، رأيت نساء تذبل وتخضع للرجل الذي اختارته يوما، وظنت أنه يفهم مفاتيح روحها، سيمنحها الاستقرار والسعادة، لكن الخذلان جلي على الملامح، الحزن يسحب القسمات في اتجاه جاذبية الأرض فيبدو الوجه والجسد كله ثقيل الحركة، منجذبا نحو الأرض..
ورأيت نساء أكثر شجاعة يغادرن القارب، أو يتركن وحيدات وسط البحر على لوح خشبي عقابا لهن على عدم الاستسلام، على الرغبة في الحفاظ على الضوء داخلهن، وعلى الحق في البهجة والسعادة والإختيار..
الحق في اختيار ما قد ترغب في ارتدائه، اختيار أماكن للخروج، وأصدقاء ومعارف لتأنس بهن، اختيار صورة ومحتوى صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي.
فهل يبدو منطقيا ونحن نتحدث عن مناهضة العنف ضد المرأة، أن نتحدث في حقها أن تتنفس وتحلم وتبتسم!!