أبكي ألمًا، عندما أذكر لحظات الحزن التي لم أعطِها حقها وأعيشها كما تستدعي تفاصيلها، فكل لحظة تماسكت فيها واستمسكت بقوتي، تؤلمني اليوم أضعاف، وتخور قواي عندما تعود الأحداث من الذاكرة، أعيشها بنفس الألم المكتوم، والصرخات المدوية بداخلي، أبكي على نفسي حزنًا، وعلى عدم قدرتي حينها، على إبراز مراسم الحزن، بنفس قوة الآلم حينها.
فأذكر يوم ماتت أمي، كان عقلي غير مصدق وفي حالة من الذهول والشرود، وقلبي يتمزق ألمًا وحسرة، وجسدي يرتعد، أغلق أذني عن سمع اسمها، الذي ما إن ذكروه قرنَ بالموت، وكأنهم يؤكدون لي وفاتها ورحيلها، أبعد بالنظر عن جثمانها الممدد، ولمْ أنسَ لحظة احتضانها، كان جثمان أمي خاليًا من أمي، الجميع حولي مستوعب جدا الأمر، إلا أنا فلم أكن في حالة وعي كاملة، كنت أظنها صبرًا وجلدًا، لكنها كانت قمة الضعف، وتجلي عظيم لسيطرة الألم الذي أسكت كل جوارحي إلا قلبي الذي أصابه الخرس وقتئذ، فلم يستطع البوح عن تمزقه.
لا أدري كنت أتماسك لأجل خوفي مما قالوه عن أن صراخ القلب يؤلمها، وكلمات الحزن التي ربما تُعَد كفرا ستؤذيها، أو لأجل إخوتي وأحبتها، ساد الصمت ظاهرا واختنقت الكلمات في حلقي، لكن بركانا من الداخل يصهر قلبي.
لكنني كنت في كل يوم وليلة، أراني أرتدي الأسود وارقص رقصة الموت وبعدها تفيض روحي الى خالقي، كان انتحار يومي في كابوس يطبق على انفاسي، أقوم على إثره من نومي مفزوعة، ورغم ليالي البرد الشديد كنت اتصبب عرقًا، وبعد تردد كابوس رقصة الانتحار لشهرين أو أكثر، قمت أصرخ بأثر رجعي وبشكل هيستيري على الأيام التي دفنت فيها ألمي بقلبي، لكنها لم تشفني.
ورددت بداخلي جملة: "إن أنت أجريت جراحة، عليك التخلص من الآلم دفعة واحدة وابدأ بجُرحٍ ملتأم، تنسجم خيوط الجراحة مع أنسجته، ورددت في قرارة نفس: أعلم وأعي أن كلها جروح، لكن ستشفني الطريقة التي داويت بها الجُرح وترتفع على إثرها الروح، لذا سأحزن لآخر نفس، لأعود قوية، لا بدون ألم وإنما قوية بذكرى الألم".