الإثنين 17 يونيو 2024

لسان زكي بدر!

أخرى9-12-2020 | 11:17

سليمان عبدالعظيم

أكتب هذا المقال عن اللواء زكي بدر دون أن تكون هناك أي مناسبة تستدعي الحديث عنه الآن إﻻ إذا كان اللقب الذي حصل عليه بجدارة وامتياز بوصفه أعنف وزير داخلية مصري يصلح أن يكون مناسبة للحديث عنه !


للوهلة الأولى سوف تتسرع وتقول أنني ضد زكي بدر على طول الخط ..!


أرجوك ﻻتفهمني غلط..ﻻ تحكم بذلك..حاسب.. فسوف تكتشف وأنت تقرأ السطور القادمة أن العبد لله كان جزءأ كبيراً منه معجباً أشد الإعجاب باللواء زكي بدر وتجربته الأمنية الناجحة في مقاومة الإخوان الإرهابيين ومناصريهم من الجماعات الإسلامية الدموية !


لقد تولى زكي بدر إدارة شئون محافظة أسيوط في 20 مايو 1982 بعد اغتيال الرئيس السادات بستة أشهر وتولى هذا المنصب خلفاً لمحافظها الأشهر محمد عثمان إسماعيل الذي يعتبر مهندس عملية إطلاق سراح الإخوان ودفعهم للوقوف ضد الناصريين والشيوعيين، وكان زكي بدر هو المحافظ رقم 8 لأسيوط منذ ثورة يوليو1952 ،وظل باقياً في هذا المنصب لأكثر من 3 سنوات تحولت بعدها أسيوط من حالة تمرد على سلطة الدولة إلى محافظة مثل باقي المحافظات الأخري.


ومازلت أتذكر 4 أيام قضيتها في أسيوط مع زملاء أعزاء في بلاط صاحبة الجلالة.. يومان في 1985 ومثلهما في العام الجديد 1986 كنا وفداً من محرري الشئون الصحية ومحرري شئون الحزب الوطني.. سافرنا بالأتوبيس مع الدكتور حلمي الحديدي وزير الصحة إلى أسيوط.. كانت أول مهمة حزبية للدكتور حلمي الحديدي كأمين عام مساعد جديد للحزب الوطني..الآن أصبح هناك ثلاثة أمناء مساعدين هم الداهية صفوت الشريف والعملاق كمال الشاذلي والرجل الذي توقع الرئيس مبارك أنه سيكون مثل اسمه تماماً !!


لقد نظف زكي بدر أسيوط من فلول الإرهابيين والمجرمين..وكان دور حلمي الحديدي هو تنظيفها وتطهيرها من عتاة الحزب أصحاب سلطة المنح والمنع في أركان المحافظة وعلى رأسهم أمين عام الحزب بأسيوط محمد عبد المحسن صالح رجل كمال الشاذلي القوي الذي كان هو والمحافظ صنوان حيث كان مركز قوة خطير برئاسته لأمانة الحزب بأسيوط ورئاسته للمجلس الشعبي المحلي لأسيوط .


في لقاء الحديدي بالمجلس المحلي كانت علامات الارتياب ظاهرة على وجوه القيادات الملتفة حول عبد المحسن صالح من ذلك الزائر الغريب الذي قرر أن تكون أسيوط أول مهمة له بمجرد أن عينه الرئيس مبارك أميناً عاماً مساعداً دون أن يهتم بإخطار الشاذلي والشريف مسبقاً بأنه قرر أن يكون الحديدي ثالثهم!


بحسه الأمني وخبراته الجنائية جلس زكي بدر يستمع بإنصات لكلام أعضاء المجلس المحلي وكلام الوزير الحديدي.. في مقعدي الذي كان قريباً من المنصة كنت أركز علي نظرات المحافظ وابتساماته الساخرة التي كانت تحمل في طياتها ألف معنى و مغزى !


في آخر تلك الليلة سمعت المحافظ يقول للوزير حلمي: مش قلت لسيادتك.. دول ياسيادة الوزير ناس جربانة وأوساخ ما ينفعش معاهم إﻻ ضرب الجزم!


وبمجرد أن خرج زكي بدر من غرفة حلمي الحديدي ولمحني قريباً جدا من الباب قال و دون أن يلتفت هنا او هناك: أيوه يا عبد العظيم دول وﻻد كلاب وما ينفعش معاهم إﻻ ضرب الجزم!!


كانت الدولة المصرية بعد أحداث تمرد الأمن المركزي في أشد الحاجة لرجل قوي يشكم كل من يتجاوز أو يعدي الخط..أصبح زكي بدر وزيراً للداخلية بعد استقالة اللواء أحمد رشدي..


أخر مرة رأيت فيها الرجل كانت  في عزاء والد وزير الإعلام الشهير منصور حسن بالسرادق الكبير للغاية الذي خنق حي الزمالك في هذا المساء شاهدت سكرتير الوزير منصور يصطحب وزير الداخلية إلى أخر السرادق الذي لم أشهد له مثيلاً.. رأني زكي بدر ودون أن يتوقف قال لي إزيك يا عبد العظيم..وسمعته يقول لمرافقه : انتوا واخديني على فين..انتوا خايفين قوي عليا منهم كده؟!!


في سري قلت..وزير الداخلية مركز معايا قوي كده ليه.. وكمان ده حافظ اسمي.. ربنا يستر!


استتب الأمن في البلاد..واختفي اللصوص ولكن لصوص السياسة والأحزاب ظلوا يتربصون بزكي بدر تماماً مثلما تربص هو بالمنحرفين منهم!


مشكلة زكي بدر أن اللي في قلبه على لسانه..ولسانه كان يطول الكل ..قالوا أنه كان يلسن ويشاور على بعض زملائه الوزراء.. جرأة الوزير زكي بدر في التلسين لم تكن على بال حد.. الوحيد في بر مصر الذي سلم من لسانه هو الرئيس مبارك إﻻ مرة واحدة..كانت في احتفالية بمحافظة القليوبية..في هذا اليوم ( الذي لم يكن يومه كما يقولون) سأل زكي بدر في حد هنا من جريدة الوفد.. وعندما قالوا مفيش.. فتح الوزير على البحري .. ولما يفتح زكي بدر على البحري قولوا معايا يا رحمن يا رحيم..


أي نعم الواد بتاع الوفد(زي ما قال ابن بدر) ما كانش موجود.. لكن صلاح النحيف كان موجوداً لسوء حظ الوزير

فتحها الوزير على البحري وتكلم عن ملكات شخصية جدا موجودة لدى مبارك ما كان ينبغي أن تأتي أبداً على لسان وزير..ولكنه لسان زكي بدر يا ناس!


لقط جهاز تسجيل أخونا المحترم صلاح النحيف الصحفي بجريدة الشعب لسان حال حزب العمل الإشتراكي كل مادار في هذا المساء الذي كان اسوأ ليلة على الإطلاق في حياة زكي بدر..


الشريط أخذه المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل وسلمه للدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس ونسخة أخري ذهبت للدكتور مصطفى الفقي مدير مكتب الرئيس .. ووصل الشريط إلى الرئيس مبارك!


كان هذا الشريط  فضيحة سياسية بكل المعايير.. ولذا اضطر مبارك لإقالة أعنف وزير داخلية أدخل معارضي النظام السجون بدون رحمة ، و كانت أوامره الصارمة لضباطه و رجاله ( بالضرب في سويداء القلب) !!


نحن الآن في عام 1992.. جالساً كنت مع أخي الكبير الأستاذ إبراهيم حجازي في كافيتيريا الياسمين بشارع جزيرة العرب بالمهندسين.. هكذا تعودنا أن نفصل ساعة ساعتين قبل أن نعود إلى بيوتنا فجأة قال الأستاذ إبراهيم ( عضو مجلس الشيوخ الآن) : زكي بدر جاي أهو!


كنت أسمع أن زكي بدر يأتي من سكنه الخاص في عمارات التوفيق بمدينة نصر إلى الياسمين أحياناً..لكنني لم أراه 

رأيته في ذلك المساء.. قال قبل أن يجلس على مائدته : إزيك يا إبراهيم بك..إزيكوا يا بهوات..أهلاً إزيك يا عبد العظيم..ياه 6 سنوات مروا على أول لقاء معه والراجل لسه فاكر اسمي وحافظه!


عزمت نفسي على ترابيزة الوزير وقلت هامساً: مش ها تكتب مذكراتك بقي يا معالي الوزير ؟!..ترك مبسم الشيشة وقال متهكماً : ومين بقى اللي هينشرها.. الأستاذ ..ابن الـ..غضبت من وصفه.. سكت .. وقلت في سري: يا ترى أنت فين يا صلاح يا نحيف ؟!