الأحد 28 ابريل 2024

د. نبيل فاروق يكتب: بعد‭ ‬الحرب‬‬

كنوزنا10-12-2020 | 17:40

آلاف‭ ‬الكتب‭، ‬تكتظ‭ ‬بها‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬العالمية‭، ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭، ‬عن‭ ‬الحروب‭، ‬وفنونها‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬وتكتيكاتها‭، ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬جداً‭، ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬كتباً‭، ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬عالمية‭، ‬تتحَّدث‭ ‬عن‭ ‬أيدولوجيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحروب‭، ‬فالحروب‭ ‬ليست‭ ‬هدفاً‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭، ‬لا‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬المعارك‭، ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية‭..‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


آلاف‭ ‬الكتب،‭ ‬تكتظ‭ ‬بها‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬العالمية،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬عن‭ ‬الحروب،‭ ‬وفنونها‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬وتكتيكاتها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬جداً،‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬كتباً،‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬عالمية،‭ ‬تتحَّدث‭ ‬عن‭ ‬أيدولوجيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحروب،‭ ‬فالحروب‭ ‬ليست‭ ‬هدفاً‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬المعارك،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية‭.. ‬الحروب‭ ‬مجرَّد‭ ‬وسيلة؛‭ ‬لبلوغ‭ ‬هدف‭ ‬ما،‭ ‬ولهذا‭ ‬فدوماً‭ ‬ما‭ ‬تنتهى‭ ‬الحروب‭ ‬بعالم‭ ‬شديد‭ ‬الاختلاف،‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬بدايتها،‭ ‬إذا‭ ‬ماتحقّق‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭.. ‬أمريكا‭ ‬كانت‭ ‬مستعمرة‭ ‬بريطانية‭ ‬لزمن‭ ‬طويل،‭ ‬ثم‭ ‬حاربت‭ ‬لتنال‭ ‬استقلالها‭ ( ‬19‭ ‬أبريل‭ ‬1775‭- ‬3‭ ‬سبتمبر‭ ‬1783م‭)‬،‭ ‬بسبب‭ ‬تعُنت‭ ‬البرلمان‭ ‬البريطانى،‭ ‬تجاه‭ ‬مستعمراته‭ ‬وقاطنيها‭ ‬فى‭ ‬أمريكا،‭ ‬إذ‭ ‬حرمهم،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬أى‭ ‬تمثيل‭ ‬فيه،‭ ‬وعندئذ‭ ‬رفع‭ ‬الأمريكيون،‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬الثلاثة‭ ‬عشر‭ (‬آنذاك‭)‬،‭ ‬شعار‭ ‬لا‭ ‬ضرائب‭ ‬بدون‭ ‬تمثيل‭ ‬برلمانى،‭ ‬ومع‭ ‬زيادة‭ ‬حالة‭ ‬التمَّرد،‭ ‬تحَّول‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ثورة،‭ ‬أعلنت‭ ‬خلالها‭ ‬الولايات،‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا،‭ ‬فاندلعت‭ ‬الحرب،‭ ‬التى‭ ‬انتهت‭ ‬باستقلال‭ ‬أمريكا‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وانسحاب‭ ‬تلك‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬المستعمرات،‭ ‬لتتكوَّن‭ ‬نواة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التى‭ ‬تحتفل‭ ‬باستقلالها،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬فى‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬توقيع‭ ‬وثيقة‭ ‬الاستقلال‭.. ‬الحرب‭ ‬إذن‭ ‬بدأت‭ ‬بسبب،‭ ‬وانتهت‭ ‬بنتيجة،‭ ‬هى‭ ‬نفسها‭ ‬ذلك‭ ‬السبب،‭ ‬الذى‭ ‬اندلعت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭.. ‬وحرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973م،‭ ‬اندلعت‭ ‬لتحرير‭ ‬سيناء،‭ ‬واسترداد‭ ‬الكرامة‭ ‬المصرية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المزاعم‭ ‬الإعلامية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬وقواتنا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬سيناء،‭ ‬وخط‭ ‬بارليف‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتنا،‭ ‬والعلم‭ ‬المصرى‭ ‬يرتفع‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الفيروز‭..

‬الحرب‭ ‬اندلعت‭ ‬أيضاً‭ ‬لسبب،‭ ‬ووضعت‭ ‬أوزارها،‭ ‬مع‭ ‬تحقق‭ ‬جزءاً‭ ‬منه‭.. ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬الحروب‭ ‬تندلع‭ ‬دوماً،‭ ‬وفقاً‭ ‬لأيدولوجية‭ ‬واضحة،‭ ‬ومنهج‭ ‬يحدَّد‭ ‬مسارها،‭ ‬ويرسم‭ ‬خطواتها،‭ ‬ويقر‭ ‬أهدافها‭.. ‬والأهم‭.. ‬يضع‭ ‬مفهوم‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭.. ‬ذلك‭ ‬وفقاً‭ ‬للأيدلوجية،‭ ‬التى‭ ‬اندلعت‭ ‬بها‭ ‬الحرب‭ ‬ذاتها‭.. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬كان‭ ‬مجَّرد‭ ‬مقدَّمة؛‭ ‬لتحليل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬م،‭ ‬وما‭ ‬يثار‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬جدل،‭ ‬وما‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عصبية،‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.. ‬فالواقع‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬كله‭ ‬بدأ‭ ‬بغضبة‭ ‬شعبية؛‭ ‬بسبب‭ ‬مقتل‭ ‬شاب‭ ‬يدعى‭ ‬خالد‭ ‬محمد‭ ‬سعيد‭ ‬صبحى‭ ‬قاسم،‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬27‭ ‬يناير‭ ‬1982م،‭ ‬حيث‭ ‬استوقفه‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة،‭ ‬فى‭ ‬زى‭ ‬مدنى،‭ ‬وهما‭ ‬أمين‭ ‬الشرطة‭ ‬محمد‭ ‬صلاح،‭ ‬والرقيب‭ ‬عوض‭ ‬إسماعيل،‭ ‬متصورين‭ ‬أنه‭ ‬يحق‭ ‬لهما‭ ‬هذا،‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬الطوارئ‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬عندئذ‭ ‬متوجهاً‭ ‬إلى‭ ‬مقهى‭ ‬إنترنت‭ ‬بجوار‭ ‬منزله،‭ ‬فهاجمه‭ ‬الاثنان،‭ ‬وكبلا‭ ‬حركته،‭ ‬وضرب‭ ‬أحدهما‭ ‬رأسه‭ ‬برخام‭ ‬المكان،‭ ‬عندما‭ ‬حاول‭ ‬تخليص‭ ‬نفسه،‭ ‬ومع‭ ‬الهرج‭ ‬الذى‭ ‬حدث،‭ ‬طالبهما‭ ‬صاحب‭ ‬المقهى‭ ‬بمغادرة‭ ‬المكان،‭ ‬فاصطحبا‭ ‬خالد‭ ‬إلى‭ ‬مدخل‭ ‬عمارة‭ ‬قريبة،‭ ‬وانهالا‭ ‬عليه‭ ‬ضرباً‭ ‬فى‭ ‬وحشية،‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬صريعاً‭ ‬أمام‭ ‬شهود‭ ‬عيان،‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬سيدى‭ ‬جابر‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬مصرعه‭ ‬بهذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬غضب‭ ‬واستياء،‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وحدها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬عالمية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وخرجت‭ ‬مظاهرات‭ ‬سلمية‭ ‬حاشدة،‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية؛‭ ‬للتنديد‭ ‬بما‭ ‬حدث،‭ ‬وبسرعة‭ ‬انضم‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬المعارضين‭ ‬والنشطاء،‭ ‬واشتعلت‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬وبدأ‭ ‬الغضب‭ ‬يسرى‭ ‬كالنار‭ ‬فى‭ ‬الهشيم،‭ ‬ولكن‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬يوحى‭ ‬بالسيطرة‭.. ‬حدث‭ ‬مصرع‭ ‬أو‭ ‬مقتل‭ ‬خالد‭ ‬سعيد‭ ‬فى‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬‮٢٠١٠‬م،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬السياسية،‭ ‬وغضبة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر،‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭  ‬‮٢‬‮٠١٠‬م،‭ ‬قام‭ ‬الشاب‭ ‬التونسى‭ ‬محمد‭ ‬البوعزيزى‭ ‬بإشعال‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬جسده،‭ ‬بسبب‭ ‬يأسه‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬البطالة،‭ ‬التى‭ ‬يمر‭ ‬بها،‭ ‬واحتجاجه؛‭ ‬لأن‭ ‬الشرطية‭ ‬فادية‭ ‬حمدى‭ ‬قد‭ ‬صادرت‭ ‬فى‭ ‬تعَّنت‭ ‬عربته‭ ‬النقّالة،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬دخله‭ ‬الوحيد‭.. ‬وهنا،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬بدأت‭ ‬غضبة‭ ‬عارمة‭ ‬فى‭ ‬تونس،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬عارمة،‭ ‬فى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى،‭ ‬عجز‭ ‬النظام‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬فانتشرت‭ ‬وتعاظمت،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬موت‭ ‬البوعزيزى‭ ‬يوم‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2011م،‭ ‬متأثراً‭ ‬بحروقه،‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬برحيل‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬على،‭ ‬الذى‭ ‬حاول‭ ‬البقاء‭ ‬فى‭ ‬منصبه،‭ ‬بإقالته‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الشعب،‭ ‬ولكن‭ ‬الأوان‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فات‭.. ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬تونس،‭ ‬جعل‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة،‭ ‬والنشطاء‭ ‬السياسيين‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬يشعرون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬عندنا،‭ ‬كما‭ ‬تحقَّق‭ ‬فى‭ ‬تونس،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬إحدى‭ ‬الحركات‭ ‬الشبابية‭ ‬دعت‭ ‬لوقفة‭ ‬احتجاجية،‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬الشرطة‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرون‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2011م؛‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬لصلاحيات‭ ‬قانون‭ ‬الطوارئ،‭ ‬الذى‭ ‬امتد‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال،‭ ‬مطلقاً‭ ‬يد‭ ‬الشرطة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭.. ‬وفى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬بالفعل،‭ ‬بدأت‭ ‬التجمعات‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير،‭ ‬وفوجئ‭ ‬النظام‭ ‬بأنها‭ ‬تفوق‭ ‬توقعاته‭ ‬بعشرات‭ ‬الألوف،‭ ‬وبأنه،‭ ‬ولأوَّل‭ ‬مرة،‭ ‬عاجز‭ ‬تماماً،‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭.. ‬ويوماً‭ ‬فيوم،‭ ‬راحت‭ ‬أعداد‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والمحتجين‭ ‬تتزايد‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير،‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬ميادين‭ ‬مصر،‭ ‬وراحت‭ ‬مطالب‭ ‬المحتجين‭ ‬ترتفع،‭ ‬مع‭ ‬انعدام‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬الرسمية،‭ ‬ووجد‭ ‬المعارضون‭ ‬والانتهازيون‭ ‬والإخوان‭ ‬أمامهم‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة،‭ ‬فبعد‭ ‬إعلانهم‭ ‬عدم‭ ‬مسئوليتهم‭ ‬عما‭ ‬يحدث،‭ ‬عادوا‭ ‬ينضمون‭ ‬إلى‭ ‬الجمع،‭ ‬الذى‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬التهدئة،‭ ‬حتى‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق،‭ ‬وتعالت‭ ‬مطالبه،‭ ‬حتى‭ ‬إعلان‭ ‬تخَّلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬عن‭ ‬منصبه،‭ ‬فى‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬فبراير،‭ ‬2011‭ ‬م.

‬وهكذا‭ ‬انتهت‭ ‬الثورة،‭ ‬وحققَّت‭ ‬الهدف،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أجندتها‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭.. ‬وتوَّقفت‭ ‬معظم‭ ‬القوى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الشباب،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديه‭ ‬أية‭ ‬أيديولوجية‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭.. ‬لقد‭ ‬سقط‭ ‬النظام،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬؟‭!.. ‬أخذتهم‭ ‬نشوة‭ ‬النصر‭ ‬فى‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى،‭ ‬فلم‭ ‬يدركوا‭ ‬أنه‭ ‬ليست‭ ‬لديهم‭ ‬خطة‭ ‬واضحة،‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬فلم‭ ‬يجدوا‭ ‬أمامهم‭ ‬سوى‭ ‬تنظيف‭ ‬الميدان‭ ‬وتجميله،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬إشاعة‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬حولهم،‭ ‬وكرمز‭ ‬لأن‭ ‬أيام‭ ‬العذاب‭ ‬قد‭ ‬انتهت،‭ ‬وحانت‭ ‬لحظة‭ ‬النعيم‭.. ‬وأشادت‭ ‬أمريكا‭ ‬بما‭ ‬يقومون‭ ‬به،‭ ‬لأن‭ ‬خطتها‭ ‬كانت‭ ‬تشملهم‭ ‬كوسيلة‭ ‬فقط‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬وعاونهم‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬تقمَّص‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬باستخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬ثورة‭ ‬الشباب،‭ ‬الذى‭ ‬منحهم‭ ‬شعوراً‭ ‬بالقوة‭ ‬والسيادية،‭ ‬وبأنهم‭ ‬قادرون‭ ‬وحدهم،‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بالوطن،‭ ‬الذى‭ ‬أسقطوا‭ ‬نظامه‭.. ‬والمدهش‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬دوماً‭ ‬يؤكَّدون‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬هو‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬أنشأوا‭ ‬فيه‭ ‬ديكتاتورية،‭ ‬تفوق‭ ‬أسوأ‭ ‬ديكتاتوريات‭ ‬التاريخ‭ ‬وأبشعها‭.. ‬فالمنادون‭ ‬بالحرية،‭ ‬قهروا‭ ‬فى‭ ‬وحشية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬خالفهم‭ ‬الرأى،‭ ‬وطالبوا‭ ‬الكل‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬أرائهم‭ ‬وأفكارهم،‭ ‬ورؤياهم‭ ‬القاهرة‭ ‬المبتورة،‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬أو‭ ‬خبرة،‭ ‬فقط‭ ‬حماس‭ ‬وزهو‭ ‬وانفعال‭ ‬واندفاع‭.. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬غمرهم‭ ‬به‭ ‬الإعلام،‭ ‬من‭ ‬تفخيم‭ ‬وتعظيم،‭ ‬راحوا‭ ‬يفقدون‭ ‬شعبيتهم‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬الذى‭ ‬وجهوا‭ ‬له‭ ‬سيلاً‭ ‬من‭ ‬الإهانات‭ ‬والاتهامات،‭ ‬بأنه‭ ‬خانع‭ ‬وعبد‭ ‬وذليل،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬المصطلح،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يروق‭ ‬لهم‭ ‬آنذاك،‭ ‬وهو‭ (‬حزب‭ ‬الكنبة‭)‬،‭ ‬وخشوا‭ ‬أن‭ ‬يفقدوا‭ ‬اهتمام‭ ‬الشارع‭ ‬بهم،‭ ‬فراحوا‭ ‬يخرجون‭ ‬فى‭ ‬تظاهرات،‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬جمعة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬دون‭ ‬أيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭.. ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬الذى‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬ملء‭ ‬فراغ‭ ‬السلطة،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬فئات‭ ‬لديها‭ ‬أيديولوجيات‭ ‬واضحة،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬قد‭ ‬تهيأت‭ ‬لظهورها،‭ ‬وخروجها‭ ‬على‭ ‬العلن،‭ ‬فأسرعت‭ ‬تتسَّلق‭ ‬السلم،‭ ‬وتدوس‭ ‬على‭ ‬رءوس‭ ‬الشباب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬بلوغ‭ ‬المكان،‭ ‬الذى‭ ‬تحلم‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭.. ‬السلطة‭.. ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الشباب،‭ ‬تحوَّلوا‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬تلك‭ ‬الفئة،‭ ‬تحركهم‭ ‬كما‭ ‬تشاء،‭ ‬وفى‭ ‬أى‭ ‬اتجاه‭ ‬تشاء‭.. ‬فقط‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬شعاراً‭ ‬حماسياً،‭ ‬وسيتبعونه‭ ‬فى‭ ‬غمرة‭ ‬اندفاعهم‭ ‬وانفعالهم،‭ ‬ليصنعوا‭ ‬زخماً‭ ‬شعبياً‭ ‬تفتقر‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬واقعها،‭ ‬وليعاونها‭ ‬على‭ ‬إخلاء‭ ‬الساحة،‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬عقبة‭ ‬فى‭ ‬طريقها‭.. ‬الجيش‭.. ‬وسار‭ ‬الشباب‭ ‬خلفها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬حقيقة‭ ‬أهدافها‭ ‬،‭ ‬وردَّدوا‭ ‬شعار‭ (‬يسقط‭ ‬يسقط‭ ‬حكم‭ ‬العسكر‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬سقط‭ ‬الشباب،‭ ‬وبقى‭ ‬العسكر‭.. ‬لحسن‭ ‬الحظ‭.. ‬وفى‭ ‬أوَّل‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية،‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬النهائية،‭ ‬أقتصرت‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬الفريق‭ (‬أحمد‭ ‬شفيق‭)‬،‭ ‬ورجل‭ ‬الإخوان‭ (‬محمد‭ ‬مرسى‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الإخوان‭ ‬ومؤيديهم،‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬لانتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية،‭  ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬مرسى؛‭ ‬بسبب‭ ‬من‭ ‬أعطوه‭ ‬أصواتهم،‭ ‬فقط‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يربح‭ ‬شفيق،‭ ‬وامتناع‭ ‬العديد‭ ‬عن‭ ‬المشاركة،‭ ‬بحجة‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقتنعون‭ ‬بالمرشحين‭.. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الشبهات،‭ ‬التى‭ ‬أحاطت‭ ‬بنجاح‭ ‬مرسى،‭ ‬وأسلوب‭ ‬البلطجة‭ ‬من‭ ‬مؤيديه،‭ ‬الذين‭ ‬هدَّدوا‭ ‬بحرق‭ ‬مصر،‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬بالرئاسة،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬تابع‭ ‬الإخوان‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمهورية‭.. ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬بدون‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬أو‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭.. ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإخوان‭ ‬اعتادوا،‭ ‬دوماً‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬السر،‭ ‬وبأسلوب‭ ‬التحايل‭ ‬والتآمر،‭ ‬ومبدأ‭ ‬الطاعة‭ ‬العمياء،‭ ‬وعبادة‭ ‬المرشد،‭ ‬ولهذا‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬لديهم‭ ‬خبرة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬فكرة،‭ ‬عن‭ ‬حكم‭ ‬شعب،‭ ‬ودولة‭ ‬فى‭ ‬حجم‭ ‬مصر‭.. ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬أخطاؤهم‭ ‬منذ‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭.. ‬كانوا‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬ينقض‭ ‬عليهم‭ ‬الآخرون،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لديهم‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬الثقة،‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مخلوق‭ ‬سواهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬سعوا،‭ ‬وفى‭ ‬شراسة؛‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬وأخونة‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬،‭ ‬وكل‭ ‬قيادة،‭ ‬حتى‭ ‬يحكموا‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬فى‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭.. ‬وأيضاً‭ ‬دون‭ ‬أيديولوجية‭ ‬مدروسة‭ ‬واضحة‭.. ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬مجلسى‭ ‬الشعب‭ ‬والشورى،‭ ‬وجعلوا‭ ‬كل‭ ‬المحافظين‭ ‬منهم،‭ ‬وكل‭ ‬قيادات‭ ‬المصانع‭ ‬والشركات،‭ ‬وعادوا‭ ‬القضاء،‭ ‬وحرصوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معظم‭ ‬أفراد‭ ‬لجنة‭ ‬الدستور‭ ‬منهم‭ ‬ومن‭ ‬أتباعهم،‭ ‬حتى‭ ‬يأتى‭ ‬الدستور‭ ‬معبراً‭ ‬عنهم‭ ‬وحدهم،‭ ‬دون‭ ‬باقى‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭.. ‬ولأنهم‭ ‬تحركوا‭ ‬بسرعة،‭ ‬وبلا‭ ‬أية‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬ورئيسهم‭ ‬تابع‭ ‬لمرشدهم،‭ ‬جاءت‭ ‬قراراته‭ ‬مستفزة‭ ‬للشعب‭ ‬بكل‭ ‬فئاته،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستورى‭ ‬المشبوه،‭ ‬التى‭ ‬أعاد‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب،‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬حله‭ ‬بحكم‭ ‬قضائى‭ ‬نهائى،‭ ‬وأعطاه‭ ‬سلطات‭ ‬وصلاحيات،‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للنقض‭ ‬أو‭ ‬المعارضة،‭ ‬ثم‭ ‬اقتصار‭ ‬خطاباته‭ ‬على‭ ‬أهله‭ ‬وعشيرته،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬باقى‭ ‬طوائف‭ ‬الشعب،‭ ‬وإساءته‭ ‬المتعددة‭ ‬للرموز،‭ ‬وتعيينه‭ ‬وزراء‭ ‬ومحافظين،‭ ‬ليست‭ ‬لديهم‭ ‬أية‭ ‬خبرة‭ ‬أو‭ ‬معرفة‭ ‬حتى‭ ‬بطبيعة‭ ‬عمل‭ ‬الوزراء‭ ‬والمحافظين،‭ ‬وقصر‭ ‬حلقته‭ ‬المحدودة‭ ‬على‭ ‬الإخوان‭ ‬وحدهم‭.. ‬كانوا‭ ‬أيضاً‭ ‬يجهلون‭ ‬فن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬ومثل‭ ‬كل‭ ‬الفاشلين،‭ ‬يتصوَّرون‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬هى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.. ‬وهكذا‭ ‬خسروا‭ ‬المعركة‭ ‬أيضاً،‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الحكم،‭ ‬فـ‭ ‬نفس‭ ‬الشعب،‭ ‬الذى‭ ‬اختارهم‭ ‬نكاية‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬الفريق‭ ‬شفيق،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بهذا‭ ‬من‭ ‬شائعات‭ ‬وشبهات،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ثار‭ ‬عليهم،‭ ‬فى‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬2013‭ ‬م،‭ ‬بأعداد‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬مثلها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬واستبدل‭ ‬الشباب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ذلك‭ ‬الشعار‭ ‬الذى‭ ‬وجهوه‭ ‬يوماً‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬بشعار‭ ‬يهتف‭ ‬بسقوط‭ ‬حكم‭ ‬المرشد‭.. ‬وسقط‭ ‬حكم‭ ‬المرشد‭ ‬بالفعل‭.. ‬هذا‭ ‬لأنه‭ ‬وأتباعه،‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ليست‭ ‬الغاية‭.. ‬الحرب‭ ‬مرحلة‭ ‬هدم،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البناء‭ ‬وإعادة‭ ‬البناء‭... ‬وهذه‭ ‬هى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأهم‭.


    Dr.Randa
    Dr.Radwa