الأحد 28 ابريل 2024

ابن رشد.. وأفكار الغزالي فى كتاب «تهافت التهافت»

فن10-12-2020 | 19:21

وضع ابن رشد، كتاب "تهافت التهافت" في محاولة للرد على كتاب "تهافت الفلاسفة" للإمام الغزالي، الذى كان فقيها، متكلما وصوفيًا، وكانت هناك حربا دائرة بينه وبين المتكلمين، فقد أراد الغزالي، من كتابه بيان تهافت الفلاسفة وتناقض بعضهم البعض، وكيف للمذهب الفلسفي للواحد منهم يتعارض مع فلسفة الآخر، ويتخذ مثالا من اختلاف الفلسفة اليونانية فى تفسيرهم للمسائل الإلهية فيما بينهم، دليلا قاطعا على أن أرائهم تحتمل الشك بشكل كبير، فيقول: "ولو كانت علومهم الإلهية متقنة البراهين، نقية عن التخمين، كعلومهم الحسابية والمنطقية، لما اختلفوا فيها كما لم يختلفوا في الحسابية"، وأراد ابن رشد أن يرد عدوان الغزالي ويجعل حملته على الفلسفة باطلة، وبذلك، يكون قد انتصر  للفلسفة وأزال الجفاء بينها وبين الشريعة، إن لم نقل التوفيق بينهما.

فى مسألة"قِدم العالم" حاول ابن رشد أن يدحض أفكار الغزالى بالعقل والمنطق، فمنذ الأزل كانت هناك خصومة بين الفلاسفة والمتكلمين، هؤلاء يرون أنَّ القول بقِدم العالم على أي نحو كان، ضرورة عن الله كالمعلول عن العلة، ومساوقته له تعالى في الزمن يعتبر إنكارًا للخلق.

ذلك بأنهم يرون أنَّ الخلق والإحداث هما الكون عن عدم فلا يُتصور كون العالم مخلوقًا لله، إلا إذا أوجده بعد مُدَّة كان معدومًا فيها، بل كان الله هو الموجود وحده، لكنَّ الفلاسفة لا يرون في القول بالقدم إنكارًا للخلق، ولا تعريضًا لوجود الله للجحود، فإنهم يرون أن من العسير حقًّا تصور "الخلق والحدوث" للعالم دون أن يسبقه "العدم" أو بعبارة أخرى، دون أن يسبق وجود العالم "زمان" كان معدومًا فيه.!

إلَّا أنَّهم يرون فيما يتصل بالعدم أنه يكفي أن يتقرر عقلًا أنَّ العالم ما كان يمكن أن يُوجد من نفسه لو لم يوجده الله، فهذا الوجود من غيره معناه عدمه لو لم يوجد عن سببه وعلته، وكذلك رفع الزَّمان بين وجود الله ووجود العالم عنه، وأمَّا مسألة الخلق والإحداث وثبوت هذا العمل عن الله، فيكفي في هذا أن يُقال بحقٍّ بأنَّ المخلوق هو المعلول عن الخالق، وإن لم يتقدم الفاعل عنه بزمان.

وكان رد" ابن رشد" فى تلك المسألة أنَّ هذه الأمور الحادثة تنتهي آخر الأمر إلى سبب قديم، فلابد لكل حادثٍ من مَادَّة يقومُ بها؛ وذلك لأنَّه ممكن قبل حدوثه، والإمكان يَسْتَلْزِمُ موضوعًا يقومُ به ويكون قابلًا له، وإذن هذه المادة  أو الموضوع أو المحل  لا يُمكن أن تكون حادثة، وإلا لاحتاجت إلى مادة أخرى، وهكذا من غير نهاية، فيجبُ إذن أن تكون قديمة، ويكون الحادث هو ما يطرأ عليها منَ الأعراض والصور المُختلفة، وذلك هو المطلوب.

أما عن مسألة السببية فإن الغزالي قام بإنكار أن يكون هناك علاقة ضرورية بين ما يُعتقد في العادة سببًا، وبين ما يعتقد في العادة مسبَّبًا عنه، والإشارة إلى أنَّ اهتمام حجة الإسلام بهذه المَسألة يَرْجِعُ إلى أنَّه يَترتب على القول بالسببية إنكار المعجزات التي لا بدَّ منها لإثبات النبوات، هذه المعجزات التي تقوم على إلغاء ما يقال من الرَّابطة الضرورية بين المسبب والسبب، مثل "قلب العصا ثعبانًا وإحياء الموتى وشق القمر"

ولكن"ابن رشد" كان يرى أنَّ الفلاسفة لا يبعد عندهم التسليم بأنَّ المُسبب قد يتخلف عَمَّا هو سببه عادة إذا وُجد مانع خارجي يمنع من صدوره عنه، كما إذا كانت هناك مادَّة إذا قارنت الجسم القابل للاحتراق بطبعه منعت أن تؤثر النار فيه، أنه ما ينبغي أن يشك أحد في أنَّ الأسباب لا تكتفي بنفسها في أن تكون عنها مسبباتها، بل لا بد لها في هذا من "فاعل من خارج فِعْله شرط في فعلها، بل في وجودها فضلًا عن فعلها" أمَّا تحديد جوهر هذا الفعل بالذات، هل هو الله تعالى نفسه أم بعث بكائن آخر وسيط بينه وبين الموجودات الأخرى؟

فيما يختص بالمعجزات الأخرى يرى أن المادة قابلة لكل ما يتعاقب عليها من صور بعضها في أثر بعض، ولكن لم لا يجوز أن تأخذ المادة صورةٍ ما لا تأخذها عادة إلا بتوسط صور أخرى قبلها، وذلك كانقلاب التراب حيوانًا خاصًّا بدل صيرورته أولًا نباتا ثم غذاء لحيوان يكون عنه بطريق التناسل ذلك الحيوان الخاص؟ ومن هذا القبيل انقلاب العصا حية هي معجزة لموسى عليه السلام.
    Dr.Randa
    Dr.Radwa