ابن رشد.. فيسلوف العربي تأثر بالسابقين وأثر في معاصريه ولاحقيه
ابن رشد طبيب، فقيه، قاض، فيلسوف، فيزيائي وفلكي أندلسي، نشأ في أسرةٍ من أشراف العرب في الأندلس، شرح ابن رشد أرسطو، مما ساهم في زيادة تأثيره على أوروبا القرون الوسطى.
وقد تعرض ابن رشد لمحن كثيرة في سبيل فلسفته التنويرية، أو كما يقول حسين مروة، ذلك بفضل إلتحام فكر ابن رشد، بممارسته لهذا الفكر، مع ما يتضمنه هذا من مواقف صلبة في وجوه الكثيرين من أعداء الفكر العقلاني المتنور الذي دعا ابن رشد إليه، فأصابه في سبيله ما أصابه، من اضطهاد، نبذ وتشويه سيرته بسبب فلسفته العقلية، فتعرض إلى المحنة التي كانت سببا في مرضه ثم مماته، وكانت الأزمة بسبب تحاسد من أهل زمانه وكونه مقربا من بلاط الحكم.
يرى ابن رشد عدم وجود تعارض بين الفلسفة والدين، كما آمن بسرمدية الكون، وقال أن الروح منقسمة إلى قسمين؛ أحدهما شخصي يتعلق بالشخص، والثاني إلهي، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء فإن جميع الناس سواسية، كما ادعى أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأولى استنادا إلى الدين المعتمد على العقيدة التي لا يمكن إخضاعها للتدقيق والتمحيص، والثانية استنادا إلى الفلسفة، وتنطلق آرائه الأخلاقية من مذهبي أفلاطون وأرسطو، واتفق مع أفلاطون بالفضائل الأربع الأساسية: العدالة، الحكمة، الشجاعة والعفة.
وفي دراسة الباحث علي جبار "مساجلات في عقلانية ابن رشد" يقول: "ابن رشد كان أبعد فلاسفة الإسلام عن الفلسفة الروحية والمثالية فهو واقعی أرسطي". ويذكر محمود قاسم أن ابن رشد، سلك مسلكة فريدة في تفسير المعرفة الإنسانية، وانه استطاع أن يرقى إلى مذهب عقلي بريء من كل نزعة صوفية فعقلانية فيلسوف قرطبة تتمثل في الخطوط المهمة التي عالج بها المشكلة القائمة بين الفلسفة والدين، بغض النظر كونه قد نجح في توفيقه أم لم ينجح فهو كان يرنو إلى عقلنة التفكير عند المسلمين.
وابن رشد كما يراه - محمد الجابري - يعد ذروة العقلانية في المغرب العربي التي يقيم حدودة فاصلة بينها وبين العقلانية في المشرق العربي المتمثلة في الفارابي وابن سينا، فهما متمایزان بل ومتناقضان في الاتجاه فالعقلانية الرشدية عقلانية واقعية والعقلانية المشرقية عقلانية صوفية روحية عند أغلب الفلاسفة والباحث هنا يميل إلى طرح الجابري من غيره، لأن رؤية ابن رشد للفلسفة مخالفة للمشرق العربي ولا سيما أن فلاسفة المشرق تختلط لديهم فلسفة افلاطون وأرسطو وأفلوطين.
وعلى مدى حوالى ثلاثة قرون من وفاته، تستمر ارتدادات الزلزال الفكري الذي أحدثه ابن رشد بوضعه الشروحات على كتب أرسطو، وتعقد المحاكمات الظالمة التي تدين المتأثرين بهذه الشروحات، بشكل أو بآخر، فبعد اثنى عشر عاما على غيابه، يحكم مجمع ديني في باريس بتحريم قراءة أرسطو وشروحاته، وبالحرق والسجن المؤبد لعدد من رجال الدين، وبعد ثلاثين عاما من وقتها، يهتم الأمبراطور فريدريك الثاني بتعريف الغرب إلى المعارف العربية لا سيما شروحات ابن رشد. أما بعد اثنين وسبعين عاما، يعتبره توما الأكويني مفسدا للفلسفة والدين بينما يراه الأخ بولس رجلا ساعيا إلى الحقيقة.
حيث تركت الرشدية، تأثيرا قويا على رجال دين مسيحيين ويهود مثل توما الأكويني وموسى بن ميمون، وعلى الرغم من سلبيتهم تجاهها، لكنها بقيت مرجعا لجامعات أوروبا زمنا ليس باليسير، فقد هيمنت المدرسة الرشدية على الفكر الأوروبي حتى أواخر القرن السادس عشر، واستغرق منه شرح أعمال أرسطو ثلاثة عقود.
سمي كويكب "ابن رشد 8318" تيمنًا باسمه، كما ورد اسمه في قسم الجحيم من الكوميديا الإلهية لدانتي، وعن أفكار وسيرة ابن رشد، كتب الفرنسي جلبير سينويه رواية بعنوان "ابن رشد كاتب الشيطان"، التي صدرت عن "منشورات الجمل"، وهي، كما يعلن عنوانها، تتمحور حول الفيلسوف العربي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي "1126 – 1198"، وطرح الكثير من الأسئلة التي لا يزال صداها يترجّع حتى اليوم، وانقسم الناس فيه بين مؤيّد له ومتأثّرٍ به، من جهة، ومُعارضٍ له إلى حدّ إباحة دمه، من جهة ثانية. فابن رشد شخصية إشكالية في تاريخ الفكر العربي، تأثّر بسابقيه من كبار فلاسفة اليونان، وأثّر في معاصريه واللّاحقين به من شخصيات الفكر الغربي.