الأحد 28 ابريل 2024

د. نبيل فاروق يكتب: هوس‭ ‬المؤامرة‬‬

كنوزنا10-12-2020 | 20:31

من‭ ‬أشهر‭ ‬المصطلحات‭، ‬وأكثرها‭ ‬انتشاراً‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورتين‭، ‬مصطلح‭ "‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭"، ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تسعين‭ ‬فى‭ ‬المائة‭ ‬ممن‭ ‬يرددوَّنه‭، ‬يجهلون‭ ‬فعلياً‭ ‬معناه‭ ‬الشامل‭، ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إليه‭، ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬يتبناه‭ ‬على‭ ‬ألسنته‭، ‬وربما‭ ‬فى‭ ‬عقله‭ ‬أيضاً‭، ‬وكأنها‭ ‬وسيلته‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬ثقافته‭ ‬السياسية‭، ‬أو‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


الواقع‭ ‬أن‭ ‬المصطلح،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حداثته‭ ‬عندنا،‭ ‬ليس‭ ‬مصطلحاً‭ ‬حديثاً،‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬ولأوَّل‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬مقال‭ ‬اقتصادى‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٢٠‬م،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يجر‭ ‬تداوله‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الناس،‭ ‬وعلى‭ ‬صفحات‭ ‬الكتب‭ ‬والدوريات،‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٦٠‬م،‭ ‬ولقد‭ ‬تم‭ ‬تداوله‭ ‬بكثرة‭ ‬متزايدة،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬مصطلحاً‭ ‬دارجاً،‭ ‬أضيف‭ ‬إلى‭ ‬قاموس‭ ‬أكسفورد،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٩٧‬م‭.. ‬ونظرية‭ ‬المؤامرة،‭ (‬conspiracy‭ ‬theory‭) ‬مصطلح‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬أو‭ ‬أحداث،‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬نتاج‭ ‬مؤامرة‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬لها‭ ‬تستند‭ ‬فى‭ ‬مضمونها‭ ‬على‭ ‬أفعال‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬شرعية،‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬حكومات‭ ‬أو‭ ‬جهات‭ ‬قوية‭ ‬فى‭ ‬الغالب؛‭ ‬لبلوغ‭ ‬هدف‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬‮…‬‭ ‬ولقد‭ ‬حاول‭ ‬العديدون‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬لنظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬من‭ ‬اشهرهم‭ ‬العالم‭ ‬السياسى‭ ‬مايكل‭ ‬باركون،‭ ‬الذى‭ ‬وضع‭ ‬ثلاث‭ ‬قواعد‭ ‬أساسية،‭ ‬اوَّلها‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬محكوم‭ ‬بتصميم‭ ‬ما،‭ ‬لا‭ ‬شىء‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬مصادفة،‭ ‬وثانيهما‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬شىء‭ ‬يكون‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬عليه،‭ ‬وثالثهما،‭ ‬وهو‭ ‬الأهم،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬مرتبط‭ ‬ببعضه،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المهوسين‭ ‬بنظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬ينتقون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يريدون‭ ‬التوَّصل‭ ‬إليه،‭ ‬ويهملون‭ ‬او‭ ‬يتعامون‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سواه،‭ ‬وبالتالى‭ ‬يتحوَّل‭ ‬الأمر‭ ‬عندهم‭ ‬إلى‭ ‬حلقة‭ ‬مغلقة،‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للمناقشة،‭ ‬وهكذا‭ ‬تبدو‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬مؤامرة،‭ ‬بإيمانهم‭ ‬وحده،‭ ‬وبدون‭ ‬أى‭ ‬دليل‭ ‬‮…‬‭ 


‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬وضع‭ ‬تعريف‭ ‬واضح‭ ‬لنظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬نظراً‭ ‬لاختلاف‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬المؤمنين‭ ‬بها،‭ ‬ولكنه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الاحوال‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طرفين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬هما‭ ‬المتآمر‭- ‬وهى‭ ‬الحكومات،‭ ‬أو‭ ‬الأنظمة‭ ‬القوية‭ ‬عادة‭ - ‬والمتآمر‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬الشعب‭ ‬أيضأ‭ ‬فى‭ ‬المعتاد،‭ ‬والغرض‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬إخفاء‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أو‭ ‬تجميلها،‭ ‬عبر‭ ‬صياغة‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مدروس‭ ‬ومنسَّق،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يراه‭ ‬المؤمن‭ ‬بالنظرية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬بدون‭ ‬أى‭ ‬دليل‭ ‬أو‭ ‬برهان‭.. ‬والهوس‭ ‬بنظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬ليس‭ ‬مصرياً،‭ ‬ولكنه‭ ‬عالمى،‭ ‬فالناس‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬مثلاً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى،‭ ‬مازالوا‭ ‬يختبرون‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الشيوعية‭ ‬والقهر،‭ ‬ومازالوا‭ ‬يشعرون‭ ‬تجاه‭ ‬حكومتهم‭ ‬ومسئوليهم‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬والريبة‭ ‬وعدم‭ ‬التصديق،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانين‭ ‬فى‭ ‬المائة‭ ‬منهم‭ ‬يشككون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬ومسئوليهم،‭ ‬ومازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬داخل‭ ‬هستيريا‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وعدم‭ ‬الإيمان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولهم،‭ ‬وبالطبع‭ ‬تساهم‭ ‬المعارضة‭ ‬فى‭ ‬نصيب‭ ‬كبير،‭ ‬من‭ ‬إقناع‭ ‬الشعب‭ ‬الروسى‭ ‬بوجود‭ ‬مؤامرات،‭ ‬تحيكها‭ ‬الحكومات‭ ‬ضده،‭ ‬ولن‭ ‬يمكن‭ ‬إقناعهم‭ ‬بالعدول‭ ‬عن‭ ‬هذا،‭ ‬ماداموا‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬سلطة،‭ ‬لم‭ ‬يبلغوها‭ ‬بعد‭..‬‭ ‬والشعب‭ ‬الأمريكى‭ ‬يعَّد‭ ‬أكبر‭ ‬شعب‭ ‬يحيا‭ ‬فى‭ ‬قاع‭ ‬هوس‭ ‬المؤامرة؛‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬مؤامرة‭ ‬ما،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬القوانين،‭ ‬التى‭ ‬تتيح‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات،‭ ‬باستثناء‭ ‬المعلومات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتى‭ ‬تتعلَّق‭ ‬بالأمن‭ ‬القومى،‭ ‬ولأن‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والأمن‭ ‬القومى‭ ‬جهات‭ ‬تعمل‭ ‬دوماً‭ ‬فى‭ ‬سرية،‭ ‬هى‭ ‬أساس‭ ‬وجودها‭ ‬وعملها،‭ ‬فما‭ ‬يحاك‭ ‬حولها،‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬دليل،‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأذهان‭ ‬الامريكية،‭ ‬ويكفى‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬الافلام‭ ‬الامريكية،‭ ‬لترى‭ ‬كم‭ ‬منها‭ ‬يتحدَّث‭ ‬عن‭ ‬مؤامرات‭ ‬وتآمرات،‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فى‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬واطول‭ ‬حكايات‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬الامريكى،‭ ‬حادثة‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكى‭ ‬الخامس‭ ‬والثلاثين،‭ ‬جون‭ ‬فيتزجيرارد‭ ‬كينيدى‭ (‬‮٢٩‬‭ ‬مايو‭ ‬‮١٩١٧‬‭- ‬‮٢٢‬‭ ‬نوفمبر‭ ‬‮١٩٦٣‬م‭)‬،‭ ‬والذى‭ ‬توَّلى‭ ‬منصبه‭ ‬الرياسى‭ ‬من‭ ‬‮٢٠‬‭ ‬يناير‭ ‬‮١٩٦١‬م،‭ ‬وحتى‭ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬برصاصة‭ ‬مباشرة‭ ‬فى‭ ‬الرأس،‭ ‬بوساطة‭ ‬لى‭ ‬هارفى‭ ‬أوزوالد،‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬دالاس،‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬ولاية‭ ‬تكساس‭.. ‬ولكن‭ ‬أوزوالد‭ ‬ظل‭ ‬ينفى‭ ‬التهمة،‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬بدوره،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رجل‭ ‬يدعى‭ ‬جاك‭ ‬روبى،‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تنتهى‭ ‬محاكمته،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬قضية‭ ‬اغتيال‭ ‬كينيدى‭ ‬مفتوحة‭ ‬لسنوات،‭ ‬نمت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬اغتياله،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬نفى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أوزوالد‭ ‬هو‭ ‬القاتل،‭ ‬وأنه‭ ‬تم‭ ‬اتهامه‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬القاتل‭ ‬الحقيقى،‭ ‬وأن‭ ‬جاك‭ ‬روبى‭ ‬قتله،‭ ‬ليضع‭ ‬حداً‭ ‬لهذا،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬يعانى‭ ‬من‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬الذى‭ ‬قضى‭ ‬عليه‭ ‬بالفعل،‭ ‬بعدها‭ ‬بأربع‭ ‬سنوات‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٦٧‬م،‭ ‬والبعض‭ ‬أسرع‭ ‬يتهم‭ ‬المخابرات‭ ‬الامريكية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬عشيقته‭ ‬نجمة‭ ‬الإغراء‭ ‬الشهيرة‭ ‬مارلين‭ ‬مونرو‭ (‬‮١‬‭ ‬يونيو‭ ‬‮١٩٢٦‬‭- ‬‮٥‬‭ ‬أغسطس‭ ‬‮١٩٦٢‬م‭)‬،‭ ‬قد‭ ‬لقيت‭ ‬مصرعها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مفاجئ،‭ ‬قبل‭ ‬اغتياله‭ ‬بعام‭ ‬واحد،‭ ‬وأشيع‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬جاسوسة‭ ‬سوفيتية،‭ ‬وان‭ ‬اغتيال‭ ‬كينيدى‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬حتماً‭ ‬من‭ ‬تورَطه‭ ‬فى‭ ‬قضية‭ ‬جاسوسية‭ ‬علنية‭ ‬‮…‬‭ ‬البعض‭ ‬أيضاً،‭ ‬من‭ ‬مدمنى‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬اتهم‭ ‬نائبه،‭ ‬الذى‭ ‬خلفه‭ ‬كالرئيس‭ ‬السادس‭ ‬والثلاثون،‭ ‬ليندون‭ ‬بى‭ ‬جونسون‭ (‬‮٢٧‬‭ ‬أغسطس‭ ‬‮١٩٠٨‬‭- ‬‮٢٢‬‭ ‬يناير‭ ‬‮١٩٧٣‬م‭)‬،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬ألغى‭ ‬بعض‭ ‬القرارات،‭ ‬التى‭ ‬اتخذها‭ ‬كينيدى،‭ ‬عقب‭ ‬حلفه‭ ‬اليمين‭ ‬مباشرة‭ ‬‮…‬‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬اتهم‭ ‬منظمة‭ ‬المافيا،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬كينيدى‭ ‬قد‭ ‬شن‭ ‬حملة‭ ‬أمنية‭ ‬قوية‭ ‬ضدها‭ ‬‮…‬‭ ‬وهناك‭ ‬نظريات‭ ‬عن‭ ‬تورَّط‭ ‬فيدل‭ ‬كاسترو‭ ‬فى‭ ‬العملية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬التى‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬تصوَّرات‭ ‬وافتراضات،‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬واحد‭ ‬‮…‬‭ ‬ثانى‭ ‬المؤامرات،‭ ‬التى‭ ‬يغرق‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬الامريكى،‭ ‬نظرية‭ ‬مؤامرة‭ ‬الأطباق‭ ‬الطائرة،‭ ‬فمنذ‭ ‬أوَّل‭ ‬مشاهداتها،‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٤٦‬م،‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬مرَّت‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬بعدة‭ ‬مراحل‭ ‬متباينة،‭ ‬ففى‭ ‬البداية،‭ ‬خرجت‭ ‬نظرية‭ ‬بأنها‭ ‬سلاح‭ ‬سوفيتى‭ ‬جديد،‭ ‬يهدَّد‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬أعقبتها‭ ‬نظرية‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬الأطباق‭ ‬الطائرة‭ ‬سلاح‭ ‬امريكى‭ ‬سرى،‭ ‬يقوم‭ ‬سلاح‭ ‬الطيران‭ ‬بتطويره،‭ ‬مع‭ ‬اكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬السرية،‭ ‬ثم‭ ‬تلتها‭ ‬نظرية‭ ‬عكسية‭ ‬تماماًً،‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬الأطباق‭ ‬الطائرة‭ ‬حقيقية،‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭ ‬تخفى‭ ‬اتصالها‭ ‬بمخلوقات‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجى؛‭ ‬حتى‭ ‬تحظى‭ ‬وحدها‭ ‬بتكنولوجياتهم‭ ‬المتقدمَّة‭..‬‭ ‬النظرية‭ ‬الأخيرة‭ ‬آمن‭ ‬بها‭ ‬السوفيت‭ ‬أيضاً،‭ ‬عندما‭ ‬سبقتهم‭ ‬أمريكا‭ ‬فى‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء،‭ ‬وانزلت‭ ‬أوَّل‭ ‬رائد‭ ‬فضاء‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬فى‭ ‬‮٢١‬‭ ‬يوليو‭ ‬‮١٩‬‮٦٩‬م،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السوفيت‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء،‭ ‬بإطلاق‭ ‬اوَّل‭ ‬قمر‭ ‬صناعى،‭ ‬وهو‭ ‬سبوتنيك‭ ‬‮١‬،‭ ‬فى‭ ‬‮٤‬‭ ‬اكتوبر‭ ‬‮١٩٥٧‬م،‭ ‬فالسوفيت‭ ‬ظلوا‭ ‬متفوقين‭ ‬فى‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء،‭ ‬وكانوا‭ ‬اوَّل‭ ‬من‭ ‬أطلق‭ ‬رائد‭ ‬فضاء‭ ‬بشرى،‭ ‬ليدور‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬وهو‭ ‬يورى‭ ‬جاجارين،‭ ‬فى‭ ‬‮١٢‬‭ ‬أبريل‭ ‬‮١٩٦١‬م،‭ ‬فافترضوا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القفزة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الفضائية‭ ‬الامريكية،‭ ‬قد‭ ‬تحققَّت‭ ‬عبر‭ ‬الاتصال‭ ‬مع‭ ‬كائنات‭ ‬فضائية‭ ‬متطوَّرة،‭ ‬وبهذا‭ ‬انقلبت‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬نحو‭ ‬الاتجاه‭ ‬العكسى،‭ ‬من‭ ‬النفى‭ ‬إلى‭ ‬الاثبات‭ ‬‮…‬‭ ‬الهبوط‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬مؤامرة‭ ‬كبرى،‭ ‬فى‭ ‬أذهان‭ ‬‮٢٩‬٪‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬الذين‭ ‬يثقون‭ ‬فى‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يبلغوا‭ ‬القمر‭ ‬قط،‭ ‬وأن‭ ‬ماعرضته‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز،‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬عن‭ ‬لحظة‭ ‬هبوط‭ ‬نيل‭ ‬أرمسترونج،‭ ‬كأوّل‭ ‬بشرى‭ ‬يطأ‭ ‬أرض‭ ‬القمر،‭ ‬ويقول‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة‭: (‬أنها‭ ‬خطوة‭ ‬صغيرة‭ ‬لبشرى،‭ ‬وعظيمة‭ ‬للبشرية‭)‬،‭ ‬لم‭ ‬يكون‭ ‬سوى‭ ‬تمثيلية،‭ ‬أخرجها‭ ‬المخرج‭ ‬العالمى‭ ‬ستانلى‭ ‬كوبريك،‭ ‬مخرج‭ ‬‮٢٠٠١‬‭ ‬أويسا‭ ‬الفضاء،‭ ‬فقط‭ ‬لكسر‭ ‬السوفيت،‭ ‬نفسياً‭ ‬ومعنوياً‭ ‬وفى‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬تنتشر‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬حول‭ ‬امرين‭ ‬كبيرين‭ ‬‮…‬‭ ‬اولهما‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالكيمتريل،‭ ‬وهى‭ ‬خطوط‭ ‬سحابية‭ ‬ليست‭ ‬طبيعية‭ ‬المنشأ،‭ ‬تظهر‭ ‬فى‭ ‬السماء‭ ‬أحياناً،‭ ‬لا‭ ‬تحتوى‭ ‬على‭ ‬بخار‭ ‬الماء،‭ ‬ولها‭ ‬لون‭ ‬رمادى،‭ ‬وتتكوَّن‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الغاز،‭ ‬دون‭ ‬سبب‭ ‬أو‭ ‬مصدر‭ ‬معلوم،‭ ‬والثانية‭ ‬تسمى‭ ‬بنظرية‭ ‬الأرض‭ ‬المجوَّفة،‭ ‬حيث‭ ‬يؤمن‭ ‬الكثيرون،‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬بوجود‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬كامل،‭ ‬تحت‭ ‬القشرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وبأن‭ ‬الحكومات‭ ‬المختلفة‭ ‬تدرك‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وتتعامل‭ ‬معه‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وتختلف‭ ‬نظرية‭ ‬الأرض‭ ‬المجوَّفة‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬مجتمع‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع،‭ ‬فالامريكيون‭ ‬والسوفيت‭ ‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬شعباً‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬لحساب‭ ‬جيش‭ ‬هتلر،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الشعوب‭ ‬المحتلة‭ ‬–‭ ‬آنذاك‭ - ‬ترى‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬لحساب‭ ‬الحلفاء،‭ ‬وبعض‭ ‬عشاق‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬فى‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬المجوَّفة‭ ‬هى‭ ‬مقر‭ ‬يأجوج‭ ‬ومأجوج،‭ ‬الذين‭ ‬سيخرجون‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬الزمان،‭ ‬كعلامة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬القيامة،‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬الاحوال،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬دليل‭ ‬واحد،‭ ‬يثبت‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الارض‭ ‬المجوَّفة،‭ ‬التى‭ ‬يرفض‭ ‬علماء‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬وباطن‭ ‬الأرض‭ ‬فكرتها‭ ‬من‭ ‬الأساس‮…‬‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬حول‭ ‬أحداث‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬‮٢٠٠١‬م،‭ ‬وهى‭ ‬ليست‭ ‬نظرية‭ ‬واحدة‭ ‬فى‭ ‬الواقع،‭ ‬بل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النظريات،‭ ‬المتعارضة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬أحياناً،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عملية‭ ‬داخلية،‭ ‬بعض‭ ‬المسئولين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬متورطون‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بالقاعدة،‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬مروراً‭ ‬بأنها‭ ‬مؤامرة‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬لدفع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬العراق،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬أقوى‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬وأكبر‭ ‬قوة‭ ‬تهدد‭ ‬الوجود‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬طليعة‭ ‬انقلاب‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الأمريكى،‭ ‬وصدرت‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب،‭ ‬التى‭ ‬تؤيّد‭ ‬أو‭ ‬تنفى‭ ‬كل‭ ‬نظرية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬منها،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬التأييد‭ ‬أو‭ ‬الرفض،‭ ‬ككل‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة‭ ‬الأخرى‮…‬‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يشكك‭ ‬ويرفض‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬بنفس‭ ‬عنف‭ ‬وهوس‭ ‬المؤمنين‭ ‬بها،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬المصطلح‭ ‬يستخدم‭ ‬لتبرير‭ ‬كل‭ ‬أخطاء‭ ‬وسقطات‭ ‬الحكومات،‭ ‬وتنفى‭ ‬عنها‭ ‬تهمة‭ ‬التقصير‭ ‬أو‭ ‬الفساد،‭ ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬التناقض‭ ‬العجيب‭ ‬فى‭ ‬الأمر،‭ ‬فالذين‭ ‬يرفضون‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬فى‭ ‬عنف‭ ‬وإصرار،‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر؛‭ ‬ففى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬الذى‭ ‬يرفضون‭ ‬ما‭ ‬هيه‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬بل‭ ‬ويسخرون‭ ‬منها‭ ‬أيضاً،‭ ‬يتصوَّرون‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مؤامرة،‭ ‬لإخفاء‭ ‬حقيقة‭ ‬الفشل‭ ‬والتقصير،‭ ‬أى‭ ‬أنهم‭ ‬يرفضون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيمانهم‭ ‬بنظرية‭ ‬مؤامرة‭ ‬عكسية،‭ ‬ولقد‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬جلياً‭ ‬لدينا،‭ ‬عقب‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬‮٢٠١١‬م،‭ ‬ففى‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬ودون‭ ‬شعور‭ ‬بالتناقض،‭ ‬كان‭ ‬الشارع‭ ‬يرفض‭ ‬ويستنكر‭ ‬نظرية‭ ‬وجود‭ ‬مؤامرة‭ ‬خارجية،‭ ‬ضمن‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع،‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬يؤمن‭ ‬فيه‭ ‬بوجود‭ ‬مؤامرة‭ ‬تحاك‭ ‬ضده،‭ ‬من‭ ‬مسئوليه‭ ‬وحكامه‭ ‬والجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬له،‭ ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬التناقض،‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬عجيبة،‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬إشكالية‭ ‬هوس‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬يؤمن‭ ‬بوجود‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أو‭ ‬آخر،‭ ‬وانها‭ ‬قد‭ ‬صارت‭ ‬أشبه‭ ‬بوباء،‭ ‬ينتشر‭ ‬انتشار‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬الهشيم،‭ ‬فلا‭ ‬يفلت‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬أراح‭ ‬عقله،‭ ‬ورضى‭ ‬بسكون‭ ‬وسلام،‭ ‬وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬فراغ‭ ‬كالعدم،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬شاعرنا‭ ‬العظيم‭ ‬الراحل‭ ‬إبراهيم‭ ‬ناجى،‭ ‬أو‭ ‬كأن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬نفسها‭ ‬قد‭ ‬تقمصت‭ ‬دور‭ ‬هاملت،‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬شكسبير‭ ‬الشهيرة،‭ ‬لتقف‭ ‬صائحة‭: ‬أكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أكون‭.


    Dr.Randa
    Dr.Radwa