قامت تلميذتي العزيزة الباحثة علا ممدوح عيسى بإعداد
رسالة ماجستير متميزة بعنوان "تفاعل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع
الصفحات الساخرة وعلاقته بتشكيل الصورة الذهنية عن الفاعلين السياسيين"، وقد
عرضنا في الحلقات الثلاث الماضية نتائج الدراسة التحليلية التي أجرتها
الباحثة على عينة من المنشورات الساخرة
التي نُشرت على صفحات عينة مُمَثِلّة من الصفحات الساخرة على الفيس بوك خلال عامي
2017 و2018، ويطيب لي في هذه الحلقة من هذا العرض أن أبدأ في تقديم أهم نتائج الدراسة
الميدانية التي أجرتها الباحثة على عينة قِوَامُها (420) مبحوثًا من مستخدمي
"فيس بوك".
فيما يتعلق بالصفحات الساخرة على "فيس بوك"
كمصدر للمعلومات عن القضايا والأحداث السياسية، وجدت الباحثة أن
(75%) من أفراد العينة يستخدمون الصفحات الساخرة على "فيس بوك" كمصدر
للمعلومات عن القضايا والأحداث السياسية، بينما (25%) فقط من أفراد العينة اعترضوا
على استخدام الصفحات الساخرة على "فيس بوك" كمصدر للمعلومات عن القضايا
والأحداث السياسية.
وعن أسباب عدم استخدام الصفحات الساخرة على "فيس
بوك" كمصدر للمعلومات عن القضايا والأحداث السياسية جاءت الأسباب كالتالي: (51%)
منهم "لا يثقون في المعلومات التي تقدمها تلك الصفحات"، وحوالي (23%) منهم
يرون أنه "يوجد مبالغة بالسخرية التي لا تعجبهم"، و(9%) بسبب أنهم يرون
أنها "ذات محتوى سطحي"، وجاءت أسباب الرفض التالية: "أعتبر
متابعتها مضيعة للوقت"، "لا تعبر عن رأيي"، "لا يعجبني
الأسلوب الساخر المستخدم" بنسب متقاربة هي (7%)، (6%)، (5%) على التوالي.
وتتفق النتيجتان السابقتان مع ما جاء في دراسة (محمد
سعيد عبد المجيد وممدوح عبد الواحد الحيطي، 2013) إلى قدرة هذه المواقع على توصيل
الأخبار والمعلومات بسرعة فائقة، مما يحقق واحدًا من استخداماتها الرئيسية في
النواحي السياسية بتبليغ المشاركين والأعضاء أحدث التطورات والمخططات، كما أن
المعرفة السياسية مرتبطة بكونها وسيلة لكشف انتهاكات السلطة السياسية، في حين أن
المشاركة السياسية ترد إلى قدرة هذه الشبكات على التعريف بالشخصيات ذات الأدوار
السياسية في المجتمع، ولو أنه في بعض الأحيان تنشر بعض الإشاعات والأخبار
المفبركة.
وبالنسبة لتصنيف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وفق
أسلوب عرضها للمعلومات، وجدت الباحثة أن أكثر الصفحات استخدامًا
من قبل أفراد العينة، هى الصفحات التي تعتمد على الرسوم ومقاطع الفيديو للإضحاك،
حيث أجاب (35.2%) أنهم يستخدمونها دائمًا، وأجاب (54.4%) من أفراد العينة أنهم
يستخدمونها أحيانًا، وبالتالي فهذا النوع من الصفحات كان له العدد الأكبر من
التكرارات، يليها في مدى الاستخدام الصفحات الساخرة على "فيس بوك"، حيث
بلغت (30.8%) للإجابة دائمًا و(49.3%) للإجابة أحيانًا، أما الصفحات الأقل في مدى
الاستخدام، فهي صفحات رسامي الكاريكاتور، حيث جاءت نسبة (76.3%) للإجابة
"نادرًا"، وعليه يتضح أن إقبال الجمهور يكون أكبر على الصفحات التي تقدم
محتوى متعددًا (رسوم ومقاطع فيديو) وليس صفحات الكاريكاتور أو الصفحات الخاصة
برسامي الكاريكاتور، وهو ما أطلقت الباحثة عليه الصفحات الساخرة بشكل عام.
تبين من الدراسة أن أكثر الموضوعات التي يفضل أفراد
العينة متابعتها هي الموضوعات السياسية بنسبة مئوية 73.4% من أفراد العينة، ويليها
الموضوعات الاقتصادية، حيث يتابعها (69.5%) من أفراد العينة، يليها كل من
الموضوعات الاجتماعية فالرياضية ثم الفنية بنسب (59.9%)، (44.2%)، (19.2%) على
التوالي.
ووجدت الباحثة أن (67.4%) من أفراد العينة يتابعون
المضمون الساخر على "فيس بوك" من خلال ما يشارك به الأصدقاء، بينما (42.5%)
من العينة يتابعونه من خلال ظهور منشور ساخر فيحرصون على معرفة مصدره للاشتراك
بالصفحة، يليها "بناء على دعوة الأصدقاء (Invite)" بنسبة بلغت (34.4%)، يليها
من خلال البحث عن صفحات بالكلمات المفتاحية" بنسبة (30.4%)، بعدها يأتي كل من
"اكتفى بمتابعة ما يعجب به ويشاركه الأصدقاء" و"اشتركت في الصفحات
المشابهة التي تقترحها الصفحات التي سبق واشتركت بها" بنسب (21%) و(16.5%) على
التوالي. ويمكن القول إن المتابعة هنا تكون بالصدفة ودون تعمد ومع بذل أقل جهد من
خلال ما يظهر أمام مستخدم "فيس بوك" من خلال ما ينشره الأصدقاء على
صفحاتهم.
ووجدت الباحثة أن (93.4%) من أفراد العينة يفضلون
الاشتراك بالصفحات التي تتطلب الإعجاب بها فقط، يليها الانضمام إلى مجموعة عن طريق
إرسال طلب للانضمام بنسبة (5.5%)، ويأـتي في المرتبة الأخيرة الصفحات الشخصية التي
يتم إرسال طلب صداقة لمتابعتها بنسبة ضئيلة هي 1%، ويمكن تفسير هذه النتيجة أن
الأمر لا يتطلب الانتظار من قبل المستخدم لحين قبوله في المجموعة، ولا يوجد
اشتراطات معينة للانضمام للصفحة، مما يعطي الجمهور الإحساس بالأمان، وأنه ليس لدى
الصفحة ما تخفيه، كما أنه بالإمكان الاطلاع على مجمل المنشورات قبل الاشتراك، مما
يعطيه فكرة عن توجهات الصفحة، بالتالي يتخذ قرار الإعجاب بالصفحة ومتابعتها.
وفيما يتعلق بأسباب متابعة الصفحات الساخرة، جاءت أكثر
العبارات موافقة من قبل أفراد العينة هي "لا تتطلب المواد الساخرة على فيس
بوك جهدًا للفهم"، حيث بلغت نسبة الموافقة على هذه العبارة (74.6%)، يليها
"توفر الصفحات خيارات
تفاعلية متنوعة مثل الإعجاب والتعليق والمشاركة" بنسبة موافقة (70%)، ثم تأتي "لا تحتاج المواد الساخرة على صفحات فيس بوك إلى وقت طويل في
المتابعة والاطلاع عليها" بنسبة موافقة (69.9%).
أما الأقل في الموافقة فهى "أحصل على أصدقاء جدد
لديهم التوجهات السياسية نفسها"، و"تساعدني الصفحات الساخرة على تحديد
اتجاهي من الشخصيات السياسية"، و"أحصل على أصدقاء جدد لديهم التوجهات
السياسية نفسها" وكانت نسب عم الموافقة على تلك العبارات هي 40.7%، 53.8%،
59.1% على التوالي. وهو ما يدل على رفض أفراد العينة لوجود دور للصفحات الساخرة في
التعرف على أشخاص جدد وتكوين صداقات من خلال الصفحات الساخرة.
وترى الباحثة أنه يمكن تفسير نتيجة العبارة التي حصلت
على أعلى وزن نسبي "لا تتطلب المواد الساخرة على فيس بوك جهدًا للفهم"،
بأن الأمر مرتبط بآلية عرض المواد الساخرة التي تعتمد على الرسوم البسيطة أو أخذ
مقاطع من أفلام وتركيب التعليقات عليها التي تعبر عن مواقف من قضايا محددة، وأنه
بشكل عام تفضل عينة الدراسة عدم بذل مجهود كبير، وهو ما يتفق مع ما سبق وتوصلت
إليه الباحثة من أن الجمهور يميل إلى عدم بذل جهد، وأنه يميل أكثر لما لا يحتاج
لمجهود كبير في التفكير، وغالبًا ما يكون ذلك وسيلته للتخلص من التوتر والإجهاد
الذهني.
كما أن نتيجة العبارة الثانية "توفر الصفحات خيارات
تفاعلية متنوعة مثل الإعجاب والتعليق والمشاركة" مرتبطة بالخيارات التفاعلية
التي وفرتها شبكة الإنترنت بشكل عام، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي
تدعم حرية التعبير عن الرأي، الأمر الذي يفسر قدرة الصفحات الساخرة في التعبير عن
الرأي. كما يمكن القول إن الاهتمام بالصفحات الساخرة جاء على سبيل الترفيه، وليس
الغرض منه تكوين صداقات جديدة، وأن ذلك يمكن أن يكون مرتبطًا بالحرص والحذر من
أصحاب التوجهات المختلفة.
وللحديث
بقية.