قال المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان، إن البلاد تشهد عملية التفاف متكررة على الأسس والقواعد الدستورية التي تنظم عمل السلطات السياسية وتحديد الصلاحيات، معتبرا (المجلس) أن الاتهام الذي وُجه إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في قضية انفجار ميناء بيروت البحري الذي وقع في 4 أغسطس الماضي، ادعاء مغرضا ينطوي على مساس بموقع رئاسة الحكومة.
وجاءت مواقف المجلس خلال اجتماعه المنعقد اليوم السبت برئاسة مفتي الجمهورية في لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان، بمثابة رد غير مباشر على إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون أنه قدم لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، طرحا لتشكيل الحكومة الجديدة يتضمن توزيع الحقائب الوزارية، وهو الأمر الذي اعتبرته العديد من الأوساط اللبنانية بمثابة تجاوز لصلاحياته المنصوص عليها في الدستور ووثيقة الوفاق الوطني اللبناني (اتفاق الطائف).
وحذر المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من "التمادي" في خرق الأسس والقواعد الدستورية، ومحاولة فرض وقائع جديدة استجابة لأهواء شخصية ومصالح فئوية خاصة.. مشيرا إلى أن هذا الأمر يوجه طعنات مدمرة إلى النظام السياسي الذي ارتضاه اللبنانيون والذي يقوم على مبدأ عمل السلطات وتحديد صلاحيات كل منها وقواعد التعاون فيما بينها، كما أنه يهدد صيغة العيش المشترك.
وقال: "الإصرار على هذه التجاوزات اللادستورية واللاوطنية يتكامل مع الانهيار الاقتصادي والمالي ومع الشلل السياسي الذي يعاني منه اللبنانيون وكأن الغاية السوداء هي جرّ لبنان، دولة ومجتمعا، إلى هاوية لا قرار لها، بدلا من التعاون المخلص والصادق على حشد كل الطاقات والإمكانات للنهوض به، وإعادة الاعتبار إليه، وطنا للعيش المشترك ومنبرا للحرية واحترام كرامة الإنسان".
من ناحية أخرى، انتقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى تأخير إعلان نتائج التحقيقات في الانفجار المدمر الذي وقع بميناء بيروت البحري، مشيرا إلى أن عائلات الضحايا والمنكوبين والمتضررين تنتظر "بفارغ الصبر" معرفة الحقيقة حول ملابسات الجريمة ومن يقف وراءها.
وقال المجلس: "فوجئنا بتدبير من خارج السياق العام ترتفع حوله أكثر من علامة استفهام ويتجاوز كل الأعراف والقوانين وينتهك حرمات دستورية تتعلق برئاسة مجلس الوزراء.. إنها أشبه بالهروب إلى الأمام، وهي في الحسابات الأخيرة مجرد إيهام مضلل بالتقدم في التحقيق، وعليه يؤكد المجلس أن المساس بمقام رئاسة الحكومة يطال كل اللبنانيين لا طائفة فحسب، وما جرى من ادعاء مغرض على رئيس الحكومة هو مؤشر خطير يرمي إلى غايات ونوايا سياسية معروفة الأهداف للنيل من موقع رئاسة الوزراء".
وأعرب المجلس عن "ألمه الشديد" جراء اتساع وتعمق ظاهرة اللاثقة الدولية والعربية بالسلطة الرسمية في لبنان، وعدم التعاون معها وتوجيه الاتهامات إليها، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تتماهى مع مواقف الرأي العام اللبناني باتهام جهات في السلطة أنها تستعصي على الإصلاح والحكم الرشيد.
وكان المحقق العدلي (قاضي التحقيق) فادي صوان قد وجه اتهاما رسميا إلى رئيس الحكومة حسان دياب، ووزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزيري الأشغال السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بارتكاب جرائم الإهمال والتقصير والتسبب في وفاة وإيذاء مئات الأشخاص في انفجار ميناء بيروت البحري.
وأثار قرار الاتهام موجة واسعة من الغضب لدى معظم القوى السياسية اللبنانية، التي اعتبرت أن قاضي التحقيق تجاوز صلاحياته القانونية لا سيما وأن الأمر يتعلق باتهامات محلها "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء" إلى جانب أن الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر من أعضاء البرلمان ويتطلب الأمر أخذ موافقة المجلس النيابي قبل اتخاذ أي إجراء قضائي حيالهما.
كما اعتبر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، والزعماء السياسيون للطائفة السُنّية في لبنان خاصة الرؤساء السابقين للحكومات اللبنانية سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، أن الاتهام الموجه إلى حسان دياب، يمثل انتهاكا وخرقا لأحكام الدستور ويأتي في إطار عملية ابتزاز واستهداف سياسي لموقع رئاسة الحكومة، معلنين تضامنهم مع رئيس حكومة تصريف الأعمال.