"الترند" فى مواقع
السوشيال ميديا، هو تعبير عن رواج فكرة أو موقف أو قضية يتحدث عنها رواد مواقع
التواصل الاجتماعى، أو حتى حادثه أثارت الرأى العام سواء بشكل سلبى أو إيجابى،
وهو مصطلح يشير بشكل أو بآخر إلى تحرك شعبى وجماهيرى تجاه دعم قضية ما، أو حتى استياء
شعبى ومجتمعى لموقف أو حادث ما؛ الأمر الذى يجعل من تلك الواقعة أو الموقف الداعم
لشخص أو قضية، هو توجه مدعوم من كل من شاهده فأثار بداخله شئ ما، فقرر المشاركة فى
نشره، أو الحديث عنه فى صفحته بمواقع التواصل الاجتماعى.
وفجأة يتحول هذا الأمر إلى
الأكثر تداولًا وانتشارًا بين رواد مواقع السوشيال ميديا والأكثر شيوعًا، بل
والأكثر بحثًا أحيانًا على محركات البحث، وخلال ساعات أو أيام قليلة تجد أن "الترند"
هو موضوع كذا أو كذا، وتلاقى الناس بتقولك ده موضوع فلان ركب "الترند".
وأكيد ركوب "الترند"
له وجهان، وجه إيجابى وداعم، ويا بخته اللى يركب "الترند" بموقف وطنى أو
أخلاقى أو يظهر فيه شهامة أو تفوق علمى أو رياضى، ويا سوء طالعه من يركب "الترند"
بموقف سلبى، والأمثلة على هؤلاء كثييييييرة جدًا، وبدون إشارة أو ذكر أسماء
لأحداث وأشخاص استطاعوا بسوء تصرفهم إثارة غضبة رواد مواقع السوشيال ميديا
بتصرفات وأقوال ومواقف وصور، حتى أودى بهم ركوب "الترند" إلى النبذ
المجتمعى والوصم، وربما زُجّ بهم خلف القضبان فى وقائع متعددة كانت عبرة وعظة لدى البعض
محققة مفهوم الردع العام والردع الخاص، وبينما مرت مرور الكرام لدى البعض الآخر دون
أن تترك أثرًا أو عبرة وعظة.
ولعل حُبّ الظهور والشهرة
حتى ولو بشكل سلبى هو آفة قديمة وليست حديثة، ويحضرنى واقعة شهيرة فى ذات المقام
لأبى الفرج ابن الجوزى، (ت 597هـ)، فى كتابه (المنتظم)، حول أعرابى بال فى بئر
زمزم ليشتهر والناس ينظرون، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد أن
يموت، فخلصه حراس الحرم منهم وجاؤوا به إلى أمير مكة فقال له: "قبّحك الله، لِمَ
فعلت هذا؟".. فقال: "حتى يعرفنى الناس فيقولون هذا الذى بال فى بئر زمزم.
وهذه الرواية نقلها المئات
من المعاصرين فى السنوات الأخيرة، وهناك رواية أخرى مشابهة للسابقة نقلها العشرات،
وينسبونها إلى كتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لابن الجوزى، وتختلف فى أن الأعرابى أجاب
بقوله: "أردت أن أُذكر ولو باللعنات".
وبعيداً عن حالة الجدل
حول صحة تلك الواقعة بتفاصيلها من عدمه، فهى رواية أظن أن الهدف منها هو الإشارة إلى
ما قد يفعله البعض من حماقات فى سبيل تحقيق رغبته التى تمتلك عليه نفسه فى تحقيق
الشهرة، والتى ربما قد تدفعه إلى ارتكاب أخطاء، وصولاً إلى تحقيق رغبته المحمومة فى
الحصول على الشهرة.
ولعلنا فى الأيام القليلة
الماضية شاهدنا أو تابعنا العديد من الأحداث التى حولت أصحابها إلى "ترند"
على السوشيال ميديا، مثل فتاة سقارة، وأيضاً الشاب الذى حاول تقليد مشهد من فيلم
"صايع بحر" ، والذى يجسد قصة شاب خدعته خطيبته السابقة فقام بفضحها والتشهير
بها أسفل منزلها بالصياح والنداء عليها
على قارعة الطريق، ولنكتشف بعد تحول تلك الواقعة للشاب الذى قال فى فيديو آخر،
بعـد أن تحول إلى "ترند"، أن الواقعة بالكامل هى مشهد تمثيلى جسده بمعاونة
أصدقاء وجيران له، لحبه فى التمثيل ورغبته فى تحقيق أحلام الشهرة، بل ولفت الأنظار
إلى موهبته الواعدة، حسب تصريحاته .
ولا أظن أن تلك الواقعة هى
الأولى ولن تكون الأخيرة أيضًا فى سبيل سعى البعض إلى تحقيق أحلام الشهرة، ولا أتفق
مع من يقولون إن الشاب معذور لرغبته فى تنمية موهبته وتحقيق حلم الشهرة، لأن طريق
تحقيق حلم التمثيل والشهرة له طرقه المشروعة وبخاصة الأكاديمية المعروفة، أو حتى
الالتحاق بإحدى ورش التمثيل الخاصة والمنتشرة والتى نجحت فى إفراز العديد من
النجوم الواعدة، وأيضاً الفرق الخاصة والتى تتلقف المواهب الواعدة وتوفر لها فرصة
فى صقل مواهبها الصاعدة .
وختاماً أقول: إن لوسائل
التواصل الاجتماعى أهمية بالغة وكبيرة، فهناك ما يُقارب من 3 مليار مُستخدِم لهذه
الوسائل حول العالم، ويُعتبر الأشخاص الذين تقع أعمارهم بين 18 إلى 29 عامًا هم أكثر
الأشخاص الذين يستخدمون هذه الوسائل.
وتعبّر وسائل التواصل
الاجتماعى عن مواقع الويب والتطبيقات التى تم تصميمها، بحيث تسمح للأفراد الذين
يستخدمونها بمشاركة المحتوى الخاص بهم من صور وآراء وأحداث بكفاءة وسرعة، وفى الوقت
المناسب كذلك، كما يُمكن النّظر لهذه الميزة أو القدرة على مشاركة المحتوى خلال
الوقت الفعلى، على أنّها سبب لتغيّر الطريقة التى يعيش بها النّاس، وأساليب تأديتهم
لأعمالهم، وذلك من خلال إمكانية التواصُل الفورى والمُباشر مع الأشخاص، وفى أى مكان
حول العالم، وذلك عبر العديد من التطبيقات التى تُتيح ذلك كـ"فيسبوك" أو
"تويتر" وغيرها من التطبيقات الأخرى، بالإضافة إلى ميزة قدرة الوصول إلى
أى مُستخدِم حول العالم عبر هذه الوسائل، وتُعد سهولة الاتصال ميزة مُضافة لهذه
الوسائل، فظهورها أدى إلى تقليل الاعتماد على خطوط الهواتف الأرضية، أو حتى
استخدام البريد العادى، وجميع ما سبق هى مميزات لا يمكن لشخص عاقل تجاهلها فى وسائل
التواصل الاجتماعى، إلا أنّ البعض منا وياللأسف ترك كل هذا وبحث عن تحقيق لشهرة،
وعن طريق تصرفات غير مسئولة طمعاً فى ركوب "الترند"، حتى ولو جلب عليه
هذا الآمر نتائج كارثية، فهو يتجاهل كل هذا، وتراه يردد بينه وبين نفسه: "أنا
لازم أبقى مشهور، أنا لازم أركب الترند"!.