الأحد 16 يونيو 2024

نحن في زمن الكشف

أخرى13-12-2020 | 09:15

في مشهد عبقري جسده الفنان عادل إمام في فيلم عمارة يعقوبيان يعبر فيه عن حجم التردي في المجتمع المصري من وجهة نظر صناع الفيلم ينهي زكي الدسوقي الشخصية التي يلعبها عادل إمام، المشهد بقوله أحنا في زمن المسخ.

 

ونستطيع أن نقول إن من فوائد ما يسمى بالربيع العربي أنه أدخلنا في زمن الكشف وسقوط الأقنعة فلم يترك إلا القليل دون أن يعريهم ويدخلهم في متاهة التناقض إما بين الأقوال والأفعال أو بين الأقوال والأقوال أو بين الأفعال والأفعال.

 

في الأسبوع الماضي فقط كانت الأخبار ممتلأة بالكشف وسقوط الأقنعة، أذكر هنا أهم ما لفت نظري منها.

 

نشرت هيومن رايتس ووتش، تغريدة تطالب فيها البنك الدولي بعدم مساعدة مصر في مواجهة أزمة كورونا حتى تخضع السلطات المصرية لمطالبها، في حين أنها كانت قد طالبت في تغريدة مماثلة بداية أزمة كورونا بوقف العقوبات المفروضة على إيران لمساعدتها في تخطي أزمة كورونا، على الرغم أن ملف طهران يعد من بين الأسوأ عالميا في مجال حقوق الإنسان.

 

تكشف كل يوم تلك المنظمة أنها اختزلت دورها في أن تكون مجرد أداة ضغط وترس صغير في آلة اللوبي الإسلاموي تضغط به على مصر.

 

من ناحية أخرى أثار الأستاذ المتقاعد في قسم الأنثروبولوجيا في جامعة ماكجيل الكندية والمتخصص من الشرق الأوسط البروفيسور فيليب كارل سالزمان حفيظة الطلاب بعدما قال في مقاله الشرق الأوسط: ثقافة قبلية ودول ما قبل حداثية: الشرق الأوسط مكان يُنظر فيه إلى إلحاق الأذى بالآخرين والقسوة عليهم على أنها فضيلة وواجب.

 

لا شك أنه وقع في فخي التعميم والتبسيط المخل، وهي آفات منتشرة في الكاديميا الغربية خصوصا فيما يتصل بدراسات العالم العربي.

 

ولكن من جانب آخر ألم يعبر البروفيسور الكندي عن الصورة التي تصدرها كثير من القوي في تلك المنطقة من العالم عن نفسها، خصوصا الإسلامويين؟ ما يثير الضحك هو أن النهايات الطرفية لإسلاموي الشرق الأوسط في كندا هم أكثر من هاجم الأستاذ الكندي، بل ويطالبون بسحب لقبه العلمي.

 

الموضوع الثالث هو ملاحظة تغير مواقف أو السكوت الذي ساد المشهد لدى الكثير من قادة الرأي في مصر وفي العالم العربي حول موضوع المصالحة مع قطر، وكأننا يمكن أن نتصالح.

 

بكل وضوح، أنا ضد أي مصالحة مع الأنظمة الحاكمة في قطر وتركيا وإيران (الإسلاموية بشقيها السني والشيعي).

 

أولا، لا عهد لهم، ثانيا، ما فعلته تلك الأنظمة في العالم العربي والإنسان عموما لا يغتفر، ثالثا، أظن أن التصالح معهم هو ردة عن تطلعات المجتمعات والأنتليجنسيا العربية للانعتاق من تلك الأيديولوجية المقيتة التي نعاني منها منذ ١٩٢٨.

 

وفاء لضميري المهني والإنساني أقول: لا يمكن أن تتفاوض مع نظام يدعم ويرعى وينظر ويشرعن ويبيض الإرهاب، فما بالك بالتصالح معه.

 

تصالح مع النظام الذي سيأتي بعده، بعد أن يحاكم ويعاقب النظام السابق. هذا أقل ما يتوجب فعله، وفاء لمن ضحى بعمره ولمن شرد ولمن انهارت دولته ولمن تحارب مكونات مجتمعه، في أتون تلك الحرب بالإرهاب.

 

الموقف الرابع كان بالطبع ردود الأفعال علي تطبيع المغرب مع إسرائيل. فشاووش أوغلو، الذي ملأ رئيسه الدنيا ضجيجا ناقدا في التطبيع بين الإمارة وإسرائيل هو نفسه الذي أقر في المكالمة التي جرت بعد ساعات من اتفاق التطبيع، بحق المغرب كأي دولة أخرى في إقامة العلاقات مع أي بلد يريده.

 

كانت فرصة لمن يريد الضحك على النفاق القطري الصارخ أن يشاهد قناة الجزيرة ويقارن موقفها عند إعلان الإمارات والبحرين التطبيع. فلم تتصدر أخبار التطبيع بين المغرب وإسرائيل، ولا المصالحة، قناة الجزيرة. لا مبدأ.

 

المشكلة كانت عند الجزيرة فيمن يطبع، وليس التطبيع. من جانب آخر لم نسمع صوت المثقفين المغاربة الذين انسحبوا من الجوائز والفعاليات الثقافية الإماراتية ولم يعلق الشيخ المغربي أحمد الريسوني الرئيس الجديد لـ”علماء المسلمين” والذي خلف القرضاوي في هذا المنصب والذي كان قد أصدر فتاوى يحرم فيها التطبيع. لم ينسحب حزب العدالة والتنمية الإخواني الحاكم في المغرب من الحكومة التي يرأسها والتي ستوقع قريبا وثائق التطبيع.

 

الإسلاموية والظواهر الصوتية تتداعي أسرع حتى مما توقعت في زمن الكشف.

 

الموضوع الأخير أعدمت إيران الصحفي المعارض روح الله زم بتهمة استخدام تطبيق للمراسلة في التحريض ضد الحكومة. مر الخبر دون الكثير من الضوضاء لا في الإعلام ولا في المؤسسات الدولية ولا في جمعيات حقوق الإنسان ولكن أن تتخيل لو كان حدث ذلك ذلك في مصر أو السعودية.

خلاصة زمن الكشف هو أن القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان والديمقراطية بل والدين ذاته (في حالة الإسلامية). . إلخ، أصبحت مجرد أدوات، رخيصة في عين من يستخدمها، تشن بها فقط الحرب على مصر. . إنه زمن الكشف.