الأحد 30 يونيو 2024

حنجرة واحدة لا تكفى!

أخرى14-12-2020 | 12:52

فوزى إبراهيم

لم تكن مفاجأة بالنسبة لى أن يكشف "جوجل" الأغنيات الأكثر مشاهدة على المنصات الإلكترونية لدى المصريين خلال العام الحالى 2020، وكانت كلها أغانى مهرجانات، ولن يدفعنى هذا لاتهام المصريين بتدنى الذوق بقدر ما أتهم القائمين على الغناء بعطب محركات البحث فى عقولهم؛ حتى توقفت وتعطلت عن استشعار ذلك الملل والشلل الذى أصاب الساحة بعد أحداث يناير 2011 وربما قبلها، حيث لم يدرك أحد أن تغيرًا كبيرًا حدث فى الشارع المصرى وفى الذائقة المصرية أسفر عن حالة لم تعد تستوعبها أغنية المطرب الواحد واللحن الواحد والأداء الغنائى الواحد، بل أصبح الجمهور فى ظل رغبته فى كسر هذا الملل يرفض أغنية الحنجرة الواحدة والتون الصوتى الواحد.

 

وذهب الجمهور إلى أشكال تكسر هذا الملل مع أغانى تحمل تباينا فى الأصوات وفى النغمات وفى الإيقاعات، وانقسم فى ذلك إلى فريقين، فريق استقامت ثقافته مع فرق جماعية مثل "كايروكي" و"مسار إجباري" و"بساطة" و"بركة" وغيرها، وهى فرق اعتمدت على موسيقى "الجاز والروك" ومزجهما بالشرقى أحيانا، وقسم آخر استقامت ثقافته مع موسيقى المهرجانات والأغانى الثنائية والثلاثية والرباعية أيضًا، وهو شكل جمع بين موسيقى الراب وإيقاع الموالد والأفراح الشعبية واعتمدت على أصوات ذات مساحات صوتية مختلفة ما بين جوابات عالية وقرارات منخفضه والانتقال المفاجئ بين الطبقتين لإحداث صدمات إفاقة أشبه بالصدمات الكهربائية فى غرف العمليات، وهو شكل يحتاجه الوجدان المعتل فى الأزمات مثلما كانت جلسات "الزار" فى تراثنا القديم.

 

ودائمًا كانت الأغنية الجماعية والفرق الجماعية حاضرة كلما حضر الملل والثبات الغنائى على شكل واحد، ففى الثمانينيات كانت فرقة المصريين التى أنشأها هانى شنودة، و"الأصدقاء" التى أنشأها عمار الشريعى، وفرقة "فور إم" التى أنشأها عزت أبو عوف وغيرهم، وفى نهاية التسعينيات كان فريق "واما" وفريق وسط البلد وفى مطلع القرن الحالى كان فريق "بلاك تيما" وغيرهم، إلا أن هذه التجارب صادفت بيئات سوية وأجواء شبه مستقرة فخلت من أى انحرافات، عكس هذا الشكل الذى نشأ فى أجواء متوترة وبيئات معتلة من ضغوط الأزمات لسنوات ما بعد 2011 إلا أن الثابت دائما هو أنه لا يصح إلا الصحيح وأنه حين يأتى التعافى تعود الذائقة مثلما يحدث مع مريض كورونا.

 

ولكن المريض دائما يحتاج إلى علاج، والعلاج يحتاج لمن يبتكره، والابتكار هو الحل فى خلق إبداع يكسر الملل ويتصدى للظواهر حتى وإن ذهب إلى مسار يحاكى هذه الأشكال ويصحح وجهتها مثلما حدث فى "دويتو" هانى شاكر وأحمد سعد الذى طرح مؤخرًا ولفت انتباه جمهور هانى وجمهور سعد وجذب جمهورًا ثالثًا لم يسبق للاثنين اختراقه، حين وجد صوتين كبيرين خلقا من التباين فى طبيعة صوتيهما وطبيعة لونهما الغنائى وروحهما داخل شكل موسيقى استخدم منهجا معدلا لموسيقى ما يسمى بالمهرجانات كخطوة نحو التصدى وسلاح جديد لجأ إليه هانى شاكر أذكى كثيرًا من سلاح القرارات.