الثلاثاء 4 يونيو 2024

حوار.. المؤرخ عاصم الدسوقي لـ«الهلال اليوم»: عبد الناصر أحبط مخطط وصاية الإخوان على الحكم.. والأتراك سبب الفتنة بين المسلمين والمسيحيين

تحقيقات16-12-2020 | 16:49

معروف عنه قوته العلمية وعبقريته في تدوين التاريخ، ومعاصرته لمختلف الأنظمة الملكية والجمهورية، له في كل منها نصيب من الكتابة والتدوين، يشهد له الجميع بالحيادية والأمانة العلمية في النقل والتأريخ، واحد من الأساتذة الجامعيين الذين وضعوا بصمة عميقة في ذهن طلابهم، ونجح بعلمه وأسلوبه المميز، ولباقته في الحوار، في جذب الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة.. إنه المفكر والمؤرخ الكبير الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقي، مدرس التاريخ بجامعة حلوان والمشرف على قسم الدراسات العليا.

«الهلال اليوم» التقت الدسوقي، داخل أروقة الصرح الثقافي التاريخي جماعة الفنانين التشكيليين والكتاب "أتيليه القاهرة" -الملتقى الأكبر للكتاب والمفكرين المبدعين- بدأ الدسوقي حواره لـ"الهلال اليوم" بالحديث عن تاريخ الأتراك والدولة العثمانية، والتي وصفها بـ"السطحية"، وكيف كانت نقطة نشأتهم وبدايتهم في أوروبا الشرقية "دول البلقان"، وامتدوا من شمال غرب الصين حتى استقروا في إسطنبول في القرن الثالث عشر، فقال: الأتراك شعوب مختلفة ليس لهم علامة موحدة في الشكل، اللون أو العرق، لأن الأصول بعيدة ومتفرقة، ولو نظرنا في التلفاز للمسئولين الأتراك وجدناهم مختلفي اللون والهيئة.

وأضاف: حكم العثمانيين والأتراك كان حكما أفقيا ليس رأسيا، بمعنى أنه حكم لا يبني ولا يؤسس أو يعمر الأرض، بل كان حكما سطحيًا هدفه تحقيق مصالح فردية، فكان الوالي غرضه جمع الضرائب والأموال من المصريين وإرسالها للسلطان في إسطنبول، ومن هنا خرجت مهنة "السرجي".

وعن ما يتردد بشأن بدايات "الفتنة" بين المسلمين والمسيحيين من أبناء الأوطان الواحدة، وأنها ولدت من رحم الأتراك قال: إن أول فتنة بين المسلمين والمسيحيين كانت في دول البلقان، حينما احتلها العثمانيون ووضعوا مئذنة فوق كنيسة "آيا صوفيا"، وكانوا يجبرون الأطفال البلغاريين في سن العاشرة على التجنيد ما عرف بـ"الجيش النظامي" كضريبة يدفعها أهالي البلد، ومن ثم يخرج الطفل من دين المسيحية إلى الدين الإسلامي ويعمل محاربا ضد أهله، وفي عام 1991،  تولى المسيحيون الحكم في بلغاريا، وورثوا اضطهاد العثمانيين والأتراك حتى قاموا بذبح جميع المسلمين في البلاد بالرغم من قرابتهم، وهو ما عرف بـحرب التطهير العرقي.

كما تطرق "الدسوقي" إلى الحديث عن ما أشيع في الفترة الأخيرة بأن مصر كانت دائنة لبريطانيا فقال موضحا: كلام غير صحيح ولا يعقل، حيث أن بريطانيا دولة عظمى احتلت مصر لسنوات طويلة، وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت مصر تحت حكم البريطانيين، وفي موقعة العلمين المعروفة، طلبت بريطانيا من المصريين وقتها بعض الخدمات التي تمثلت في حمل المجروحين ونقلهم للمستشفى لتلقي العلاج، وإزالة مخلفات الحرب وحمل معدات الجنود ومستلزماتهم وغيرها من الخدمات المعروفة خلال الحروب خاصة العالمية، ولما انتهت الحرب، طالبت مصر بريطانيا مقابل الخدمات والأعمال التي قاموا بها، لخدمتهم أثناء الحرب العالمية الثانية، واستمرت المفاوضات حتى بعد عام 1952، ولكن الأخيرة بررت عدم دفع أموال مقابل خدمات المصريين لأنهم كانوا تحت سيطرتهم ويعملون لحسابهم.

وتابع: عند قيام الحرب العالمية الثانية، طلبت بريطانيا من مصر الانضمام لصفوفها وقتال دول التحالف، لكن رئيس الحكومة وقتها علي ماهر باشا قال مقولته الشهيرة: "هذه الحرب لا ناقة لنا بها ولا جمل" أي ليس لنا مصلحة منها وليس من شأننا الدخول في هذه الحرب، واقتصرت الحكومة المصرية على قطع العلاقات مع ألمانيا وإيطاليا وسحب سفيريها من الدولتين، حيث كانت مصر مقيدة بمعاهدة .

 وأضاف، لا يصح أن نقول مثل هذا الكلام على بريطانيا بأنها كانت مديونة لمصر، وقت الحرب العالمية الثانية، فهل كان المصريون أغنياء والبريطانيون فقراء؟.

وفي ظل ما تعيشه الدول العربية من تفكك اقتصادي وانعدام الخدمات والبنية التحتية كان للدكتور عاصم الدسوقي مقارنة واضحة بين مصر في الخمسينات ومصر الآن فقال: شعارات المصريين قبل عام 1952، تختلف كثيرا عن شعارات الفترة الحالية أو ما يعرف بالربيع العربي، فمقاومة الحفاء، أو منع ظاهرة المشي حافيا، كانت أول المطالب لدى الشعوب، حيث كان المواطن يمشي حافيا طوال يومه، وليس معه ثمن شراء "قبقاب".

وأضاف، كنت أذهب إلى المدرسة الابتدائية، وأشاهد الرجل يمشي حافيا تحت الأمطار والبرك المائية في شوارع القاهرة، ليس معه ثمن الـ"قبقاب" الذي كان من أرخص الصناعات، وحتى الأطفال كانوا يلعبون الكرة الشراب وهم حفاة، إلى أن قامت ثورة يوليو، وأجبرت الحكومة المصرية شركة "باتا" لصناعة حذاء ثمنه 99 قرشا، حتى يستطيع عامة الشعب ارتدائه.

وعن جماعة "الإخوان" قال: إنها تتعامل بسياسة الإنجليز "إما الحكم أو التحكم في الحاكم"، ونذكر موقف البريطانيين في مصر، حينما أجبروا الملك فاروق على تعيين النحاس باشا رئيسا للحكومة، وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، وما ترتب على  ذلك من حفاوة شعبية لدى المصريين، قد تساند الإنجليز في محنتهم أمام قوة الألمان الجبارة والتي كادت تخسف البريطانيين وقواتهم.

وأضاف الدسوقي: كاد الملك فاروق أن يرفض طلب السفير البريطاني، إلى أن أخرج الأخير من جيبه، ملفا به صور ومستندات لنزوات الملك في شواطئ لندن، قائلا له: مصطفى النحاس رئيسا للحكومة، أو نشر تلك الملفات، ومن هنا وضحت سياسة التحكم وأن يكون الحاكم في قبضتهم، والنحاس باشا لم يكن من ذوي النفوذ والثروات، حتى يتم اختياره رئيسًا للحكومة، بل كان جده بياعا للنحاس، ولكن كانت لديه شعبية كبيرة عند المصريين، ولم يفلت أيضا من قبضة الإنجليز في الحد من سلطاته ونفوذه حينما صعد إلى  السلطة.

  وقال المؤرخ الدسوقي: الإخوان تشبهوا بالإنجليز في سياستهم عام 1952 حينما قالوا للرئيس جمال عبدالناصر: نحن لا نريد حكما ولا وزارة، ولكن إذا اتخذت قرارا فعليك إرساله إلينا أولا، لمراجعته ودراسته في مكتب الإرشاد، فقال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر: هذه تكون وصاية، وأنا لا أقبلها، ومن هنا بدأ الصدام بين جماعة الإخوان والرئيس جمال عبدالناصر، حيث أنهم أرادوا أن يكون الحكم في قبضتهم عن طريق فرض وصايتهم وتوجهاتهم على الرئيس، لكنه لم يدع لهم ذلك المجال.