صراع لا قبله ولا بعده، وسباق مسعور، بين دول العالم المتقدم على من ينهش الأرباح التريليونية من أطلال شعوب الأرض المعانين من أزمة كورونا .. وكأنها بورصة تفوقت على بورصات البترول والماس والدهب، فأخبار اللقاحات لا تتوقف، وأنباء الصفقات تتدفق لحظيا، وأفراح وصول طائرات اللقاحات، أصبحت تضاهى الانتصارات العسكرية وفرحة الفوز بالمونديال، أو ما شابه، على المستويات الشعبية والسياسية، وحتى الجدلات لا تتوقف حول فكرة من يحصل على اللقاح أولا، ومن يتهرب أساسا من اللقاح لحديث ما عن تأثيراته الجانبية .
كل هذه الدراما، تتزامن مع أجواء الضربتين الثانية والثالثة التى تتعرض لهما الكثير من الدول العظمى والمتوسطة والصغرى حول العالم..وكل هذا الجدل لا ينفي أن الأزمة مستمرة حتى العام المقبل بشكل أو آخر، لأنه رغم تسارع إنتاجات اللقاحات، وصراع الشركات المتنافسة، فلن تستطيع أن تلاحق الطلب العالمى، فرغم أن كل الدفعات الأولى ستخصص للأطقم الطبية وكبار السن حول العالم، إلا إننا نحتاج عمليا أكثر من سبعة مليار جرعة لتلقيح كل البشر.
وتكتمل فصول الدراما بإثارة أجواء تلقي الرؤساء والقيادات البارزة حول العالم اللقاحات أمام الكاميرات، رغم كل الجدل الدائر حول بعض هذه اللقاحات، والكل الآن يستعرض قدراته العالمية التى تمكنه من أن يسبق الجميع في أن يحصل على اللقاح قبل أى أحد، ويوفر الكمية الأكبر منه لشعبه، فالرئيس الأمريكى چو بايدن مثلا يترك كل الأقاويل الدائرة عن تزوير انتخاباته، ويركز فقط على فكرة قضاءه على الكورونا بكل اللقاحات الأمريكية، التى يدعمها بقوة، ويلوح لحلفاءه المقربين بكميات منها.
ووسط كل هذه الأحاديث الدرامية عن اللقاحات، تتفاقم الأجواء في أوربا بشكل كبير، مما يؤهل الأمريكان لاستغلال الأمر سياسيا وعسكريا بإنقاذ القوى الكبري في أوربا باللقاح الأمريكى، رغم أن اللقاحين الروسي والصينى متوفران قبله، وأثبتا جدارة ما، حتى أن الرئيسين الصينى والروسي كان أول الملقحين أمام الكاميرات.
فيما مالت مصر ناحية الصين وربما يكون لذلك ردود فعل من واشنطن، لكن الأهم بالنسبة للقيادة السياسية هى طمأنة شعبها، وطبعا كان الموقف الصينى بتصدير كميات من اللقاح لمصر كواحدة من أوائل الدول، التى تحصل عليه، ردا للجميل المصري لها بدعم القاهرة لبكين في عز أزمة الكورونا الخاصة بها، ومن المقرر مد مصر بكميات أخرى، وهناك لجنة خاصة كلفها الرئيس السيسى بتوفير اللقاحات الأنسب والتعاقد عليها، وهناك تنسيقات في إطار اللقاحين الصينى والروسي، والقاهرة لا تستبعد اللقاح الأمريكى رغم صعوبة نقله والأحاديث الدائرة حوله، فيما حصلت إسرائيل على دفعتين منه، في أجواء صعبة جدا.
وتركز الدولة المصرية على اتخاذ كل الإجراءات التى تحميها من الإغلاق التام، وحماية الأطقم الطبية وكبار السن من ضربات الفيروس، لكن الأجواء غاية في الصعوبة بسبب تساهل الأغلبية، حيث تتزايد الأرقام يوميا بشكل كبير، والقلق الرسمى المصري من الوصول إلى الإغلاق التام، لأن هذا يضر الفئات الكادحة بشكل كبير، ويعرقل استمرار النمو الاقتصادى، التى تشهد به المؤسسات المتخصصة العالمية، ويؤخر بالتالى جنى الثمار، وطبعا يزيد الاحتقان الاجتماعى، مع كثرة التحديات الاقتصادية.
وأود في هذا الإطار أن أنهى مقالى بإرسال خطاب مفتوح للسادة رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى ووزير التربية والتعليم، أدعوهم فيه والجهات المختصة لتجهيز سيناريو الإغلاق، رغم كل تبعاته السلبية جدا، لأننا للأسف قريبون له، والدكتور طارق شوقي يصر على أنه لن يكون هناك إغلاقا، بسبب فشل البدائل بالنسبة له في تجربة العام الماضي، ومنها الأبحاث!
وعلمت أيضا أن أغلب آلية الامتحانات عن بعد، والتعليم عن بعد في الجامعات غير مجدي عمليا حتى الآن، في أغلب التخصصات، رغم أن أكثر جامعات ومدارس العالم تعتمد على هذه الآليات بدون كورونا حتى!
الوضع يتفاقم، وسنضطر لهذا السيناريو بإيجابياته وسلبياته، واللقاح لن يستطع مواجهة هذه الضربة بالتأكيد، فأتمنى أن نكون مستعدين.
أعرف أن هذا السيناريو تعملون عليه منذ فترة، لكن المشاركة في النقاش، أتصورها مفيدة، خاصة أن هناك أصوات تصر على عدم الإغلاق، ومنهم طارق شوقى، والأمر هنا لا يتعلق باقتصاد وأرقام يامعالى الوزير، لكنه يتعلق ببشر وأرواح.