لا تنفصل مقتضيات التشريع القانوني في شتي حقوله عن طبيعة المجتمع وحاجاته
المُلحة - التي تتطور بشكل مطرد؛ ومن ثم كانت فلسفة التشريع تقضي بشكل حاسم أن:
القوانين المنشأة بمعرفة المجالس التشريعية ليست معصومة أو مُنزهَة؛ بل وأنها في
حد ذاتها ليست المقصودة من التشريع أساسًا، إنما المستهدف هو الصالح المجتمعي
العام؛ فالتشريع القانوني قابل للإلغاء أو النسخ أو التعديل أو الإضافة فكان هناك
ضرورة لإصدار قانون ينظم الحياة الاقتصادية في مصر.
وفي القضاء المصري؛ كان القانون المدني - فيما سبق - يتكفل بتنظيم كافة
العلاقات وتأكيد المراكز القانونية وتثبيت الحقوق؛ سواء للأفراد، أو الأشخاص، أو
الكيانات الاعتبارية، والجهات الحكومية المتعاملة علي كافة الأصعدة .
بيد أنه مؤخرًا وفي حَومَة التطور
الكبير في العلاقات بين الأفراد وبعضها أو المؤسسات والكيانات الاعتبارية، ُأفسِّحَ المجال لتقاطر التشريعات الخاصة التي
تنظم هذه العلاقات.
ولما كان النظام الاقتصادي هو جزء
أصيل من النظام الاجتماعي، بل والمسئول عن رفاهيته وتقدمه، فالنظام الاقتصادي؛ من
أهم الفروع التي أوجدتها الحاجة الاجتماعية، مقرونًا بالتشريعات الاقتصادية
الحديثة .
فالتشريع الاقتصادي يضع الإطار
الصحيح لعلاقات الوحدات الاقتصادية المختلفة، ويحدد الأفق الذي تتحرك فيه، ويمنح
الضمانات القانونية وصلاحيات التعامل مع الجهات الحكومية المختصة. لذلك بات
الاقتصاد - بعلومه وتطبيقاته وآلياته - شُعبة هامة من شعاب العلوم الاجتماعية
المؤثرة في حياة الشعوب ومعيارًا لتقدمها، ورُكنًا أصيلًا في جميع التصنيفات
العالمية بين الدول وبعضها .
إذ أن جميع فروعها علي اتصال
ببعضها البعض، فلا توجد أي ظاهرة اقتصادية / سياسية / أطروحات قانونية، مستقلة بنفسها
وفي معزل عن بقية نواحي الحياة الاجتماعية، ومن ثم فإن ما طرقه الفكر الإنساني في
علم الاقتصاد، حتي صار علمًا معتبرًا، ثم خروجه من حيز النظرية الجامدة وتضارباته
الفقهية إلي التطبيقات العملية الفاعلة، حتي اتُخِّذَ الاقتصاد محورًا هامًا
للتحضُر في العالم المتمدن، فالعالم الأوربي مفجر الثورة الصناعية ونظيره الأمريكي
صاحب الإنتاج الكمي والتقني الأكبر في العالم، إلى الزاوية الأخرى من الكوكب
المسماة بالعالم الثالث، وفي ظل العولمة وبعد إسدال الستار علي العصر الاستعماري
بنهاية الحرب العظمي الثانية صار العالم جزءًا لا يتجزأ من بعضه، لذا أصبح من
الضروري علينا نحن في مصر أن نتواكب مع الإيقاع العالمي المتسارع وقعه كل ثانية
تلو الأخرى .
فكان علينا إلقاء الحجر الذي يحرك المياه الراكدة، من خلال وعي حكومي، وفهم
تشريعي كامل بحقيقة موقفنا من العالم، وما يجب توخيه واقتفاء أثره بالضرورة؛ للحاق
بالركب الحضاري الراكض بلا هوادة، والوثبات التنموية الهائلة في شتي المجالات..
ومن ثم يتناول البحث ما دأبت عليه الحكومة - بتوجيه من القيادة السياسية وكذلك
الدور المحوري لمجلس النواب من مناقشات في لجانه النوعية؛ لإصدار قوانين مثل قانون
الاستثمار الجديد، وإدخال التعديلات اللازمة علي قانون رأس المال والتأجير
التمويلي .
وبعين واسعة الاطلاع نرى الأهمية
العالمية للقضاء الاقتصادي، وما اتبعته مصر في هذا الصدد بإصدارها قانون المحاكم
الاقتصادية، والتأكيد علي ما يعنيه بالنسبة للعالم ودوائر اتخاذ القرار الاقتصادي
العالمي، من وجود قضاء اقتصادي بمصر، متخصص؛ ومتميز؛ وناجز، في إطار دولة تتفتح
لتدويل الاستثمار في أرضها، وتضطلع لتدعيم مواردها من احتياطيات النقد الأجنبي،
وتدفق رؤوس الأموال إليها بعيدًا عن القطاعات الاقتصاد الريعية المعتادة .