الإثنين 3 يونيو 2024

المرأة فى مصر القديمة

سيدتي25-12-2020 | 20:26

تصدرت الحضارة المصرية حضارات العالم القديم، ليس فقط بسبب دورها فى تقدم العلوم وفى التجارة والناحيتين العسكرية والحربية، ولكن لاهتمامها بالإنسان المصرى ودوره فى المجتمع وفى تنميته.

ولعبت المرأة دورا عظيما فى المجتمع فى مجالات متعددة، فهى الأم والزوجة التى تلعب دورا رئيسيا فى الأسرة من رعاية لأبنائها وزوجها، لذلك أعطاها المصرى لقب "ست الدار" (نبت حت)، المحبوبة،  ومن الألقاب التى كان يطلقها الزوج على زوجته فى النصوص" أختى" وذلك إشارة إلى قوة العلاقة والصلة والحب بينهما، ولا تعنى صلة قرابة، حيث إن زواج الإخوة لم يكن من عادات المصريين إلا فى النادر جدا بين عامة الشعب، لكنه ظهر فى البيت الحاكم لأسباب ذات صلة بالعرش والحكم.

فكان وصول الملك إلى سُدة الحكم فى مصر القديمة فى حالة عدم وجود ابن أو أخ للملك المتوفى لا يتم إلا عن طريق الزواج من إحدى أميرات البيت المالك، فهى التى تحمل الدم الملكى وتنقله إلى ابنها، طبقا لقواعد وراثة العرش.

كان للمرأة مكانة منذ بداية العصور التاريخية فى مصر ( حوالى عام 3400ق.م.) وذلك لتدعيم الوحدة بين قطرى مصر، حيث حرص ملوك الجنوب على الزواج من أميرات من الشمال، فعلى سبيا المثال نجد الملك نعرمر تزوج بالأميرة "نبت حت" من الشمال. 

ولم يفرق المصرى بين المرأة والرجل فى كثير من الأحيان، فحصلت على وظائف عديدة دينية ودنيوية، فكانت كبيرة لكاهنات الإله فى المعبد، كما كانت تحضر مجالس الحكم، وعملت بالقضاء مثل "نبت" حماة الملك ببى الثانى من الأسرة السادسة ( حوالى عام 2278-2184ق.م.) ، وحملت " بسشنت" لقب كبيرة الطبيبات فى الأسرة الرابعة ( حوالى عام 2613- 2494ق.م.) وهى أول طبيبة عرفها التاريخ،  ظهرت العديد من سيدات مصر كسيدات أعمال يقمن بإدارة شئونهن المالية ويقمن بالتجارة، كما كان للمرأة حق الوراثة فهى ترث أباها أو زوجها وتورثهما ولها الحق فى توريث أولادها، كما كان لها الحق فى منع من تشاء من وراثة أموالها، فقد كانت لها ذمة مالية منفصلة عن أبيها أو زوجها.

وبرزت فى فترات التاريخ المصرى القديم المختلفة العديد من السيدات اللاتى لعبن دورا بارزا فى الحياة وكان منهن ملكات حاكمات، وأخريات زوجات ملوك، ولكن كان لهن أثر كبير فى حياة أزواجهن ، ومن السيدات اللاتى قمن بحكم مصر:

مريت نيت من الأسرة الأولى

خنتكاوس آخر ملوك الأسرة الرابعة 

نيت أقرت (نيتوكريس) آخر ملوك الأسرة السادسة.

سبك نفر آخر ملوك الأسرة الثانية عشرة

حتشبسوت من ملوك الأسرة الثامنة عشرة وهى أهمهن وأبرزهن.

تاوسرت آخر ملوك الأسرة التاسعة عشرة.

كما كان هناك ملكات غير حاكمات ولكنهن أسهمن فى إدارة دفة الحكم فى البلاد وهن:-

تتى شيرى أم سقننرع

أعح حتب زوجة سقننرع وأم كامس وأحمس

أحمس نفرتارى زوجة الملك أحمس

ولعب الثلاث دورا مهمًا أثناء فترة حروب التحرير ضد الهكسوس، فقد قمن بتدعيم وتشجيع أزواجهن وأولادهن أثناء القتال، كما قمن ببث الروح الوطنية والمعنوية للشعب، وكن بديلات لأزواجهن أثناء القتال داخل المجتمع.

الملكة تى زوجة الملك أمنحوتب الثالث

نفرتيتى زوجة أخناتون

نفرتارى زوجة رمسيس الثانى

وسوف نخصص الحديث عن الملكة "تى" لما لها من دور بارز وأهمية فى عهد زوجها وابنها. 

الملكة تى :-


هى ابنة رجل يدعى يويا كان يشغل وظيفة "كاهن الإله مين" وقائد عربات الملك ، وأمها " تويا" كانت كبيرة حريم الإله آمون وواحدة من الحريم الملكي، وهى تعتبر فتاة من عامة الشعب ولا تمت للدم الملكى بصلة، تزوجها الملك أمنحوتب الثالث ( الأسرة الثامنة عشرة، حكم  139-1352ق.م.) فى العام الثانى من حكمه، وكان هذا الزواج مخالفا للتقاليد المصرية والتى تحتم أن تكون الملكة من أبوين ملكييَن.

ويعتبر عهد الملك " أمنحوتب الثالث" عصر اكتملت فيه الإمبراطورية المصرية ثمارها الحربية والفكرية والاقتصادية، وعمّ السلام والرخاء على مصر بعد فترات طويلة استطاعت خلالها مصر أن تكون إمبراطورية كبيرة امتدت من ما وراء نهر الفرات وحتى مشارف الجندل الخامس فى الجنوب.

وتظهر الوثائق التى عثر عليها وترجع لتلك الفترة مدى إمعان "أمنحوتب" فى إرضاء "تى" والعمل على تلبية رغباتها، كما كان حريصا على أن يظهرها فى التماثيل بحجم الملك والمساواة معه ويشهد على ذلك التمثال الضخم لهما فى المتحف المصرى.

 كانت "تى" تتمتع بشخصية قوية واحترام كبير لدى زوجها ونجده يخالف مرة أخرى التقاليد الملكية ويغدق عليها الكثير من الألقاب التى لا تحملها إلا ملكة يجري فى عروقها الدم الملكي مثل " ابنة الملك.. أخت الملك.. سيدة الأرضين" وهى تعتبر ألقابًا شرفية كرمها بها الملك.

وقد كان لـ "تى" شأنٌ كبيرٌ، ليس فى القصر الملكى فقط، ولكن أيضا فى توجيه سياسة الإمبراطورية المصرية كلها، وكان ذلك معروفًا لدى الأمراء والحكام فى كل أنحاء الإمبراطورية وما حولها، لذلك كانوا يقدرونها ويرسلون لها رسائل الود لمعرفتهم بمكانتها لدى الملك وتأثيرها على الحكم.

ونستدل، من خلال بعض النصوص، التعرف على تدخلها فى شئون السياسة الداخلية والخارجية سواء فى عهد زوجها أو فى عهد ابنها أخناتون، ويظهر ذلك فى خطاب أرسله لها الملك ميتانى بعد وفاة زوجها يقول لها فيه" تعرفين عنى كيف كنت صديقا لزوجك، وتعرفين ما كنت أكتبه له، وما كنت أتحدث به إليه، وتعرفين أيضا الكلمات التى كتبها زوجك لى، فأنت فقط ورسلي يعرفون هذا، بل إنك تعرفين أكثر مما كان يعرفه رسلي".

وفى عهد ابنها أرسل إليه أحد الأمراء رسالة يقول له فيها " إن "تى" العظيمة المحبوبة، أمك، تعرف كل الأمور فسلها عنها". ويقصد هنا أمور الدولة الخارجية. وفى رسالة أخرى قال له فيها " كل الكلام الذى تحدثت به إلى أبيك، تعرفه "تى" أمك ولا يعرفه سواها". ويدل ذلك على أنها كانت تستشار فى مختلف الأمور الدولية خلال حياة زوجها، وأنها كانت تُسيّر الأمور من وراء الستار.

رُزقت " تى" بولدين، الابن الأول "تحتمس" وتُوُفي أثناء حياة والده، والثانى "أمنحوتب" الملقب بالرابع فيما بعد، والذى اتخذ لنفسه اسم " أخناتون" بعد أن تحول من عبادة الإله آمون إلى عبادة آتون، وهو أول من نادى بالوحدانية.

بعد وفاة أمنحوتب وتولى ابنه أخناتون استمر دور "تى" فى توجيه سياسة ابنها، فقد كانت هى الحاكم الحقيقى للبلاد فى السنوات الخمس الأولى من حكم ابنها بوصفها واصية عليه، وتولت توجيه ابنها ليسير فى الطريق الذى اختارته له، وينفذ لها سياستها، وفى العام السادس من حكم ابنها بدأت تظهر صراعاته وخلافاته مع كهنة آمون لاتجاهه لعبادة إله آخر هو آتون، ولما اتسعت حدة الخلافات نصحت ابنها بالخروج من طيبة ( الأقصر حاليا) والتوجه إلى العاصمة الجديدة والتى سُميت " آخت أتون" ( تل العمارنة- بالمنيا حاليا).

بعد انتقال ابنها للعاصمة الجديدة وفى العام الثانى عشر من حكمه تقريبا، سافرت "تى" له فى محاولة منها لتخفيف حدة الصراع بينه وبين كهنة آمون، وكان من نتيجة تلك الزيارة - التى توضح قوه وسيطرة تى - أن زادت حِدة الخلافات بين أخناتون وزوجته نفرتيتي، والتى اختفت بعد تلك الزيارة، ويرى البعض أن "تى" استطاعت أن تخفف من صراع ابنها مع الكهنة مما أزعج نفرتيتي.

وبعد حياة حافلة بالأحداث ماتت "تى" ودُفنت فى مقبرة أُعدت لها فى طيبة.