مَن منا لا يحب أبلة فضيلة؟ أعتقد أن سر استمرارها وحضورها الدائم "الحب"، حب كل الأجيال لهذه السيدة العظيمة التى استطاعت بصوتها الرنّان أن تستحوِذ على انتباه وعقل وقلب المستمع، كبيرًا كان أم صغيرًا، والغريب فعلاً، أن جمهور أبلة فضيلة من كل الأجيال، فكانت تقدم بَرنامَجها الإذاعى "غنوة وحدوتة" لجيل بعينه، عاش هذه الفترة الذهبية بكل ما فيها من جمال ورُقىّ، واستمتع بحكاياتها على إذاعة "البرنامج العام" كل صباح، فتارةً تكون الحكاية عن أضرار الكذب، وتارة أخرى تكون عن احترام الكبير، وتارةً ثالثة تحتفل أبلة فضيلة مع مستمعيها بـ"الأم والأمومة"، فينصاع لها كل الأطفال من المستمعين بلا جدال أو نقاش؛ لذلك لعبت هذه السيدة دورًا فى تشكيل وجدان مستمعيها من الصغار، وفى تهذيب سلوكياتهم وارتقائها، وفى نهاية البرنامج يستمع الأطفال لغنوة بسيطة تحمل نفس أفكار الحدوتة، لذا كان اسم بَرنامَجها "غنوة وحدوتة".
روت أبلة فضيلة للأطفال آلاف الحواديت الهادفة البسيطة، وكانت ذات جَرْس موسيقي محبَب، لأن كاتب الحواديت كان شاعر الأطفال الغنائي من الطراز الأول، الكبير الراحل نادر أبو الفتوح.
والجميل أن تمتد شهرة أبلة فضيلة إلى الأجيال التالية، فلو سألت شابًا يافعًا اليوم: هل تعرف من هى أبلة فضيلة؟ سيقول لك نعم، بحب وبفرحة، رغم أنه لم يصادف أن استمع لحكاياتها، ولم يتأثر بها مثلما تأثر بها الجيل السابق، فما هذا الحب الجارف لها.
أزعم أن صوتها المميز الرنّان يُعد من أهم أسباب هذا الحب الجارف من كل الأجيال – هذا الصوت، وهذه النبرة الجميلة التى لم تتغير، ولم تتبدل، ولم يُصبها الوهن رغم تقدم السن...
فبعد نجاحها الباهر فى الإذاعة، واكتسابها شهرة كبيرة، عُرض عليها العمل في التليفزيون، ولكنها أبت تماما أن تظهر بصورتها، وكان السبب – من وجهة نظرها – أن الأطفال يستمعون لصوتها، ويتأثرون به، ويرسمون في مخيلتهم شكلاً لصاحبة الصوت، فلا تريد أن تصدمهم - على حد قولها – رغم أنها كانت حلوة الصوت والشكل.
فالإذاعة المصرية الأرض الخصبة التى شبت فيها فضيلة توفيق التى وُلدت عام 1929، وتتلمذت فيها على يد الرائد الإذاعى الكبير "بابا شارو" محمد محمود شعبان، فلم يكن من السهل عليها أبداً أن تترك ميكروفون الإذاعة لتظهر على شاشة التليفزيون.
وجدت "أبلة فضيلة" نفسها أمام ميكروفون الإذاعة، وخاصةً بعد أن تركت العمل بالمحاماة فى مكتب أستاذها بكلية الحقوق حامد باشا زكى، لأنها كانت تحاول أن تصلح بين المتخاصمين الذين يأتون إلى المكتب لرفع القضايا، فهكذا كانت شديدة التلقائية حتى فى حياتها العادية، مُحِبة للحق والخير والجمال الذى تدعو له من خلال حواديتها.. فكانت الإذاعة المصرية المستقَر، فمن خلالها عرفها جمهور الأطفال، وتعلقوا بصوتها وحواديتها حتى أصبحت "ملكة الحواديت".
كان عشقها الأول فى طفولتها أن تجمع أبناء الجيران وتؤلف حدوتة من مخيلتها وتحكيها لهم، فتلقى منهم استحسانًا كبيرًا، وكانت حينئذٍ فضيلة توفيق طالبة بمدرسة الأميرة فريال، تزاملها الفنانة فاتن حمامة؛ أما فى كلية الحقوق التى التحقت بها، زاملها الدكتور أسامة الباز والدكتور عاطف صدقى والدكتور فتحى سرور، لذلك لم تكن بعيدة أبداً عن الحياة السياسية والفنية، ومُلِّمة بكل ما فيها من أحداث وأسرار تخص الفنانين والكتاب والشعراء، وقد استضافت معظمهم فى بَرنامَجها الإذاعي ليرووا للأطفال تجربتهم، وقصص نجاحهم ومنهم نجيب محفوظ، ود. فاروق الباز، ومحمد عبدالوهاب، وسيد مكاوى، وعبدالحليم حافظ، وغيرهم من كبار الفنانين ورجال السياسة، ولا عجب، أن يكتب لها الشاعر الكبير صلاح جاهين كلمات مقدمة برنامجها التى أصبحت مثل النشيد المحبب لكل من يسمعه "ياولاد ياولاد تعالوا تعالوا... عشان نسمع أبلة فضيلة ... راح تحكى لنا حكاية جميلة".. وأن يكون ملحن هذا النشيد الموسيقار الكبير سيد مكاوي، فكل هذه الأسماء المصرية الكبيرة وأكثر كان لهم دور كبير فى حياة أبلة فضيلة.
وزاد ارتباط أبلة فضيلة بالإذاعة أكثر وأكثر حين تزوجت من المهندس إبراهيم أبو سريع، كبير مهندسي الإذاعة، ورزقت بابنتها الوحيدة ريم خريجة الهندسة، والتى تعيش معها حالياً فى كندا، لتتفرغ أبلة فضيلة لتربية أحفادها بعد أن تربت على يديها أجيال وأجيال أحبوا حواديتها، وتّوجوها "ملكةً للحواديت".