الإثنين 25 نوفمبر 2024

النيل الأبيض و.. كلمات أخيرة

  • 1-5-2017 | 10:57

طباعة

كتب : يحيي تادرس

عزيزى القارئ

... أقنعتني الاستاذة أمينة الشريف.. باستكمال حلقات «النهر» - خاصة بعد أن اتصل بسيادتها - وبي- عشرات القراء الذين يتابعونها بشغف - فالنهر - هو مصر - وهذا أقل القليل رغم ما تقليناه في مدارسنا عن النهر ... وعن مصر

...

ولكن قبل أن استكمل لي ملحوظة:

في مسلسل حريم السلطان - صدمنا «بخديو» همه الوحيد - النساء ومؤامراتهن و.....

ومهما قيل عن الخديو - فقد كان حاكما لديه حلم ضخم لمصر.. كان حاكما يصنع تاريخه - وهذا غير حكام يصنعهم التاريخ ربما بالصدفة - وحين يرحلون يلفظهم بقسوة - أو ربما حتي لا يذكرهم - إذ لا يستحقون...

.....

كان تقدم بيكر بطيئا - وقد بدأه في 22 يناير 1873 ويصل إلي « فاتيكو» حيث كانت تضم مجمعا للعبيد «30 فداناً» كانت عذارى الفتيات - يتم بيعهن بـ «ناب فيل» أو بثوب جديد أو ثلاث عشرة أبرة خياطة إنجليزية.

وفي تلك البلدة - لم يكن هناك سوي عدة آلاف من اكواخ القش ... أما «الملك» وهو السادس عشر فاسد الأخلاق يعاقر الخمر طيلة يومه عدا ساعتين في الضحي...

ولم يحاول بيكر أن يخفي أغراضه:

السيطرة علي الملك بالطرق الودية أولاً ... ثم بالقوة إذا لزم الأمر...

ويبني دارا للحكومة - مليئة بصور الملكة فيكتوريا ومجموعة من النساء الانجليزيات باهرات الجمال - ولا صورة للخديو إسماعيل- الذي أرسله!

...

ويشعر الملك بالشك - خاصة - حين يعلن بيكر ضم المملكة التي يحكمها الملك «كاباريجا» في 14 مايو 1872 - إلي أملاك الخديو!

...

ويتظاهر الملك بالموافقة - لكنه كان متهورا وشرساً..

وطول الليل كان بيكر يستمع إلي الطبول والأبواق .. ومضاعفة ساعات سكره - والذي لم تكن سوي قناع يقف خلف عزمه علي رفضه كل ما يعرضه بيكر إذ يسلب منه مملكته.

....

وكمقدمة لتلك المقاومة - يرسل إلي بيكر هدية من عصير التفاح المسموم - لجنوده - فلما بدأ القتال كان العديد منهم في حالة مزرية...

و.... يصف بيكر هجوم قوات الملك:

أفزعتنا- ونحن نيام- صيحات وحشية من المئات، وتنبهت للأمر وأصدرت أمراً إلي نافخ البوق لاستنفار الجنود الذين سرعان ما اصطفوا وأطلقوا النار علي المهاجمين وبعدها - قمت بقيادة القوات إلي معسكر العدو- وتم إشعال النار في الأبنية المصنوعة من القش.

وفي بضع دقائق يصبح الحريق رهيبا علي نزاع الضرب بالرصاص «في المليان»

.... وتتحول المدينة إلي قطعة من جهنم ويقول بيكر في حسرة: لكن هذه لم تكن سوي الجولة الأولي من عمليات الصراع «لقد كسبنا معركة ولكن خسرنا الحرب».

....

ويتراجع بيكر.....

«وتحت رزاز المطر» ويقارن بيكر بين تراجعه المأساوي وتراجع نابليون في موسكو

وكان حملة الرماح يطاردونه وزوجات الجنود يعقنه - إلا زوجته التي كانت تحارب معه «كجندي محترف»

....

ويبدأ الأعداء في الهرب نتيجة الخوف والاضطراب

كانت رحلة قاسية - لكن يصل أخيرا إلي «فويرا» ويجعل منها «مملكة» وإن كان نصفها علي الأقل مجهولا موحشا - لكنه ينجح في تطهير معظم النيل الأبيض من تجارة العبيد.

....

ويرحل الزوجان إلي انجلترا تحوطهما آيات التكريم و...و»...و 40» جنيه!

......

ولكن لم تجتذب قارة بأكملها سوي المكتشفين المغامرين « في نفس الوقت الذي تجتذب فيه مناطق أخري مثل كاليفورنيا وأستراليا آلاف المهاجرين من أزمات طاحنة ومجاعات وحروب أهلية....

....

وفي أواسط إفريقيا .. لم يكن هناك سوي دولتين

مصر... وزنجبار لهما وزن وقوة وقدرة علي السيطرة

....

وكان يحكم زنجبار «برغش» وهو من أصل عماني

.... ويدور صراع بين برغش والحاكم البريطاني «أ.هـ. تشرشل» خاصة حول سعي برغش لإعادة تجارة العبيد

....

ولنترك إفريقيا في صراعاتها ونطل علي القاهرة

فيل فيلم لحن الوفاء - لعبدالحليم حافظ - نشهد بعض ملامح الأوبرا التي بناها الخديو إسماعيل في لمحات من مجدها - أما القاهرة الخديوية فكانت

- أقول كانت تحفة للناظرين

لكن ظروفا عالمية تسهم في «خلق» ضائقة للخديو- غير متوقعة - إذ تنتهي الحرب الأهلية الامريكية «كما يسجلها ببراعة فيلم «ذهب مع الريح» لكلارك جيبل» ويهبط سعر القطن- وتتنامي جرائم الاختلاس والسرقة بين موظفيه

و.... يضطر لسداد ديونه - إلي بيع ما كان لديه من أسهم قناة السويس لبريطانيا بمبلغ 24 مليون جنيه.

ملحوظة: لولا الزعيم جمال عبدالناصر في قراره بالغ الجرأة بتأميم القناة لظلت القناة دولة منفصلة تماما عن مصر خاصة للشركات الفرنسية والنفوذ البريطاني.

...و رغم هذا - كان الخد يو يحلم بغزو وادي النيل وإنشاء امبراطورية مصرية مما يعوضه عن القناة التي كانت «تتسرب من بين يديه ... وبالطبع من بين يدي مصر»

ويأخذ في البحث عن شخصية مغامرة بديلاً عن بيكر:

و..... ويقع الاختيار علي الكولونيل «تشارلز جورج جوردون» المعروف باسم «جوردون باشا»

و.... تبدأ معه أكثر المغامرات إثارة في تاريخ إفريقيا

كان «جوردون» كما يصفه المؤرخون «شجاعاً مقاتلاً متصوفا من طراز ليس له مثيل.....»

... ويعرض الخديو علي جوردون مرتبا «000،10» جنيه في العام

لكن جوردون يرفض ....ويكتفى بـ «2000» جنيه فقط - مما كان أعجوبة في ذلك العصر.

وبسرعة يشكل جوردون - حملته التي تتكون من مساعدين - من عدة جنسيات..

ويصل إلي الخرطوم - وهناك - رغبة في تكريمه تقام له مأدبة عشاء يتبعها حفل راقص.

.... يختلط فيه الجنود بشابات عاريات تماما - كن يرقصن في حلقة .. وتستبد النشوة بالقنصل النمسوي فيلقي بنفسه بين الراقصين ... وإذا بجوردون يغادر القاعة فجأة - إذ لا يتحمل هذا القدر من التهتك.

... وخلال تحركه - يكتشف أنه قد اندمج في مشروع هائل مليء بالمخاطر «أقلها هجمات القبائل والملاريا والحر»....

....

ويتعرض لنوبات متتالية من الاكتئاب

... كان يستهل يومه بقراءة صفحات من التوراة ثم يستعد لخوض أخطر وأهم مغامراته..

....

ولنترك جوردون في رحلته شبه المستحيلة ونطل علي انجلترا التي لم تكن تشعر بارتياح لمحاولات الخديو ومشاريعه الطموحة في إفريقيا - بل كانوا يطمحون في إزاحته عن الحكم..

و.... تعالوا بنا نطل خلال تلك الفترة علي السودان الشقيق!

فكان السودان يشغل أكثر من مليون كم2...

ولم تكن هناك فيه مدن بالمعنى المتعارف عليه سوي «الخرطوم» والأبيض وكردفان....

لم تكن هناك سكك حديدية ولا طرق ولا وسائل نقل - سوي المراكب في النيل

.... عدد السكان كان حوالي «9 ملايين نسمة»

و... لم تكن هناك حدود معروفة له «سوي البحر الأحمر وجبال الحبشة» أما حدوده مع مصر فكانت «وادي حلفا»

أما الأهالي فكانوا خليطا نشأ عن تزاوج العرب وقبائل السود المحلية...

... كان معظمهم من المسلمين...

كانت البلاد أشبه بالبحر - فالصحراء تضطر الأهالي باستمرار إلي الحركة بحثا عن المرعي والماء.

.... ولم يكن للحكومة المصرية سلطان حقيقي خارج الخرطوم

...

وكان «الرق» لا يزال رغم كل محاولات القضاء عليه - منتشرا .

أما الخديو فقد تبخرت أحلامه في إقامة امبراطورية لكن الأمل في استعادتها كان يتمحور حول «جوردون».

... ويعود بعد أن يتم تعيينه حاكما عاماً للسودان .

وخلال حكمه كان يستخدم جملا سريعا - للقضاء علي أي اضطرابات ويرافقه فقط مترجم.

...

وتبدأ الخرطوم تتخذ مظهر المدينة الحديثة

و.... يبدأ جوردون في القضاء علي «الرشوة» وإرسال الموظفين الفاسدين للقاهرة - ورغم هذا كان يشعر بإحباط «لا شيء يصدقني سوي نفسي»

وهناك يقترب من الإسلام والمسلمين

«إنني أحب المسلم .. حياته نقية طاهرة إلي حد مبين - صحيح أنه يوسع علي نفسه في الزوجات - لكنه لا يسطو علي زوجات غيره»

... وفي القاهرة - كان الخديو يواجه جشع الدائنين ويستدعي جوردون لمساعدته في مواجهتهم

...

وهنا اسمحوا لي بالتوقف - فالباقي يستغرق مقالات عدة ولا اعتقد - أن مجالها - مجلتنا الكواكب - وأرجو من القراء إذا كانوا يرغبون في المزيد منها - أن «يحاولوا» - استكمالها بوسائلهم.

.......

تلك بعض ملامح النيلين الأبيض والأزرق أرجو أن أكون قد فتحت شهيتكم لمعرفة المزيد عنهما

ولكن تبقي لي ملاحظة:

هل أدركتم بعض أسرار هذا النهر اللغز - الاسطورة - التاريخ - المغامرة - الاكتشاف..

وليتنا بقدر ما كان العالم كله يسعي لكشف أسراره - أن نحيطه بما يستحقه ... من احترام

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة