كشف ضابط سابق في استخبارات حرس الحدود التركي، اليوم، أن التفجيرات التي اندلعت في مستودعات أسلحة تابعة للقوات المسلحة التركية في شمال قبرص، تم تدبيرها عمدا لطمس أدلة وسجلات التسليح والأسلحة التي زودتها حكومة أردوغان لتنظيم (داعش) إبان اشتعال ما يسمى بثورات الربيع العربي وما تلاها من أعوام.
ففى لحظة شجاعة نادرة مدركا أنه سيلقى الله في أي لحظة، وذلك بعد إصابته بكورونا، بعث العقيد أحمد أوزكان بشهادة مكتوبة للقضاء التركي تم تسريب نسخة منها لأحد أجهزة الاستخبارات الأوروبية تؤكد أن التفجيرات التي حدثت في مستودعات الأسلحة العسكرية، والتي قيل إنها حوادث، تم تدبيرها لعلاج مشكلة اختفاء أسلحة وذخائر من مستودعات القوات المسلحة التركية.
ودَوَّن الميجور أوزكان في شهادته التي اطلع عليها المركز الأوروبي لمكافحة التطرف، قائلًا: "الجميع يعلم أن سجلات حفظ السلاح والذخيرة والعتاد تعد قضية حساسة في القوات المسلحة التركية حيث تحتم الضوابط الصارمة رصد وتسجيل حتى أقل المعدات (من مخزونات السلاح)، وعولجت مسألة مفقودات [أصناف الأسلحة] من السجلات من خلال تفجير مستودعات ذخيرة وأسلحة مخزنة بواسطة القوات المسلحة التركية في [مدن تركية] أفيون وأورفا و[إقليم يقع تحت سيطرة تركيا في جزيرة] قبرص، وهي تفجيرات نجم عنها مقتل وإصابة عشرات من الجنود الأتراك، وهي التفجيرات التي لا يزال القضاء التركي يبحث تحت ضغط المعارضة عن منفذيها حتى الآن بلا جدوى.
وتم احتجز العقيد أوزكان، البالغ من العمر 46 عامًا، بتركيا في 17 يوليو 2016، بتهم تتعلق بالانقلاب الذي شهدته تركيا هذا العام بينما كان ينتظر إجراء عملية ثانية له في أحد المستشفيات.
وكان أوزكان تعرض لإصابات في قدمه ويده عندما حاول الرد على مسلح فتح عليه النار في مقر قيادة قوات حرس الحدود في أنقرة، في أعقاب صدور تحذير استخباراتي بوجود تهديد وشيك لهجوم إرهابي على قواعد ومنشآت عسكرية، وتبين أن عناصر من قوات الشرطة الخاصة، يرتدون ملابس مدنية، صدرت لهم الأوامر بإطلاق النيران على القاعدة دون أي تحذير، وهو ما جعل ضباط المقر العسكري يعتقدون أنهم يتعرضون لهجوم إرهابي حقيقي.
وكما هو معتاد فى تركيا، تعرض العقيد اوزكان لأيام طويلة من التعذيب خلال احتجازه في سجون أردوغان، وحرم من الاتصال بمحام أو بأفراد عائلته، وتم نقله على عجل إلى المستشفى لإجراء جراحة عاجلة بعد جلسة تعذيب تسببت في بلوغه حالة صحية حرجة، كما تعرض للضرب من قبل عناصر الشرطة، وقيدت قدماه بالأغلال على سريره خلال المرض، واستمر ضربه بعد العملية الجراحية التي أجريت له في ساقه.
وعندما أتيحت لأوزكان فرصة الدفاع عن نفسه في المحكمة في 11 ديسمبر 2017، شرح بالتفصيل عمليات التعذيب وسوء المعاملة التي تعرض لها من جانب عناصر الشرطة وضباط أمن خلال فترة بقائه في المستشفى وخلال احتجازه، ولكونه ضابط استخبارات لديه الدراية بالكثير من الملفات، فقد تحدث بكل ما يعلمه عن روابط حكومة أردوغان بتنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية خلال جلسة استماع جرت في 31 يناير وشهدتها قاعة المحكمة الجنائية العليا الـ23 في أنقرة.
وبشكل عام تعتمد القوات المسلحة التركية على "مؤسسة الصناعات الفنية والكيميائية" المملوكة للدولة، والتابعة للقوات المسلحة، والتي تصنع المتفجرات، والذخائر، والأسلحة وغيرها من العتاد العسكري المخصص للجيش التركي، وفي هذا الصدد دون العقيد اوزكان في شهادته: "إذا تابعت ما هو منشور على الإنترنت، وشاهدت الأفلام الدعائية المصورة التي بثها تنظيم الدولة في العراق وسوريا، تستطيع أن ترى بسهولة شعار القوات المسلحة التركية على صناديق الذخيرة، فالأمر لن يستغرق كثيرا للعثور على دليل".
كان أوزكان يشير في ذلك الصدد إلى تفجير ضرب مستودع الذخائر في الإقليم الغربي من بلدة أفيونكاراهيزار، وتسبب في مقتل 25 جنديا في 5 سبتمبر 2012 مع اشتعال ذروة هياج الشارع العربي انذاك، والذي سعت تركيا إلى استثماره، لكن الجيش التركي قلل آنذاك من شأن هذا التفجير.
أما التفجير الثاني الذي حدث في إقليم سانليورفا الواقع جنوبي شرق تركيا، في 13 نوفمبر لعام 2019 فقد تسبب في إصابة 16 جنديا، وضرب التفجير مستودع الذخائر لقيادة سرية المدرعات الـ20 المتمركزة في مدينة هاليليي، والتي تقع على مقربة من الحدود السورية.
ووقع التفجير الثالث في جزيرة قبرص المقسمة، والتي يخضع شقها الشمالي للجيش التركي، ففي الواحدة والنصف مساء الثاني عشر من سبتمبر 2019، وقع انفجار في منطقة عسكرية في مدينة جريني الساحلية التركية القبرصية، واستهدف قيادة قسم الأسلحة والذخائر.
ولأنه كان مسؤولاً في مركز استخباراتي في العاصمة التركية، فإن العقيد أوزكان تمتع بمكانة تتيح له الوصول إلى معلومات سرية، ونظرا لأنه عمل في قوات حرس الحدود (الجاندورما) وهي قوات عسكرية لديها سلطة إنفاذ القانون في المناطق الحدودية والمناطق النائية التي اعتاد المسلحون المكوث فيها وممارسة أنشطة تهريب الأسلحة والمقاتلين والعتاد، فقد اطلع أوزكان على خفايا الروابط التي جمعت بين حكومة أردوغان وجماعات "القاعدة" و"تنظيم الدولة في العراق وسوريا" (داعش)، من خلال أذرعها في وكالة الاستخبارات التركية والقوات المسلحة التركية.
وقال العقيد التركي في شهادته أنه تم تحميل صناديق "القاذفات المضادة للدروع" (آر بي جي) RPG على متن شاحنات انطلقت من مصنع شانكيري التابع للقوات المسلحة التركية في عام 2018، ويبدي ملاحظاته في هذا الأمر قائلاً: "الجنود الأتراك كانوا على دراية تامة بأن الشاحنات المحملة من مستودع الذخائر التابع للقوات المسلحة التركية قد تسربت إلى داعش"، وتابع: "يمكنني القول فعليا إن تفجيرات مماثلة ربما تحدث مستقبلا".
وتأكد استخدام تنظيم "داعش" لعتاد وأسلحة وذخائر صنعتها شركات تابعة للقوات المسلحة التركية، وأفادت صحيفة "تاراف" اليومية وهي صحيفة معارضة لأردوغان في عددها الصادر في 9 سبتمبر 2014 بأن ذخائر وأسلحة تركية الصنع عثر عليها بعد انتهاء القتال بين ميليشيات داعش والقوات الكردية في أربيل، عاصمة الحكومة الكردية في الشمال العراقي، وتابع التقرير قوله إن خبراء أميركيين ممن قدموا لتحليل المشهد على الأرض في المنطقة فوجئوا حين شاهدوا علامات القوات المسلحة التركية على الذخائر التي كانت في حوزة تنظيم "داعش".
وعلى إثر ذلك أغلقت الحكومة التركية صحيفة "تاراف" اليومية في عام 2016، وسجنت رئيس تحريرها السابق والكاتب البارز، أحمد ألتان، ومعه أبرز محرري التحقيقات في الصحيفة، محمد بارانسو، بتهم ملفقة.
وسياسيا، خضعت مسألة وجود عتاد وأسلحة وذخائر تابعة للقوات المسلحة التركية لدى تنظيم "داعش" لاستجواب عرض على البرلمان التركي في سبتمبر 2014، وانبرى له نواب المعارضة الذين استدعوا وزير الدفاع التركي آنذاك، عصمت يلماظ، لتأكيد أو نفي ما إذا كان تنظيم "داعش" لديه أسلحة وذخائر تحمل شعار "مؤسسة الصناعات الفنية والكيميائية"، المملوكة للدولة والتابعة للقوات المسلحة.
وتقدم عضو البرلمان لطفي توركان بسؤال للوزير قال فيه: "هل باعت وزارة الدفاع هذه الأسلحة للتنظيم؟ وإذا كانت الوزارة لم تبعها، فكيف وصلت تلك الأسلحة إلى أيادي تنظيم داعش؟"، وأضاف أنه يريد أن يعرف ما إذا كانت تركيا قد تلقت أموالاً من التنظيم مقابل تلك الأسلحة.
وخلال تحقيق جنائي أجري في عام 2013 حول شبكة تنظيم "القاعدة" في تركيا، ورد اسم "مؤسسة الصناعات الفنية والكيميائية"، وكشف التقرير أن الإرهابيين حصلوا على مكونات لإنتاج غاز السارين وهو غاز اعصاب حربي شديد الخطورة.
وأجرى مكتب المدعي العام بحثا فنيا مفصلا، واكتشف أن ميليشيا القاعدة تمكنت من الحصول على مكونات السارين، وألقي القبض على 13 عنصرا في المرحلة الأولى من التحقيقات، لكن أطلق سراحهم لاحقا، وأظهر التحقيق أن هؤلاء الأشخاص الذين هربوا المواد الكيماوية المطلوبة لإنتاج السارين لم يجدوا أي صعوبات في ذلك، وهو ما يبرهن أن الاستخبارات التركية كانت على دراية بأنشطتهم.
ولقي أكثر من 1300 شخص مصرعهم بهجمات شُنت بغاز السارين في الغوطة الشرقية عام 2013، والعديد من البلدات المجاورة القريبة من العاصمة السورية دمشق، وهي الهجمات التي سارع الغرب في توجيه اللوم لنظام بشار الأسد، بينما ادعت روسيا بأنها "عملية ملفقة" استهدفت جعل التدخل العسكري الأميركي في سوريا أمرا ممكنا.
ولفت العقيد أوزكان في شهادته الانتباه إلى حقيقة أن قائد تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، قتل في 27 أكتوبر 2019 في تجمع سكني خارج قرية باريشا في ريف إدلب بسوريا، وهو ما يبعد أربعة أميال جنوب الحدود التركية، وهي منطقة تخضع للقوات التركية، كما أشار إلى أن أبو الحسن المهاجر، اليد اليمنى للبغدادي والمتحدث الرسمي بِاسم تنظيم "داعش"، قتل في غارة جوية شنتها مقاتلات أميركية على عين البيضا، على مقربة من جرابلس شمالي غرب سوريا، وهو إقليم قريب من الحدود التركية ويخضع أيضا لسيطرة القوات التركية.