قليلة هي المناسبات السياسية التي ترتبط في الوجدان العام بعدة معانٍ جادة وواضحة بعيدا عن أساليب الترويج والدعاية المتعارف عليها، والتي هي من حق من يمارسها طالما لم يلجأ إلى التضليل أو قلب الحقائق.
ولكن حتى تلك المعاني المشروعة التي قد تتناهى إلى عقلك بشأن الترويج السياسي والدعاية المقبولة لا يمكن أن تتمثل أمامك حين يأتي ذكر مؤتمرات الشباب التي باعدت بيننا وبينها الجائحة و انتشار كوڤيد 19 حول العالم سواء بالنسخة المحلية أو النسخة الدولية "منتدى شباب العالم".
لا يمكن أن تربط أبدا بين ما يقدمه المؤتمر في نسخه السابقة من أفكار ورؤى وأطروحات وبين ما تلجأ إليه الدول من دعاية لنفسها أو لأطروحاتها، فالأفكار هنا والأچندة والمحاور بل وأسماء المتحدثين واختياراتهم تنبع مباشرة من الشباب أنفسهم الذين تراهم في خلفية التحضير للمؤتمر وأثناء إدارته اليومية بكل الحماس والقدرة، يديرون شئون هذا الحدث الكبير ويقودون دفته، بعد أن وجدوا من يثق بهم ويفجر قدراتهم.
أقول هذا الكلام لأننا في مطلع عام جديد نتذكر كيف كنا في هذا الموعد من كل عام على موعد مع أصداء ما بعد انعقاد الحدث الكبير في نوفمبر، وهو منتدى شباب العالم بكل ما يلقيه من أحجار في كل البحيرات الراكدة وبكل ما يطرحه من أفكار في جلسات يتشوق فيها الشباب إلى حلول و مبادرات للخروج من معضلات مذمنة تمر بها المجتمعات سواء في مصر أو العالم.
شخصياً ترتبط في حياتي نجاحات مهنية وأفكار طالما رغبت في طرحها بمؤتمرات الشباب من خلال المشاركة كمتحدث في جلسة عن شواغل الإعلام و التنمية في مؤتمر الشباب في 2016، ثم مشاركاً في أعمال منتدى شباب العالم 2018 بفيلم وثائقي حول إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الالكترونية “FOMO “، والذي تم عرضه في جلسه ثرية بمشاركة شباب من كافة الاتجاهات الأصلية بالكرة الأرضية أدارها الزميل عمرو خليل بحضور رئيس الجمهورية، ثم تم عرضه مرة أخرى في نسخة من النسخ المحلية لمؤتمر الشباب في سبتمبر 2019 في جلسة تشرفت بإدارتها، وأيضاً بحضور رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة وطائفة معتبرة تدعو للبِشر من الشباب المصري.
وعلى مدى هذة المشاركات من 2016 وحتى 2019 سواء متحدثا أو ضيفا مشاركا كواحد من من جمهور المؤتمر أو مشاركا بعمل يتم عرضه في جلسات المؤتمر أو مديرا لجلسة، على مدى كل ذلك كان التصاعد في مستوى الشباب الذي تولى الإدارة و التنسيق واختيار الأفكار وموضوعات النقاش مبعث دهشتي وتقديري، معتبرا أن ما يجري في هذا المؤتمر كل فترة هو مشروع تدريب بالأحلام الحية لتحقيق المستقبل على أرض الواقع، مشروع تدريب يشارك فيه شباب يرغب في مناقشة رئيس الجمهورية، ويرغب رئيس الجمهورية في الاستماع إليهم، و لكن مع أسلوب مختلف ونوايا مغايرة لما كان معتادا في أدبيات السياسة، بحيث كنا نرى الشباب ورأس الدولة على طرفي نقيض في الحياة السياسية المصرية، بحيث يمثل أحدهم المستقبل ويمثل الطرف الآخر الماضي أو الحاضر المتكلس على أقل تقدير.
أما هنا فنحن نرى الطرفان شركاء مستقبل، التنوع مطلوب والرؤية النقدية لازمة وأساسية والاختلاف دليل حيوية، وكل هذا يجري في نقاشات مؤتمرات الشباب، ولكن دون الطريقة التقليدية التي تقود إلى "الخناقة"، دون أن تعبر طريق "النقاش"، واسألوا مؤتمر أسوان والشاب الذي انتقد أمام الرئيس أداء الدولة بخصوص مصنع كيما، وصاحبه إلى هناك منتقدا ومطالبا وحرا في طرح ما يريد، وكذلك عناصر تنسيقية شباب الأحزاب الذين تحدثوا أمام الرئيس بكل شفافية في جلسات عدة عن ملفات الحريات والعناصر الشابة المحبوسة على ذمة قضايا مختلفة عدا قضايا العنف والإرهاب وضرورة مراجعة قوائمهم، ونعرف كلنا ما جرى بعدها من مراجعات وانفراجات من خلال مؤتمرات الشباب.
هذا قليل من كثير، وسطر في كتاب نطالعه على أمل استئناف دورات مؤتمرات الشباب بعد انقشاع كوڤيد 19، وحتى يحدث ذلك فلا تغيب عن البال أو العقل ذكريات المشاركة والحضور في أعمال وجلسات مؤتمرات الشباب التي لا شك ضمت في غالب حضورها شبابا مصريا مخلصا لبلده ومؤهلا لخدمتها في كافة المجالات.. شباب نتطلع إلى رؤيته مرة أخرى قريبا في دورة جديدة من دورات المؤتمر الوطني للشباب.