لم يكن العام 2020 مثل سائر الأعوام السابقة، ففي الوقت الذي نستقبل فيه العام الجديد، وقبل أن نودع العام الذي اختبرت فيه البشرية تجربة الوباء الفتاك، الذي جعل الدول، والمجتمعات يعيدون النظر للحياة مرة أخرى.
ورغم كل ذلك فإن الوسط الثقافي حاول التغلب على تلك الأزمة، فإن الأدب بكافة جوانبه يخرج دائما من رحم الشقاء، حيث حاورت "الهلال اليوم" الكاتب فتحي إمبابي، في اليوم الذي يفصل بين العامين 2020 و2021، لنتعرف معه عن كيف كان اختبار الحياة في صحبة جائحة فيروس كورونا المستجد.
كيف كانت الحياة فى صحبة الجائحة؟لم يأت ربيع العام الماضي محملا بالأزهار والورود، جاء معبرا عن غضب الكون من خطايا وجهل البشرية، لهذا جاء العقاب جماعيا، فاستيقظنا مع عام 2020 وقد ضرب الوباء العالم.
تمضي الأيام وأرقام الموتى والمصابين تتصاعد، ومنجل عزرائيل لا يفرق بين القوميات، الأعراق والطوائف، لا يمنح الطبقات العليا ولا أصحاب السلطة استثناءات، ففى ظل هيمنة الحجر الصحي، صرت سجين الوحدة، أنام على مهاد ساكنة، تبدو السماء صفراء، والشمس خابية، عقلي مستسلما لسحر وجود ينتمي لعالم أخر، ينتابني شعور مفعم بالراحة، لدي رضا وفرح لم أعرفه من قبل.
فى ظل انكسارات كل مرحلة هناك دائمًا ضوءً خارج النفق يتسلل منه نفحة أمل وطمأنينة..هل وجدت هذا الضوء الخافت؟فى غضون أيام قليلة وانقلب الوجود رأسا على عقب، أمواج هادرة، سماء سوداء والسحاب شياطين تجرها عربات البرق، وأنا محض جسد ضئيل يتأرجح بين القاع والقمم على براكين الصخب والهلاك، كوميديا ساخرة، يصحح الوباء المناخ ويغلق فتحة الأوزون، ويُعافي طبقات الفضاء العليا، ولأن حياتي شهدت الكثير من الخيبات والانكسارات، جاء كوفيد-19 لينبئ أن الكون يحمل لنا في جعبته المالانهاية من المفاجآت والأعاجيب.
لم يقبل عام 2020 أن يمضي دون أن يشير إلى أحد تلك القوانين الرئيسية في الحياة، وهو أن الإنسان مخلوق من طراز رفيع، خلق الله الإنسان كي يكون سيد الكائنات، وقبل أيام عديدة من قدوم العام الجديد 2021 ومع احتفالات أعياد ميلاد السيد المسيح ظهر لدى الدول المتقدمة العديد من اللقاحات التي تقضي على الوباء أو تقلل من آثاره، حيث أن وباء كوفيد-19، يمثل حقبة جديدة من تاريخ البشرية، فماذا سوف يفعل المصريون بالخصوص؟ هذه المرة قد يستطيعون الحصول على اللقاح، لكن كما يقول المثل "ليس كل مرة تسلم الجرة".
الكاتب دائمًا يميل إلى الإنزواء والعزلة لإنجاز أعماله، ماذا لو كانت إجبارية كيف استثمرت تلك المرحلة ؟للعزلة فوائدها وأن تكون روائيا فهى نعمة، يعودني ذاك الشعور الذي انتابني بعد ثورة 25 يناير.. لدي رضا كبير عن حياتي، اهتم كثيرا باستكمال ما يمكنني إنجازه من رواياتي وعددها كثير، لن يسمح لي العمر بإنجازها جميعا.. وليكن، العالم يعيش في مصحة للمجانين، داخل جدران الحجر الصحي الاختياري الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله، هو الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة، وها أنا اكتشفت للمرة الألف بعد الألف تلك النعمة التي انعم علي الله بها وهي أن أكون كاتبا، ومن ضمن كل أنواع الكتابة تأتي الرواية في المقدمة، ولهذا عكفت وبلا توقف طوال العام المنصرم 2020، على الانتهاء من كتابة "خماسية النهر -كتاب النيل" والتي تضم خمسة روايات، وكَتبت من تلك الخماسية روايتي "نهر السماء" و"عتبات الجنة"، وفي شهر أكتوبر 2020، انتهيت من كتابة الرواية الثالثة والرابعة وهما "رقص الإبل" و"عشق"، لتبقى الرواية الخامسة وهي رواية "منازل الروح"، والتي أتمنى أن أنتهي من كتابتها في 2022.
أمر آخر انتهيت منه في هذا العام الذي يبدو إنني على المستوى الشخصي سوف أحبه، فقد انتهيت من رفع دراسة مطولة عن الدستور، منذ أيام وذلك على موقعي"fathyembaby.com".
احكٍ لنا أكثر عن روايتك الجديدة "رقص الإبل"تدور أحداث "رقص الإبل" في مديرية كردفان بوسط السودان؛ بين ثنايا أحداث الثورة المهدية، والحرب بين القوات الحكومية المصرية وجيش الأنصار، تدور قصة حب بين "التلب" راعي أبل وابنة عمه "مسك الجنة" من قبائل الحمر، يحارب التلب مع جيوش المهدية، ورغم ذلك تسحق علاقات العبودية الصارمة والسائدة قصة حبهما.
وتتلاقى قصة المحبان مع قصة الشاب المصري عبد المعز، خريج المعهد الديني الأزهري من طنطا، عمره أربعة عشر عاما يلتحق بالقوات المصرية التي أرسلها الخديوي توفيق عقب هزيمة الثورة العرابية للقضاء على الثورة المهدية، تحت قيادة جنرال إنجليزي اسمه وليام هكس، يخوض الشيخ الفتي معركة شيكان التي أباد فيها جيش الأنصار عشرة آلاف جندي من الجيش المصري، ومنهم فلاحون مصريون وسودانيون عرب وزنوج، تنقذه فتاة سودانية اسمها ست النفر، من الموت المحقق، وينتهي بهما الأمر إلى الزواج، ويرحلا عبر درب الأربعين إلى مصر، بينما يهرب التلب وحبيبته مسك الجنة إلى جنوب السودان، حيث الحرب المستعرة بين الجيش المصري وعصابات الرقيق.
تحكي الروايتان رقص الأبل وعشق المعارك والأحداث المسكوت عنه في أضابير التاريخ: حروب ضارية قامت بين الثورة المهدية "ذات الطابع الأصولي الديني"، وبين الجيش المصري الذي كان خليط من بقايا جيش محمد على وإبراهيم باشا وبين الضباط والجنود من أولاد الفلاحين وأبناء وادي النيل، من سودانيين "عرب وزنوج" والذين يحملون آمال وأمنيات الدولة الحديثة، وكان من هزمهم وأخضعها عدوا مشتركا هو الإمبراطورية البريطانية.
وماذا عن رواية "عشق" أحد أجزاء خماسية النهر؟ تدور أحداث هذه الرواية بعد انتصار الثورة المهدية في وسط السودان، حيث تتخلى حكومة "نوبار باشا" عن القوات المصرية في المديرية الاستوائية، وتتناول الرواية معركة أمادي ومعركة ريمو، والتي دارت في جنوب السودان حيث تدور حروب طاحنة بين بقايا القوات المصرية التي تخلى عنها الخديوي توفيق، وجيش الدراويش وفي القلب الصراع حول الرق وتجارة الرقيق، والتي عانت منها القوات المصرية من ضباط وجنود وموظفين بالإضافة إلى أسرهم وكانوا بعشرات الآلاف وتعرضوا إلى السبي والبيع في أسواق النخاسة.
تعتبر رواية "منازل الروح" الجزء الخامس والأخير من "خماسية النهر"، والتى لم تنته منها بعد، ما قضيتك الأولى فيها؟
لدي قضية تاريخية أود إثباتها وهي عبودية الأمم، أحد أنماط العبودية التي لم يشار لها وقد جعل الاحتلال الروماني من مصر أمة من العبيد عبر ثلاث أمور وهي: "الأراضي، الأطيان ملك للقيصر أو الخليفة، أو السلطان ولا ملكية من للفلاحين ما منع ظهور قوى اجتماعية لتكوين أمه وحركة وطنية تعبير عن أبناء البلد الأصليين، ومن ثم الثورة"، "عدم حمل المصريين بإجمالهم ومنهم أبناء الفلاحين للسلاح وعدم دخولهم الجيش" و"على امتداد التاريخ تكونت طبقة من الكهنة ورجال الدين يدعمون روحيا الغزاة، سواء كان قيصر أم خليفة أو السلطان أو الملك".
ومن وجهة نظري، أن عودة مصر من تاريخ العبودية وكهف الاستلاب تم عبر أحداث كبرى جرت مع نهاية القرن الثامن عشر مطلع القرن التاسع عشر، وذلك من خلال مرحلتين، في المرحلة الأولى كانت هناك حملة بونابرت واختراع المطبعة الفرنسية واكتشاف حجر رشيد وفك رموزه، بالإضافة إلى اكتشاف محمد على باشا وإبراهيم باشا للقيمة الجيوسياسية لمصر، واتجاههم بفطنة وذكاء إلى تعرف المصريين من أبناء الفلاحين على ذواتهم الجمعية، أما المرحلة الثانية كانت هناك فيها اللائحة السعيدية عام 1858 التي أخرج بها محمد سعيد باشا مصر من تاريخ العبودية ومن ثم صعود وظهور القوى الاجتماعية للمصريين، وتحقق مبدأ الوطنية المصرية، والذي تحقق بإصدار اللائحة السعيدية التي منحت الفلاحين حق حيازة الأراضي، ومن ثم ملكيتها ودخول أبناء الفلاحين سلك الجندية والترقي في سلك الضباط وكان أحمد عرابي على رأس قائمة الترقي.
هل يمكن تشبيه تلك المرحلة فى ظل الجائحة بفلسفة معينة؟إن الفلسفة الوجودية هى الأقرب للتعبير عن تلك المرحلة فى ظل الجائحة؛ لأنها تعبر عن مواجهة الإنسان مع ذاته والوقوف أمام الوجود ضئيلا أو شامخا، وهناك أيضا مفهوم التضامن الاجتماعي وروح المسئولية، الذي ظهر جليا من خلال دور الأطقم الطبية في جميع أرجاء العالم في مواجهة الوباء وما يحمله من خطر الموت، فتحية واحتراما للأطقم الطبية الذين وقفوا في الصفوف الأولى دفاعا عن الإنسانية في مواجهة جائحة الموت، وتحية كل التحية للعلماء والباحثين الذين أخرجوا لنا اللقاحات وهم في صراع مع الزمن.
ماذا تـأمل من عام 2021؟في المقدمة أتمنى نشر رواياتي بصورة جيدة، وأن تنتهي جائحة فيروس كورونا، وأتمنى لمصر أن تنعم دائما بالرخاء والحرية.
يذكر أن الروائي فتحي إمبابي، ولد في حي الجمالية عام 1949، ورغم دراسته للهندسة، وكان من أوائل المهندسين الذين عملوا بجهاز مترو الأنفاق، إلا أن حلمه الأول منذ نعومة أظافره بأن يصير يوما ما روائيا، هو ما سيطر عليه إلى أن كتب روايته الأولى في 1980 بعنوان "الْعُرْسٌ"، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في عام 1995 عن روايته "مراعي القتل"، كتب العديد من السيناريوهات، إلا أن سيناريو وحيد بعنوان "طيور الشمس" هو الذي تحول إلى عمل درامي في عام 2002، للمخرج هاني لاشين ومن بطولة هشام سليم، ومن أعماله الروائية: "نهر السماء"، "عتبات الجنة"، و"العلم" أحد روايات "دار الهلال".