الأحد 5 مايو 2024

وحيد حامد.. المبدع واستشراف المستقبل

أخرى3-1-2021 | 16:34

فجر السبت الماضي غادرنا المبدع الفذ وحيد حامد، وعادة لكل كاتب عالمه الخاص، هناك من تأخذه النوستالجيا إلى مرحلة تاريخية بعينها، يتوقف عندها وقد يغرق فيها فتصبح عنوانا له ويصير هو إشارة لها، وقد يتأثر الكاتب بفكرة أو أيديولوجيا يعتنقها، وقد تقيد أو تمسخ وتضعف ابداعه وإنتاجه الأدبي والفني أو الفكري.


كان وحيد حامد خارج هذه التصنيفات، عاش مهموما بقضايا الواقع والمجتمع المصري، وحرص في أعماله على الغوص في العمق الإنساني للأفراد وللشخصيات التي يقدمها، الواقع وهموم المجتمع تلقي بظلالها الكثيفة على حياة الإنسان وشخصيته، تشكل تلك الشخصية وتطبعها بطريقة معينة، غير أن تفاعل الإنسان مع الواقع واستجابته له، قد يدفعه إلى أن يسلك سلوكا لم يخطط له ولم يقصده وربما لم يخطر له على بال، وهذا ما وجدناه مثلا في فيلم طيور الظلام سنة 1995، وفيلم الإرهاب والكباب، وفيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة".


ومن تعمق الواقع والقضايا الاجتماعية، والغوص في عمق الإنسان، كان قادرًا على استشراف المستقبل والتنبيه إلى مايمكن أن نعده مخاطر في طي ماهو قادم.


تأمل مشاهد مجمع التحرير في فيلم "الإرهاب والكباب" سنة 1992، ومشهد ميدان التحرير في يناير وفبراير 2011، ولنا أن نحاول المقاربة بين المشاهد الفنية ومشاهد الواقع وماجرى فعليا، المواطن البسيط الذي يتعرض لإذلال بيروقراطية مسئول الإدارة التعليمية وتعمد الإهانة والاستخفاف به، وما إن يصرخ المواطن محتجا حتى يتهيأ الموظف الفاسد لتستيف تهمة الاعتداء على موظف عام أثناء تأدية عمله وتتواطأ معه زميلته، وهي تهمة عقوبتها السجن إن ثبتت، ومن باب الدفاع عن النفس وفي لحظة جنون يحمل المواطن السلاح وبسهولة تامة استولى على المجمع مع بعض الغاضبين، كان لقاؤهم جميعًا بالصدفة، وما أن يأتي وزير الداخلية ليتفاوض معهم ويسألهم مطالبهم، تكون المفاجأة لا مطالب حقيقية لديهم، بعد نقاش يكون المطلب "أكلة كباب".


ليس هذا ماحدث حرفيًا في يناير ٢٠١١، لكن كان التنبيه إلى خطورة البيروقراطية والفساد الصغير وعدم الانتباه إلى ضجر المواطن، وأن هذا التجاهل قد يقود إلى ردود أفعال غاضبة ومدمرة.

في طيور الظلام كانت الرسالة واضحة مبكرًا أن مصير هذا البلد مهدد بطرفين، الإرهابيون والمتطرفون من جانب، ورموز الفساد من جانب آخر، وأنهما معا يخربان حياتنا، وقد قامت ثورة "25 يناير/30 يونية" لإزاحتهما.


امتلك وحيد حامد الجرأة التي دفعته إلى أن يتصدى لأكاذيب جماعة الإخوان ويكشف أكاذيبهم والصورة الملفقة التي نسجوها حول شخصية حسن البنا ومن جاءوا بعده، فعل وحيد ذلك في وقت بدا للكثيرين أن الجماعة بصدد الهيمنة على مصر، وقتها اتجه البعض إلى مداراة الجماعة أو نفاقها أو التلاعب معها إلى حد التأخون المبكر قبل 2012، وتحمل هو في سبيل ذلك سيلا من التشهير والبذاءات من صبية تلك الجماعة ولم يكن غريبا ألا تتوقف بذاءاتهم حتى مع رحيله، غادرنا وحيد وهو يعمل على الجزء الثالث من مسلسل الجماعة.


استفاد وحيد حامد بكل أدوات التعبير المتاحة، الدراما بمعظم أشكالها وأدواتها، وكذلك المقال والتحقيق الصحفي في منتصف التسعينيات كشف قضية فساد كبرى من خلال تحقيق في مجلة روزاليوسف بعنوان "فضيحة على النيل"، أدى إلى الإطاحة بمسئول إعلامي شهير، وفي منتصف سنة 2018، أثار قضية التعامل مع تبرعات المواطنين لإحدى المؤسسات الخيرية.


يغادرنا المبدع إلى العالم الآخر بجسده، لكن يبقى إنجازه حاضرًا فينا، وما يبقى من المبدع المتألق دائمًا وحيد حامد كثير وعميق.