تورطت الاستخبارات وأجهزة الأمن التركية على مدار العام 2020 في عمليات تنكيل وملاحقة للمعارضين – بل حتى المنتقدين – في داخل تركيا وخارجها وسط حالة من القمع الشديد الذي تمارسه أجهزة نظام أردوغان الحاكم على الصحافيين و مؤسسات الإعلام.
ويتساءل مراقبون، أنه إذا كانت تركيا لا تتسامح مع معارضيها في الخارج، فكيف لها أن تلوم الآخرين على عدم تسامحهم مع معارضيهم، وكيف تقدم أنقرة ملاذات آمنه لمعارضي الدول المختلفة سياسيًا مع النظام التركي بينما هي (في الوقت ذاته) تنكر عليهم القيام بذات الشيء تجاه المعارضين الأتراك حول العالم.
وتكشف خلال العام 2020 معلومات جديدة تؤكد تورط أجهزة الأمن والاستخبارات التركية في أنشطة استهداف ومحاولات تصفية لعدد من معارضي ومنتقدي سياسات أردوغان حول العالم مستخدمه أغطية دبلوماسية ما يشكل خرقًا لقوانين وأعراف العمل الدبلوماسي الدولي وجريمة تضاف إلى سجل جرائم النظام الحاكم في تركيا، كما تكشف عن تناقضاته التي لا ترحم من يعارضونه بينما يستخدم ويدعم معارضي الدول الأخرى لابتزازها.
ودفع هذا المسلك التركي أجهزة الاستخبارات الغربية إلى تنبيه بعضها البعض لخطورة أنشطة السفارات والبعثات الدبلوماسية التركية على أراضيها، وكذلك حقيقة دور وأشكال التمثيل الخارجي التركية إعلاميًا وثقافيًا وإغاثيًا، واتهمت سلطات مكافحة التجسس السويسرية تركيا باستخدام دبلوماسييها على الأراضى السويسرية للتجسس على الجاليات التركية وملاحقة رموز المعارضة وكل من ينتقد الرئيس التركي وكان أكبر فضيحه للنظام التركي خلال 2020 حيث ذكرت السلطات السويسرية أن الدبلوماسيين الأتراك يتعقبون رموزًا من المعارضة التركية المقيمة بغرض تصفيتهم أو اختطافهم لإعادتهم قسرًا إلى تركيا وهو ما يقع تحت بند "الجرائم الإرهابية" وفق القوانين السويسرية.
وبموجب نظام تبادل المعلومات الاستخبارية بين دول الاتحاد الأوروبي، تكشفت حالات مماثلة من الانتهاكات التركية، أبلغت اليونان عن رصد عناصر نجحت الاستخبارات التركية من خلالهم في اختراق معسكرات اللاجئين الأتراك؛ بهدف تصفية بعض اللاجئين اللذين فروا إلى اليونان حفاظًا على حياتهم من ملاحقات الأجهزة الأمنية التركية التى لا تعرف الرحمة إزاء منتقدي أردوغان.
يقول مراقبون أن تصريحات وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، الذى اعترف بأن من مهام الدبلوماسيين في السفارات والقنصليات التركية حول العالم التعقب وجمع المعلومات الاستخبارية حول المعارضين تكشف عن حقيقة المهام السرية للبعثات الدبلوماسية التركية حول العالم.
ويعود تاريخ تصريحات وزير الخارجية التركى إلى 16 فبراير 2020 خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، وهي التصريحات التي ضرب بها المسئول التركي عرض الحائط بالمادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تحظر قيام الدبلوماسيين بأنشطة تجسسية وتمنحهم في المقابل حصانات من الملاحقة خارج وداخل مقارهم الدبلوماسية مع إعطاء سلطات البلد المضيف الحق في محاكمة وعمل تحريات استدلالية حول طبيعة نشاط الدبلوماسيين الأجانب في حالة الشك في تجاوزه حدود واجبات ومهام عملهم الطبيعية؛ وهو ما تنص عليه المادة 43 من اتفاقية جنيف للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية.
وفي ذات السياق، حذر مكتب حماية الدستور الألماني (جهاز الاستخبارات الوطني "بي إن دي") القيادة السياسية الألمانية، عدة مرات خلال العام 2020 من محاولات مستمرة من جانب الاستخبارات التركية رصدتها أجهزة الأمن الألمانية للتجسس على المعارضين الأتراك المقيمين في ألمانيا واختراق الجالية التركية الضخمة المقيمة هناك بهدف جمع المعلومات أو لتوظيف عناصر حركيه منها في أنشطة تستخدمها أنقرة في ابتزاز المواقف السياسية الألمانية بما يخدم المخططات التركية.
في كمبوديا.. وقعت تركيا في منتصف أكتوبر الماضي اتفاقية للتعاون الأمني مع حكومة كمبوديا تقضى بتسلم أنقرة للمعارضين السياسيين اللاجئين إلى الأراضى الكمبودية والذين قدر وزير الداخلية التركي سليمان سوليو الذي وقع الاتفاق باسم بلاده أن عددهم يزيد على 100 معارض يشكلون بؤرة معارضة خطيره للنظام التركي في منطقة جنوب شرق آسيا، وفي أستراليا رصدت السلطات الأمنية في ديسمبر 2020 أنشطة مشبوهة لدبلوماسيين أتراك ضد أشخاص من المعارضة التركية في أستراليا بقصد تصفيتهم.
وكانت عناصر من حركة فتح الله جولن التركية المعارضة فرت منذ العام 2016 إلى كمبوديا وأستراليا طلبًا للحماية بعد المحاولة الانقلابية المزعومة في أنقرة، ومن بينهم عناصر سبق ولجأت إلى تركيا قبل هذا التاريخ في أعقاب الملاحقات الدامية من أجهزة الأمن التركية لهم إثر تظاهرهم ضد أردوغان في منطقة غازي عنتاب التركية في حركة العام 2013 الاحتجاجية.
وفي 5 مايو 2020 بدأت الآلة الاستخبارية التركية وأجهزة الأمن جهودها لملاحقة تلك العناصر لاعتقالها أو إعادتها قسريًا أو تصفيتها، لكن يقظه أجهزة الأمن الكمبودية دفعت أنقرة إلى بديل آخر وهو إقامة مسار تعاون بين السلطات الأمنية الكمبودية ونظيرتها التركية لتسليم بعض المطلوبين الأتراك.
في السويد.. انتهت تحقيقات أجهزة مكافحة التجسس السويدية إلى تورط عناصر من السفارة التركية في ستوكهولم في تسهيل مهمة مجموعة اغتيال كانت الاستخبارات التركية العامة أرسلتها إلى السويد لتصفية الصحفي التركي الأصل واللاجئ إلى السويد والمقيم في ستوكهولم عبد الله بوزكورت، وأعلنت جهات التحقيق السويدية في الرابع نوفمبر الجاري أن شكوكها الأولية حول تورط رجال الدبلوماسية التركية في ستوكهلوم في الهجوم المدبر ضد الصحفي التركي في منتصف أغسطس الماضي "باتت مؤكده".
وكشفت جهات التحقيق السويدية عن أن واقعة الهجوم على الصحفي التركي المعارض – المتمتع بوضع لاجئ سياسي في السويد منذ عدة أعوام – لم تكن تستهدفه فقط بل تمت في إطار مخطط تركي لاستهداف 27 من المعارضين الأتراك المقيمين الآخرين على الأراضي السويدية ممن يكتبون انتقادات في الإعلام الغربي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
يذكر أن النائب العام التركي وجه تهمة التجسس ومباشرة نشاط معادي لعدد 28 من المعارضين الأتراك المقيمين في السويد وصفه قرار المدعي العام التركي بأنه يستهدف الإضرار بالمصالح التركية العليا والمشاركة في القصد الجنائي مع عناصر أجنبية لتحقيق هذا الهدف وهو ما أورد قرار الاتهام الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 2018 في القضية التي تحمل رقم /230319 لسنة 2018/.
يذكر أن تركيا تعد أحد أسوأ بلدان العالم تنكيلا بالصحافيين المعارضين لنظام أردوغان خلال عام 2020، فوقا لتقرير مركز ستوكهولم للحريات يقبع في السجون التركية خلف القضبان ما لا يقل عن 183 صحفيًا بأحكام مسيسة ويواجه 168 صحافيًا تركيا على الأقل اتهامات بعضها قد يفضى إلى السجن مدى الحياة من بينها اتهامات بالإرهاب، ووفقًا للتصنيف الدولي لحرية الصحافة والإعلام تقع تركيا في الترتيب رقم 154 من أصل 180 دولة على مستوى العالم هي الأسوأ على صعيد الحريات الصحفية والإعلامية في العام 2020، كما حافظت تركيا تحت حكم أردوغان – وبلا منافس – هي المركز الأول عالميًا في سجن واعتقال الصحفيين.