السبت 18 مايو 2024

حواسٌ صامتة.. قصة لـ أسماء حسين من مجموعة «فسحة بويكا»

فن4-1-2021 | 14:16

تنشر "الهلال اليوم"، قصة "حواسٌ صامتة"، للكاتبة أسماء حسين، من مجموعتها القصصية "فسحة بويكا" الصادرة عن دار "فصلة" للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى يناير 2018.



حواسٌ صامتة


 

مرت الدقائق القصيرة كدهر طويل، وهو يرسم الصور في مخيلته لما سيحدث بعد ساعات تحت الأرض في تلك المساحة، سيطبع النمل بحوافره خطوطًا متفرعة في جسده الصغير، والذباب يتدافع بجنون على وجهه، وعنكبوت يتأرجح بخيوط عالقة بسقف التربة، وربما صندوق صغير غُرست في أطرافه مسامير، كأنه غُمِس في حوض من الدماء والعفن، سجائر منطفئة في المنتصف أُلقيت بمزاج خائب على تراب الأرض فوقه، تعرف عليها لاحقًا أنها ليائسين مثله مروا من هنا مرارًا، وحواس تمزقت وتعطلت ببراعة عن العمل في جثة مُنتفخة بعض الشيء، أنف طمس بصورة غريبة قبل أن يتسنى له النمو، في إحدى حدقتا عينيه انتصب غيم قديم، ويده اليمنى يتدلى منها مفصل الكف باستكانة وشجاعة من يلوح في وهن، ضمير غائب عن المكان وعن الصفحات التي لم يتسن كتابة شيء فيها.


الأوامر بعضها قاتل، وخصوصًا تلك التي يصدرها القدر لرغبته في التعديل على نصوصه، والأحلام المقصوصة من عمر أحدهم، وكأنها عتمة مؤدية لكابوس آخر، وخصام الحواس مع بعضها يحدث ضجة عنيفة في دماء من ينتظر منها العمل، التأملات غير مجدية بالمرة الآن، وعليه التوقف عن التخيل وتهدئة حواسه، طالما الحواس ذاتها تموت من أجل حقوق التغيير المفاجيء في النص فقط، التفكير الهاديء فُصل بتفوق عن لحظة انفعال كهذه.


ما المعنى إذا كانت الحواس صامتة أصلًا قبل موتها، وما الفائدة من أن تعيش متاهة السلب المباح مع حياتك.


لم يحتمل أكثر، دفع الباب بقوة، وقال لهم بحنق: "ادفنوه وبسرعة".


تسللت وشوشاتهم من وراء الباب "مات !". طأطأت الممرضة رأسها دون أن تنبس ببنت شفة، بينما قال الطبيب: "العمر لك".


بكى الرجل رغمًا عنه ونزع الغطاء الأبيض عن بطن زوجته، بان رحمها مثل كفن مغلق، كان الوليد جثة حارة، عيونه مفتوحة كبحر، لونها صافٍ، وفمه يبتسم، لكنه أبدًا لم يصرخ أو يتحرك.

    الاكثر قراءة