السبت 18 مايو 2024

٢٥ أبريل.. عيد التحرير الذى نحتفل به ولا نعرف رسالته

2-5-2017 | 11:32

لماذا نحتفل بذكرى تحرير سيناء رغم مرور ٣٥ عاما على هذا الحدث ورفع العلم المصرى على شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من المحتل الإسرائيلى،

هل نحن من عشاق التباهى بالتاريخ والتفاخر بالماضى ولو كان قريبا؟

الإجابة بالتأكيد..لا، هو عشق للتاريخ ولا تباهٍ بانتصارات الماضى، وإنما هو تذكير للأجيال الجديدة الذين شوهت عقولهم ودمر تاريخ بلادهم المشرف فى المناهج الدراسية ، وأصبحوا لا يعرفون من تاريخ بلادهم وانتصارات جيشهم الوطنى سوى القليل المشوه بفعل الإعلام المتآمر والموجه.

أحد المعلمين وقف فى فصل ثانوى يسأل عن الفارق بين ٦ أكتوبر و٢٥ أبريل، فلم يجد طالبا واحدا يعرف الفارق، وما زاد المعلم ألما أنه لم يجد من الطلاب من يعرف عن ٦ أكتوبر سوى أننا انتصرنا على إسرائيل، لكن بلا تفاصيل ولا معلومات، لا يعرف أحدهم ماذا فعل الجندى المصرى وكيف تحولنا فى ست سنوات فقط من نكسة وانكسار إلى الانتصار.

ليس هذا فحسب، فالمصيبة والطامة أن من يعرفون عن نصر أكتوبر لم يكن مصدرهم كتبا دراسية أو مؤلفات اطلعوا عليها وإنما أفلام ومسلسلات تختزل الانتصار العظيم ولحظة التحرير فى مشاهد رديئة، وسيناريوهات ضعيفة.

صدمة المعلم الصعيدى أكدت أننا لا نعرف فعلا كيف نوفى إنجازاتنا وانتصاراتنا حقها، ولا نجيد تثقيف أبناءنا بتاريخنا الزاخر بالمعارك المشرفة، ووصل بنا الحال إلى أننا نتعامل مع ذكرى الانتصارات التى هزت العالم وكأنها أيام عادية تمر كغيرها، والنتيجة أننا ندفع الثمن من جهل معظم شبابنا من الأجيال الجديدة بقيمة الأرض والتضحيات التى قدمت من أجلها.

والدليل على كل ذلك أن مشهد التحرير العبقرى حتى الآن لم يجسد كما يستحق، وأخشى أن يكون قد كتب علينا وعلى كل الأجيال القادمة أن نتعاطى معه بنفس المنطق الحالى، ولهذا فالأمل الوحيد فى تصحيح الصورة وتقديم المعركة كما تستحق من بدايتها بالانتصار العسكرى وحتى الانتصار السياسى فى يوم التحرير، ثم الانتصار القضائى فى معركة طابا أن تفرج القوات المسلحة عن شهادات رجال المعركة وأبطالها وتقدمها بما لديها من إمكانيات هائلة وطاقات بشرية مبدعة فى إدارة الشئون المعنوية،

وقتها من المؤكد ستتعرف الأجيال المختلفة من المصريين على حقيقة المعركة وكيف تحررت الأرض المصرية، سيعرف الجيل الذى لم يعِش المعركة أن إسرائيل لم تسلم سيناء رضاء أو طواعية، وإنما سلمتها استسلاما لدولة منتصرة وجيش قاهر للمستحيل الذى كانوا يتغنون به،

لهذا لابد أن نصر على أن نحتفل كل عام بأى ذكرى انتصار لجيشنا المصرى، ولو كان المجال يتسع لزدنا احتفالاتنا بجيشنا وكل ما حققه على مدار تاريخه كأقدم جيش نظامى فى العالم، سجل انتصاراته ضخم، لكن فرضت علينا الظروف أن نقتصر فى احتفالاتنا السنوية على انتصار أكتوبر ويوم ٢٥ أبريل باعتباره يوم رفع العلم المصرى على شبه جزيرة سيناء بعد انسحاب آخر جندى محتل من أراضيها عدا طابا التى عادت بعد ذلك بتحكيم دولى.

يوم ٢٥ أبريل من عام ١٩٨٢ كان يوم رفع العلم، لكنه ليس أصل الحكاية أو أهم ما فيها، فهو يوم الحصاد لخمسة عشر عاما من الجهاد والحرب البطولية التى خاضتها مصر عسكريا وسياسيا منذ احتلت سيناء يوم ٥ يونيه ١٩٦٧ فى غفلة وبسبب أخطاء جسيمة لن يغفرها التاريخ لمن ارتكبها.

بالطبع كانت الهزيمة ثقيلة، لكن لأن الجيش المصرى لم يتربَ على الاستسلام ولم يتعود على تقبل الهزيمة فقد أعاد تنظيم نفسه سريعا وتعلم عبد الناصر الدرس فضحى بكل من كانوا من أهل الثقة ليستبدلهم بأهل الكفاءة، ليبدأ الجيش مهمة استرداد الأرض المصرية والكرامة العربية، واشتعلت أرض سيناء بالمعارك الصادمة للإسرائيليين ويوما بعد الآخر كان الجيش المصرى يستعيد جزءا من ثقته والجيش الإسرائيلى تزداد خسائره فى حرب الاستنزاف التى كانت وحدها حربا تدرس فى كيفية استنزاف قدرات العدو والأهم من ذلك التدريب العملى على المعركة الأكبر والأهم، وهى حرب العبور فى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان ١٩٧٣،

كانت حرب أكتوبر لطمة ليس على وجه إسرائيل فقط، بل والأمريكان أيضا، فقد تخيلوا أن المصريين قد قبلوا بالوضع القائم، ولم يعد بإمكانهم سوى الانصياع لإرادة إسرائيل والاعتراف بسيناء تحت الاحتلال الصهيونى، لكنهم استيقظوا على كارثة عبور الجيش المصرى إلى سيناء وتحطيم الأسطورة الإسرائيلية الكاذبة أو “خط بارليف”،

ضرب المقاتل المصرى كل المعايير العالمية فى القتال وتحدى الصعاب، وانتقم لشهداء النكسة وثأر لكرامة شعبه، وأجبر إسرائيل التى كانت تتحدث عن قوتها بغرور على أن ترفع الراية البيضاء صاغرة بعد أن كسر شوكتها ودمر طيرانها الذى كانت تصفه بالذراع الطولى لها.

بعد ست ساعات فقط فقدت إسرائيل توازنها واهتزت الأرض من تحت جيشها، وارتبكت قيادتها وانهارت مؤسساتها، ولم ينفعها الجسر الجوى الذى فتحته لها أمريكا بطائرات ودبابات لم تسِر على أرض قبل سيناء، بل زادت خسائرها، ولم يكن أمام الأمريكان والدول الأعضاء بمجلس الأمن من سبيل لحماية إسرائيل من السقوط الكامل سوى التدخل بإصدار قرار رقم ٣٣٨ بوقف الأعمال العسكرية، لكن كعادة الصهاينة لا أمان له، فقد خانت إسرائيل القرار الذى أنقذها وخرقت الاتفاق فصدر القرار الثانى لمجلس الأمن بإلزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، الذى أجبر إسرائيل على الالتزام به والدخول فى مباحثات عسكرية للفصل بين القوات،

بدأت مفاوضات الكيلو ١٠١ وفيها تم الاتفاق على مبادئ المفاوضات السياسية من أجل الوصول إلى تسوية سياسية شاملة فى الشرق الأوسط.

والمؤكد أنه لم يكن أمام إسرائيل سوى أن تسلم بالأمر الواقع وتقبل ما فرضه عليها المصريون، لتجلس على مائدة مفاوضات كانت اللغة فيها واضحة من الوفد المصرى بأنه لا يقبل بغير الأرض المصرية كاملة لا يدنسها جندى إسرائيلى واحد.

 وبعد مفاوضات فض الاشتباك بدأت العديد من مراحل التفاوض من فض الاشتباك الثانى، حتى مؤتمر كامب ديفيد فى البيت الأبيض فى سبتمبر ١٩٧٨ والذى شهد التوقيع على وثيقة كامب ديفيد، وصولا إلى التوقيع على معاهدة السلام فى مارس ٧٩ والتى تضمنت عودة الأراضى السيناوية بالكامل إلى السيادة المصرية والانسحاب الإسرائيلى من سيناء على مراحل تمت كاملة وفق ما اتفق عليه دون أن تملك إسرائيل أى قدرة على ردالفعل لأنها أدركت أنها أمام جيش ليس من السهل اللعب معه، ودولة لا تقبل أنصاف الحلول وقيادة من الصعب خداعها.

ففى ٢٦ مايو ١٩٧٩ كانت المرحلة الأولى ورفع العلم المصرى على مدينة العريش بعد انسحاب إسرائيل من خط العريش رأس محمد

فى ٢٦ يوليو ٧٩ انسحاب إسرائيل من منطقة أبو زنيمة وحتى ابو خربة بمساحة تجاوز الـ٦ آلاف كيلو متر.

فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٩ تسليم وثيقة تولى محافظ جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة بعد تحرير الأرض.

فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢ تم رفع العلم المصرى على مدينتى رفح وشرم الشيخ واستكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، ولتصبح كل الأراضى السيناوية تحت السيادة المصرية ولم يتبقَ منها سوى طابا التى عادت بعدها بسبع سنوات.

 خلاصة هذا كله، أن مصر هى التى فرضت إرادتها؛ لأنها هى صاحبة الانتصار العسكرى، والعالم فى هذا التوقيت لم يكن يتعاطى السياسة بعيدا عن القوة، فمن يملك القوة يملك القرار السياسى، وانتهت المفاوضات بالفعل إلى الانسحاب الإسرائيلى الكامل لتتسلم مصر كل أرضها وترفع عليها علمها وتبدأ مهمة جديدة هى معركة التنمية التى تعثرت كثيرا واختلفت حول ذلك الآراء بين من يرون أنه لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية لتنمية سيناء، ومن يرون أن القضية ليست إرادة، وإنما ظروف فرضت نفسها على الدولة المصرية.

فتعثر التنمية فى أرض سيناء لم يكن سوى نتيجة الرغبة الإسرائيلية فى أن تكون هذه الأرض هى الحل الأبدى كما يتوهمون للقضية الفلسطينية، وللأسف كان هذا الاتفاق على وشك التنفيذ بيد الجماعة الإرهابية التى تم دعمها أمريكيا كى تصل إلى الحكم والإمساك بزمام الأمور فى مصر مقابل تنفيذ وعدهم بتسليم جزء من أرض سيناء ليكون دولة فلسطينية تريح إسرائيل وتنهى القضية تماما.

لكن مصر انتفضت شعبا وجيشا ضد حكم الإخوان وأسقطتهم وأنهت هذا المخطط فكان التخطيط لعقابها على تدميرها الحلم الإسرائيلى بأن تم إطلاق يد الإرهاب فى سيناء طمعا فى أن تظل هذه المنطقة مشتعلة وتجبر مصر على الاستسلام لما تريده إسرائيل.

وكالعادة قواتنا المسلحة تدافع عن الأرض بكل ما تملك، وعندما كتب عليهم القتال من جديد عادوا للميدان ليقتلعوا الإرهاب من جذوره، وكما قاد الرئيس السادات معركة تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلى يقود الرئيس السيسى الآن بكل إصرار الحرب على الإرهاب لتطهير سيناء بالكامل منه بجهد وعزيمة رجال القوات المسلحة الذين يخوضون حربا شرسة ليس كما يروج البعض ضد مجموعات من الإرهابيين، وإنما ضد تنظيمات ممولة ومدعمة ومدربة من أجهزة مخابرات ودول كبرى.

على مدى السنوات الماضية تصدت قواتنا المسلحة لكل المخططات التخريبية فى سيناء وضحى أبناؤها بأرواحهم فداء أرض سيناء،

ليؤكدوا أنهم لن يفرطوا فيها أبدا، وسيقاتلون من أجلها بالسلاح وبالدم، فالأرض كما العرض لن نفرط فيها أبدا.

ولأن نصر أكتوبر وذكرى تحرير الأرض تؤلم إسرائيل كثيرا وتتمنى قيادات جيشها المحتل ألا تسمع عنها مرة أخرى فهى لا تفوت فرصة إلا وتسعى لتحويل ذكرى النصر إلى إرهاب خسيس من أجل أن ينسى المصريون النصر وينشغلوا بالضحايا؛ لكن رغم كل هذه المحاولات تظل هذه الذكرى حاضرة وبقوة نحتفل بها ونصر على ذلك لنزيد الألم الإسرائيلى ونعيد تنشيط ذاكرة شباب مصر بمكانة جيشهم وبطولاته التى تخطط المؤامرات الآن لتشويهها.

بالتأكيد لمعركة التحرير رجال لن ينساهم التاريخ، بدءا من جمال عبد الناصر الذى تحمل بكل شجاعة مسئولية النكسة وبدأ مهمة استعادة الأرض، ثم السادات وقيادات حرب أكتوبر العظام، ثم من خاضوا المفاوضات عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، وحتى انتهى الأمر إلى رفع الرئيس الأسبق حسنى مبارك العلم المصرى على أرض سيناء فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، ثم استكمل المهمة حتى عودة طابا فى ١٩٨٩ ليعلن أن مصر استردت أرضها بالحرب والسلام.

كما لا يمكن أن ينسى التاريخ رجال سيناء الشرفاء الذين كانوا يدا بيد مع قواتنا المسلحة حتى تحقق النصر ورحل الاحتلال مكسورا، ولأن الشرف والوطنية جزء أصيل من جينات أهل سيناء فما زالوا يواصلون جهادهم من أجل الأرض بجانب قواتنا المسلحة، يقاتلون فى مواجهة الإرهاب ويضحون بأرواحهم فداء أمن مصر، وآخر ما فعله أهل سيناء مساهمتهم الواضحة فى توصل أجهزة الأمن إلى منفذ عملية الهجوم على كمين شرطة سانت كاترين، ليؤكدوا كل يوم أنهم فى ظهر قواتنا المسلحة وشرطتنا لحماية الأرض.