المادة
274 من قانون العقوبات هى مادة حكايتها حكاية، وهي التى تضع عقوبة للخيانة
الزوجية لا يمكن وصفها إلا بأنها لا تتناسب مع ما يحمله هذا الفعل من جرم وما
يترتب عليه من آثار أقل ما توصف بأنها فادحة.
لكن مهلاً.. فقبل أن نتعرض للمادة وما تحويه،
فإنه يفرض علينا سؤال لم أجد له إجابة حتى الآن لدى أي من جهابذة القانون أو علم
الاجتماع.
والسؤال هو: هل عكست العقوبة المنصوص عليها حقيقة
الجرم الذي تتعرض لإرساء عقوبة له؟
وسؤال آخر قد يبدو خبيثاً:
هل أدرك واضعو تلك العقوبة معنى الخيانة الزوجية
نفسيا واجتماعية؟
فنص المادة يقول: "المرأة المتزوجة التي ثبت
زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا
الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت".
وليكن حديثاً بدايةً عن الشطر الأول وهو عقوبة
الزوجة الزانية ومدى ما فيها من هزل، لكن لا أصدق أن السادة المشرعين الأجلاء لا
يدركون معنى زنا الزوجة وكيف ينفصم بتلك الجريمة عرى أقدس رباط بين الرجل والمرأة
بعد الأمومة، بل تلك الجريمة تدمر الأسرة ومن ثم سيقع الدمار حتماً على المجتمع،
كما أنى أتعجب من تخصيص الحديث عن زنا الزوجة وليس الزوج الذي سنتعرض للعقوبة
الأكثر هزلاً في المادة 277 والتي سيكون لنا معها وقفة، ذلك لأنها تجاوز شقيقتها
274 في الهزلية ولا تقيم للعدل وزنا بل وإن بقاءها مع شقيقاتها يثير الريبة في
نفسي، فكما أشرت آنفاً، فهذه المواد لم تمسسها يد منذ صدور القانون على كثرة ما
اعتراه من تغييرأو إضافة أو استبدال أو حذف أو تكرار أو طعن بعدم دستورية في مواده
الباقية خلال رحلته منذ مولده وحتى اليوم.
فجريمة الزنا سواء وقعت من الزوج أو الزوجة هي
ضربة قاضية قاصمة للحياة الزوجية وما يترتب عليها من تداعيات خطيرة تتعدى الزوجين
إلى الأبناء، وما سترسخه في نفوسهم من عقد نفسية ستشوه شخصياتهم وتزلزل كيانهم
وتخرج منهم كائنات مشوهة صغاراً وكباراً، ليس هذا فقط، فكيف تجاهل المشرّع خطر هذه
الجريمة وما تتسبب فيه من عار لا يلحق بالزوجين والأبناء فحسب، بل ما تلبث أن تصم
كل الوسط المحيط بهما الذي يجد نفسه يحمل عاراً لا ذنب له فيه.. وكم تسببت هذه
الجريمة من فتن وما سال بسببها من دماء، وكم نكّست رؤوس كانت يوماً مرفوعة بين
الناس؟
فبالله عليكم كيف نظر ومازال ينظر قانون العقوبات
المصري إلى جرائم الخيانة الزوجية؟
شيء مخجل طبعاً.. كما يجب ألا نتجاهل أن القانون
في هذه الناحية، لا يعبر عن ثقافة المجتمع وتقاليده، بل يجسد حالة انفصام تام ما
بين التشريعات القانونية والحياة
الاجتماعية، فالفجوة هائلة ما بين الواقعين بما لا يمكن ملؤها، إلا بعلامات
التعجب وأمارات الذهول.
فأنت ترى عقوبة الخيانة الزوجية قانوناً هي مجرد
جنحة معاقب عليها بالحبس بما لا يزيد عن سنتين، بينما هناك جنح كالضرب والسرقة
والإصابة الخطأ، تتجاوز عقوباتها ما قرره القانون للخيانة الزوجية!
فهل اكتفى القانون بالعقوبات الاجتماعية المتشددة
السائدة تجاه هذه الجريمة كعوض عن العقوبة المشرعة؟
أم أن القانون في هذه الناحية يدفع لزلزلة الرؤية
الاجتماعية لجريمة الزنا لكى تصبح يوما ما مجرد جنحة أقل خطرا من تهمة إصابة شخص
خطأ بسيارة في إشارة مرور؟
لقد وجدنا الشرائع الدينية والاجتماعية في مختلف
الديانات والمجتمعات، تعاقب على هذه الجريمة بأشد العقوبات التى تصل في كثير من
تلك الشرائع إلى الإعدام وأحيانا يتم الإعدام بطرق أكثر قسوة من جريمة الرجم التى
أقرت بها التشريعات الدينية.
فالجريمة تصاحبها آثار خطيرة تلصق بالخائن من
الزوجين وتدمر مستقبل الأبناء ونحن في ثقافتنا العامية البذيئة لا نفتأ نتشاتم
بهذه الجريمة لنصيب خصومنا بأكبر قدر ممكن من الألم النفسي نتيجة السب بألفاظ تشير
إلى مثل هذه الجريمة، افتراءً وتعبيرا عن الحنق والغيظ.
واختم معك هذه الجزئية الخطيرة والمهمة، بأن أخبر
سيادتك بأن بعض العقوبات التى يقررها القانون نفسه لجرائم السب والتحرش والمعاكسة
تزيد عن عقوبة الزنا وأحيانا تبلغ ضعفها مع الظروف المشددة والتى مهما بلغ من
تشددها فإنها لا تبلغ عشر عشير معشار هذه الجريمة النكراء.