تنشر بوابة "الهلال اليوم" الجزء الثامن من الفصل السابع لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:
حرب جرثومية تدفع بحربٍ نووية
ظلت (كوبا - كاسترو) طيلة عقودٍ مضت، بلدًا عصيًّا على العمليات القذرة الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية، واختراقات وكالات زعزعة الاستقرار، من أجل وأد الثورة الاشتراكية، والقضاء على الوحدة الثورية التي كانت متجذرة في عقل ووجدان (كاسترو) ورفاقه العسكريين، إلهامًا من (خوسيه مارتي) رسول الاستقلال الكوبي، ومؤسس (الحزب الثوري الكوبي) الذي ناضل وخاض حرب الاستقلال بحركات التمرد ضد الاستعمار الإسباني، عام 1895.
كوبا ليست نموذجًا ملهمًا لجميع الأنظمة الحاكمة التي تريد التمرد على الجبروت الأمريكي فحسب، هي أيضًا نموذج فريد من زعيمٍ وشعب، علموا العالم كيف يكون الكفاح السلمي غير العنيف ضد الرأسمالية المتوحشة للكوربوقراطية، وتوغل الإمبريالية العالمية، للحفاظ على الدولة القومية ذات السيادة، وسط أعاصير الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي الجديد.
صيف عام 1962، شهد محاولة اغتيالٍ فاشلة لكاسترو، بحربٍ جرثومية، من قبل عنصرٍ كيميائي من وكالة الاستخبارات المركزية يدعى (سيدني جوتليب).
وبعد هزيمة أمريكا في معركة خليج الخنازير، دبرت وكالة الاستخبارات المركزية حربًا جرثوميةً جديدة، سميت بـ (خريطة مانجوستا).. قضت برش المحاصيل الزراعية بأسلحةٍ كيميائية وبيولوجية، أدت إلى تدمير العديد من الحقول الزراعية، وأصابت جميع المواشي والدواجن والطيور، بفيروس (نيوكاسل).. كما أدت إلى مقتل وإصابة المئات من الشعب الكوبي.
في أكتوبر 1962، وكرد فعلٍ على هذا الإرهاب البيولوجي، وافق كاسترو على نشر أسلحةٍ نوويةٍ خاصة بالاتحاد السوفيتي على أراضي كوبا؛ كانت واحدة من أكبر الأزمات بين واشنطن وموسكو إبان الحرب الباردة، وضعت العالم على حافة حربٍ نووية حقيقية(9).
عام 1975، فتح مجلس الشيوخ الأمريكي، تحقيقًا حول هذه الحرب الجرثومية، آنذاك تم الكشف عن العديد من الوثائق الرسمية والشهادات العامة، حول أكبر حربٍ جرثومية تاريخية شنتها الولايات المتحدة ضد الأبرياء من السكان.
الحصار الاقتصادي
يوليو 1963، سيطرت وزارة الخزانة الأمريكية بموجب لوائح تم إصدارها خصوصًا لكوبا، على جميع الأنشطة التجارية والاقتصادية؛ وقد تم مصادرة جميع الأصول في الولايات المتحدة الأمريكية.
العام 1992، وبعد الحقبة السوفيتية، توسعت شبكة الحصار الأمريكي، وفي سابقةٍ ليست بجديدة على واشنطن التي تضرب بمواثيق الأمم المتحدة ولوائح منظمة التجارة العالمية، عرض الحائط، أصدر بوش الأب قانون (توريسيللي) بهدف عرقلة حركة التجارة الخارجية لكوبا.
بموجبه حظرت الولايات المتحدة على أي شركةٍ أمريكية موجودة على الأراضي الأمريكية أو خارجها، بيع منتجاتها لكوبا، بما فيها قطاعات الصحة، كما حظرت على السفن القادمة من أي مكانٍ في العالم التوقف في موانئ كوبا، وإلا سيتم فرض عقوباتٍ عليها، بمنعها من الوصول إلى الموانئ الأمريكية مدة ستة شهور، مما يُعد ضربة قاصمة للشعب الكوبي، على أمل أن يثور على زعيمه (كاسترو).
العام 1996، في ضربةٍ جديدة لكاسترو، أصدر الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) قانون (هيلمز – بيرتون) المسمى بقانون الحرية والديمقراطية الكوبي، فقد منح كلينتون لنفسه حق تقرير المصير بالنيابة عن الشعب الكوبي، بصفته رئيس الدولة الراعية للديمقراطية وللحريات.
صدر القانون الذي يضمن (الانتقال السلمي الديمقراطي) بعد رحيل كاسترو، وانتقال كوبا بالطبع إلى (اقتصاد السوق) بحزمةٍ واسعةٍ من الأحكام، بموجبها تخضع أي شركةٍ غير أمريكية تتعامل اقتصاديًّا مع كوبا، إلى الحظر الاقتصادي، ومنع كوبا من عضوية المؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى حظر الاعتراف بأي حكومةٍ انتقاليةٍ مستقبلية، تضم كاسترو أو شقيقه راؤول.