شدد خبراء علم اجتماع على ضرورة مسائلة المحامي صاحب مبادرة "زواج التجربة" قانونيا لتلاعبه بالقوانين الإلهية والإسلامية، مؤكدين أن العلاقات الزوجية علاقات مقدسة وأبدية وليست سنوية ومحددة، مشيدين برد الأزهر الشريف وتأكيده على عظمة الحياة الزوجية وترسيخ قيم المودة والمحبة والتشاور والتفاهم بين الزوجين.
وناشدوا وسائل الإعلام ورجال الدين والمدارس والجامعات والجمعيات النسائية بالتصدى والوقوف فى وجه مثل هذه المبادرات الخطيرة، وذلك من خلال توجيه مزيد من البرامج الدينية والأسرية والتوعوية المقدمة، لحماية مجتمعاتنا من الهدم وعدم الاستقرار، والحفاظ على الترابط والكيان الأسري.
كان مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية قد أكد أن الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر في ما يسمى بـ"زواج التجربة" اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة مُعينة يجعل العقد باطلًا ومُحرَّمًا، موضحا أن أهمِّ دعائم نجاح هذه المنظومة هو قيام عقد الزواج بين الرجل والمرأة على نيَّة الدَّيمومة والاستمرار، والتحمّل الكامل لمسئولياته كافَّة، لا أن يقوم على التأقيت، وقصد المُتعة إلى أجل حدده الطرفان سلفًا مقابل مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة -وإن سمياه مهرًا-، دون اكتراث بما يترتب عليه من حقوق ومسئوليات وأبناء وبنات.
وأوضح أن شرْط «حظر حَلّ عُقدة النكاح» لمدة أيام أو أعوام من جملة هذه الشروط الباطلة، فقد أَعطى الشَّرع الشَّريف الزَّوج والزَّوجة حق حلّ عقد الزواج إن وُجِد سببٌ مُعتَبر يدعو إليه، ويوقع الضرر على أحد طرفيه، وإنْ اشترط الزوج على نفسه عدم طلاق زوجته مُدةً من الزمان ثم طلقها في المُدّة؛ كان الطّلاق واقعًا، وكذا الزوجة إن طلبت طلاق نفسها، أو رفعت أمرها للقاضي فطُلِّقت قبل انتهاء المدة المُشتَرطة.
وأشار إلى أن هناك شروط باطلة في ذاتها وتنسحب على عقد الزواج الذي اشتمل عليها بالبطلان، كاشتراط مدة معينة للزواج ينتهي بعدها، كما هو الحال في زواج التجربة إن كان محددًا بوقت؛ إذ هو بهذا يعد زواج متعةٍ مؤقتٍ باطلٍ ومُحرَّمٍ؛ فعن علي بن أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عنه، أنَّ سيدنا رسول الله ﷺ: «نهى عن مُتعةِ النِّساءِ يومَ خَيبرَ ...» [متفق عليه]، وعن عمر بن عبد العزيز قال: حَدَّثَنا الرَّبيعُ بنُ سَبْرةَ الجُهَنيُّ عن أبيه: «أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نهى عن المُتعةِ وقال: ألا إنَّها حَرامٌ مِن يَومِكم هذا إلى يومِ القيامةِ، ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخُذْه». [أخرجه مسلم].
التفكك الأسري وعدم الترابط
ومن جانبه، قال الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ظهور مبادرة مثل مبادرة الزواج بالتجربة شئ لا يمكن الرضا به، وبالفعل قام الأزهر بالرد على ذلك وبين أنه باطل ويفسد عقد الزواج، لذلك يجب أن يكون هناك رد فعل حاسم للمحامي الذي يروج لمثل هذه الأفعال ومعاقبته أولا، داعيا الجميع إلى التفكير وعدم الانسياق وراء الأفكار الهدامة لنا ولمجتمعاتنا.
وأوضح "الخولي"، فى تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن هذا النوع من الزواج الذي يقوم على مدة محددة يحولنا ويحول مجتمعاتنا من السلام والاستقرار إلى الزعزعة وعدم الاستقرار، فمن المعروف حسب عاداتنا وتقاليدنا وليس نحن فقط بل فى العالم كله أن الزواج حالة من العيش والرحمة والمحبة والتعاون والمساندة وغيرها من الصفات والأخلاق الحسنة ليس بالتحديد والاشتراط، ولا وفق فترة محددة بل طوال العمر.
وأكد أستاذ علم الاجتماع أن هذه الطريقة لا تحل إطلاقا أزمة الطلاق التى انتشرت فى الفترة الأخيرة، أو حتى تقليل نسبتها، بل بالعكس ستزيد من هذه الظاهرة لأنه بإمكان الزوجة أن تشترط على الزوج ما تريد وما تشاء، والأهم فى هذا الموضوع هم الأطفال الذين ينجبون ثم بعد انتهاء الفترة المحددة يصبحون مشتتين وبعيدين عن أسرهم وعائلاتهم، لذلك سيزداد الأمر سوء، وفى هذا الأمر نعاني من قضية أخرى وهي التفكك الأسري وعدم الترابط.
وطالب "الخولي" جميع وسائل الإعلام والصحف بزيادة الوعي بمخاطر هذه التجربة، والآثار المترتبة عليها، وترسيخ مبادئ المحبة والمودة بين الزوجين، والبعد عن أي محاولات تهدم كيان الأسرة والحفاظ عليها، لأن على أساسها تبني المجتمعات، وحل كل ما يواجههم من مشكلات سواء اجتماعية أو زوجية بالتفاهم والمشاورة كما أمرنا وعلمنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
الزواج علاقة مقدسة
وفي نفس السياق، قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن مبادرة زواج التجربة تعد تلاعبا بالقوانين الإلهية والإسلامية، لذلك يجب أن يكون هناك مسائلة قانونية للمحامي الذي أطلق هذه المبادرة، لأنه دخل فى إطار لا يصح الحديث فيه، ويجب أن يكون متفهما للقوانين الإسلامية ودين الإسلام الحنيف، أو يستشير أحدا من رجال الدين فى مثل هذا الأمر أولا، الذي يرفض تماما التلاعب أو التشكيك فى العلاقات الزوجية، ولا يساير عاداتنا وتقاليدنا.
وأوضحت سامية خضر فى تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن مثل هذه المبادرة لا تساهم في تقليل حالات الطلاق كما تدعي، بل ستفتح أبوابا للشيطان وستهدم الحياة الزوجية، لافتة إلى أن كل رجل يقبل على الزواج لابد وأن يكون مقتنعا بأنها حياة أبدية وليست سنوية، وأن الزواج علاقة مقدسة.
وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أننا أصبحنا بعيدين عن الأمور الدينية، الأمر الذي ساهم فى انتشار مثل هذه المبادرات الخطيرة والعادات المخالفة لمجتمعاتنا، وأصبح كل من يريد أن يتحدث دون الرجوع إلى المتخصصين والخبراء فى هذا الموضوع.
وأكدت أن المظلوم فى هذا الأمر هم الأطفال الذين ينزلون إلى الحياة الدنيا لا يفقهون شئ، لذلك يجب أن يتم تكريم الطفل ونشأته فى بيئة مستقرة وآمنة فى إطار معقول، وليست محددة ومتفككة، لذلك هذا الأمر سيؤدي إلى التفكك الأسري.
وناشدت أستاذ علم الاجتماع وسائل الإعلام والمدارس والجامعات ورجال وعلماء الدين بالتوسع فى نشر الوعي، وعدم تناول الأمور من أطرافها والحديث عنها فى البدايات فقط، بل يجب التعمق والتوسع فى مناقشتها وإيجاد حلول لها، ومنعها إذا كانت تضر المجتمع وتهدد سلامته، مشددة على دور المجلس القومي للمرأة والجمعيات النسائية للوقوف فى وجه هذه المبادرة.
وثمنت أستاذ علم الاجتماع، رد الأزهر الشريف ورفضه التام لأي محاولات تشكك فى عظمة الزواج والحياة الزوجية، والتأكيد على الحب والوئام والرحمة والشفقة والمعاملة الحسنة بين الزوجين دون أي شروط أو ضغائن.
وأعربت عن أمنيتها بوقف مثل هذه المبادرات التى تعمل على تكسير وتفتيت المجتمع المصري، ومعالجة الدراما المصرية التى تكسر وتهدم فى العلاقات الزوجية عكس ما كانت تقوم به فى الماضي من ترسيخ مفاهيم الونس والتعاطف والشعور بالأمان والمسؤولية بين الزوجين وأنه عش هادئ وليس حرب مستمر، موضحة أن الأسرة فى علم الاجتماع هى النواة الأولي للمجتمع إذا انكسرت انكسر المجتمع.
دعوة مغلوطة
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طه أبوالحسن، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن ما قاله المحامي وما أطلقه من مبادرة تحت عنوان "زواج التجربة" دعوة مغلوطة ولا تستند إلى علم أو دليل، ولا يوجد صيغة زواج بمثل هذه الطريقة لا فى الإنسانية أو الإسلام.
وأكد أبو الحسنفى تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن ما يقوله الأزهر الشريف لا كلام بعده، ويجب الانتباه والالتزام بما يقوله، فهو قادر على الإمساك بزمام الأمور وما هو أصلح للبشرية والمجتمع، وترسيخه لقيم ومفاهيم المودة والرحمة والتشاور والتفاهم بين الزوجين هو الأمر الصحيح والمتعارف عليه منذ أقدم العصور، والذي يساير ويماشي عاداتنا وتقاليدنا وقبل ذلك ديننا وإسلامنا الحنيف.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن هذه المبادرة ستؤثر بالسلب على النظام الأسري ومجتمعاتنا، واستمرار المشدات والعداء بين الزوجين وفق الشروط والمحددات التى يتم وضعها، لافتا أن مثل هذه المبادرة تسرى على الحيوانات وليس الإنسان، لأن الحياة الزوجية مستمرة وممتدة لأجل لا يعلمه أحد ولا يمكن أو يجوز لأحد أن يحدد مدة لاستمراره.
وأشار إلى أن هناك دور كبير يقع على عاتق وسائل الإعلام ورجال الدين من خلال البرامج النسائية والدراما المقدمة ودورها فى نشر الوعي وتعزيز القيم المجتمعية الحميدة، بالإضافة إلى وجود إشراف ورقابة على ما تقدمه السوشيال ميديا، مما يؤثر بالسلب على العلاقات بين الزوجين والانسياق ورائه دون وعي ودراية.
وطالب أبو الحسن بعدم الانسياق وراء هذه المبادرات التى تسعي لهدم المجتمع، وتهدد السلام الاجتماعي داخل الكيان الأسري، آملا بالحفاظ على العادات والتقاليد المصرية القائمة على الحب والمودة والرحمة بين الزوجين، وليس على العدوان والصراع، مشددا على ضرورة زيادة البرامج الموجهه للمرأة وكيفية تعاملها مع الزوج وأيضا تعامله مع الزوجة، وللأطفال وتوعيتهم بأهمية الأسرة ودورها فى بناء المجتمعات، وترسيخ القيم والمبادئ الدينية.