المساواة بين
الجنسين حق من حقوق الإنسان، ومن حق النساء أن يعشن بكرامة ويتحررن من الحاجة
والخوف والعنف، وتعتبر المساواة بين الجنسين أيضاً شرطاً لتطوير التنمية وخفض نسب
الفقر، ويساهم تمكين النساء إيجاباُ في صحة، وإنتاجية كافة المجتمعات الصغيرة
والكبيرة، وهو أمر يساهم بدوره في تحسن الفرص للأجيال القادمة .
ورغم الأدلة
القوية التي تظهر مركزية دور تمكين المرأة في خفض نسب الفقر، وتحقيق التنمية،
ومجابهة التحديات العالمية الأكثر إلحاحا، تظل المساواة بين الجنسين وعداً لم
يتم الإيفاء به، وحلماً لم يتحقق حتى يومنا هذا، فالأدوار التي يقوم بها الرجال
والنساء في المجتمع غير محددة وفقاً للمعايير البيولوجية، إنما هي محددة
اجتماعياً، وهي متغيرة أو قابلة للتغيير، ورغم محاولات تبرير هذه الأدوار من
البعض باعتبارها مقتضيات قائمة على اعتبارات ثقافية ودينية، إلا أنها تتباين
بصورة كبيرة حسب المكان، وتتطور عبر الزمن، وهو ما يتطلب التعزيز الفاعل للمساواة
بين الجنسين أيضا .
ولعل من ضمن
الموروثات الشعبية الثقافية بالغة الإجحاف والظلم للنساء بمجتمعاتنا الشرقية،
والتي تتحدى كافة أحلام المساواة (الحقيقية) المنشودة هو ما تم تربيتهن عليه، من
أن أمنها وأمانها هو في أنها (تتستت في بيت راجل)، وأن يتولى هذا الرجل الشهم
مهمة الإنفاق عليها، ويكفيها شر الحوجة !، وللأسف هذا المفهوم الذكوري البغيض
ساعد علي ترسيخه على مدار أجيال متعاقبة عدد من النساء بأنفسهن، فكن أكثر تمييزاً
ضد بنات جنسهن أكثر من غيرهن، ولا أظن أن هذا المثل المتجذر بالعقل الجمعي الشعبي،
دعا إليه رجلاً ، أو أنه هو من روج إلى نشر هذا المفهوم الظالم للمرأة، وكذا غير
المعترف بأنها كائن يتمتع بكافة حقوق الرجل وأيضاً مماثل له في العقل والشخصية لا
ينقص عنه شيء، فإن اختلاف الرجال والنساء من بعض النواحي الفسيولوجية إنما هو
اختلاف قائم على حكمة التكامل بين الجنسين، فلا رجال بدون نساء، ولا نساء بدون
رجال، اختلاف وجد لحكمة ربانية ليست فقط لمهمة عمارة الكون والتناسل، ولكن ليجد
الرجل من يكون له سكن وسند، وعقل آخر يفكر معه ويبوح إليه بمكنون أسراره، وبما
يعتمل بصدره من فرح أو غضب أو هم، فالمرأة مخزن أسرار الرجل، وفي ذات الوقت هي أيضاً
تري فيه الشريك والسند والظهر وقت الملمات والشدائد، فهو أخ وأب وابن وصديق، حاجة
كدة آخر لخبطة ومزيج صعب فصل أجزائه المتشابكة المتجانسة الممتزجة عن بعضها البعض،
مزيج رباني مغلف بشعور إنساني رائع وجميل، ولكن .......
ولعلني أكاد أجزم
بأن هناك من يريد تغيير ما خلقنا من أجله، وما خلقنا عليه من طبيعة ربانية جُعلت
فيها حالة التكامل بين الذكر والأنثى قائمة على الاختلاف، وخلق حالة من جبر النقص
الحاصل في كل طرف بما يكمله لدي الطرف الآخر، فمن يزرع داخل عقول بناتنا منذ
الصغر، أن أمانهن هو في وجودهن في كنف رجل يتولى شئونهن، فهو خاطئ ولا يريد لهن
الخير، فلو أنها أعملت العقل للحظات، لعرفت أن أمان المرأة هو في كمال عقلها
وتسليحها بالعلم والخبرة اللازمة لمواجهة تحديات الحياة، وجعلها شخص قادر علي
الحياة مستقلاً عن الآخر، ولا اقصد هنا أن تتخلي النساء عن الرجال أو العكس،
ولكنى أتحدث عن أن ظروف الحياة ربما تعصف بها، فيموت الزوج أو يمرض أو حتى ينفصلا
ويتفرقا، فما الحل بعد أن ذهب عنها وتركها (ضل الراجل) وتركها تواجه المجتمع
بمفردها، ربما تكون غير متعلمه، أو ربما تكون غير قادرة علي العمل والكسب، أو حتى
متعلمة ولكنها غير مؤهلة للعمل بعد سنوات طوال في قضتها في ظل نظرية (ضل الراجل).
مشكلة سمعت عنها
عن خلاف حدث بين سيدة وزوجها، وهي مشكلة تكاد تكون متطابقة ومتكررة ولكن مع اختلاف
في الأسماء والأبطال لكل قصه منهم، فالسيدة التي اعرفها تمام المعرفة لا تدخر
جهد لخدمة زوجها والوقوف بجانبه، ومواجهة كل ما يتعرض له من مواقف صعبة وظروف
مادية قاسية جعلتها تتخلى عن الكثير والكثير من حقوقها عليه، ولم يقتصر الآمر علي
هذا فقط، بل إنها كانت نعم الزوجة تجاه أهله، وفي المقابل.. كان هو شحيح ليس فقط
في الإنفاق، ولكن الشح الأكبر كان في مشاعره وعواطفه تجاهها، فهو يتمتع بفكر مختل
قائم علي أن الزوجة جارية اشتراها بدراهم معدودات من سوق النخاسة، ومن ثم فلا حقوق
لها إلا ما يجود بها هو عليها، ولما لا فهو الرجل، أو يظن أن الرجولة هي كلمة فقط
يطنطن بها أحياناً، ولكنه يقيناً يجهل معناها .
ظلت تلك السيدة
حمولة صبورة، تتلقى الإهانات وتتحمل قسوة العيش وسوء المعاملة، والبخل حتى في
المشاعر، حتى تناست أن لها حقوق، وأنها إنسان كامل له حقوق يجهلها هذا الرجل،
فشابت قبل أوانها وكست ملامح الحزن قسمات وجهها، فحولتها إلى عجوز وهي مازالت
شابة
.!
ولم تتوقف
معاناتها عند هذا الحد، بل إنه مطلوب منها أنها تتلقي الإهانات راضية فرحة، بل وأنها
هي من تأخذ بزمام المبادرة للاعتذار للزوج المتجبر بعد كل واقعة اعتداء يمارسها
بحقها سواء بدنيا ونفسياً، ولما لا فقد رسخ بداخلها أنه لا أمان إلا في كنف هذا
الزوج الأناني، والذي حولها إلى تابع ذليل مسلوب الإرادة ، ولا أدعي أنه هو من
وضع بعقلها هذه الفكرة الخاطئة، ولكنها أكيد سمعت من غيرها تلك العبارة (ضل راجل
ولا ضل حيطة)، ومن ثم فإنني أهمس لكل أب ولكل أم، وأنا منهم طبعاً، بأن أمان بنتك
هو في تنمية شخصيتها وتسليحها بسلاح العلم، والقدرة على العمل والاستقلالية
والتدريب علي مواجهة مصاعب ومفاجآت الحياة وتقلبات الدهر، علموها أنها كاملة لا
ينقصها شيء، وأنها قادرة علي صنع ما يعجز الرجال عنه، فهي نصف المجتمع، وتلد
وتربي وتقوم على شئون النصف الآخر، علموها أنها قادرة على صناعة واقع أفضل لها
ولأسرتها ولوطنها .