الإثنين 17 يونيو 2024

الإرهاب والعنف فى منظور الحبر والإمام

3-5-2017 | 11:15

 

جاءت زيارة البابا فرنسيس لمصر استجابة لدعوة من الأزهر الشريف لحضور مؤتمر السلام الذى يقيمه الأزهر، وقد حضر البابا المؤتمر واستمع لكلمة شيخ الأزهر وعانقه بعدها، كما التقى البابا الرئيس السيسى وألقى كلمته فى فندق الماسة، والتقى البابا تواضروس فى الكنيسة البطرسية التى هاجمها الإرهابى “محمود شفيق” وقتل أثناء الصلاة ٢٩مصليا، ووقع وثيقة للتقارب الكاثوليكى – الأرثوذكسى ودعا للتقارب المسيحى الإسلامي،
وقبل أن يغادر مصر ترأس فى استاد الدفاع الجوى قداسا احتفاليا حضره الآلاف من المصلين من الطائفة الكاثوليكية التى يبلغ تعدادها فى مصر ٢٧٠ ألفا، ثم التقى كهنة المستقبل الذين يدرسون فى معهد دينى كاثوليكى فى جنوب القاهرة قبل مغادرته مصر فى زيارة استمرت ٧٢ ساعة وكانت عنوانا للسلام والمحبة والتطمين للمسيحيين المصريين.

 

 

أشار البابا فى كلمته لما أطلق عليه العنف الأعمى وغير الإنسانى والذى تمنى ألا تقع فيه مصر، وأرجعه لعدة عوامل هي: الرغبة الجامحة فى السلطة وتجارة الأسلحة والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرف الدينى الذى يستخدم اسم الله القدوس لارتكاب مجازر ومظالم مريعة.

ويشير البابا إلى ضحايا الإرهاب من رجال الشرطة والقوات المسلحة والمسيحيين سواء بالتهجير من سيناء أم بالهجوم على الكنائس وتفجيرها، ويقدم التعازى لأهاليهم، ثم ينتقل للمشهد العالمى البالغ الحساسية ويعتبره حربا عالمية على أجزاء، ويشير إلى أنه لا يمكن بناء الحضارة دون التبرؤ من أى أيديولوجية للشر والعنف، والتبرؤ من التفسيرات المتطرفة التى تستهدف الآخر وتسعى لإلغائه وإبادة التنوع عن طريق التلاعب باسم الله القدوس والإساءة إليه.

ويمضى لتوضيح ضرورة أن تعرف الأجيال الجديدة أن الله سبحانه ليس بحاجة إلى حماية من البشر وأنه سبحانه هو الذى يحميهم، ويشير إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يرغب فى موت الإنسان بل يدعوهم إلى السعادة والحياة، كما أنه سبحانه وتعالى لا يطلب العنف ولا يبرره وإنما يرذله وينبذه.

ويشير البابا إلى ضرورة فضح من يبيعون «أوهام الآخرة”، الذين يعظون بالكراهية كى يسرقوا من البسطاء حياتهم الحاضرة وحقهم فى العيش بكرامة، ويحولوهم إلى وقود لحرب حارمين إياهم من الاختيار بمسئولية.

وهو يقصد هنا الذين يستخدمون الدين والتلويح للشباب الصغير بأن من وراء أعمالهم الإرهابية ستكون الجنة، ملهبين خيال الشباب الذين لم تعركهم الحياة ولم يصلوا إلى مستوى من النضج يمكنهم من القرار بحرية والاختيار بعقل ومسئولية.

العنف والإرهاب فى منظور شيخ الأزهر

يشير شيخ الأزهر إلى أن الحضارة الحديثة وفلسفاتها الحداثية ومابعد الحداثية التى تهمش وتتجاهل الأديان السماوية وقيمها الخلقية الراسخة الثابتة وعلى رأسها قيمة الأخوة والتعارف والتراحم بين الناس والتذكير بأنهم جميعا عيال الله وأن أحبهم له سبحانه وتعالى أنفعهم لخلقه .

يدعو شيخ الأزهر إلى عدم الانطلاق نحو فلسفة غربية ذات طابع إلحادى يضخم ذات الفرد والإنسان فى مواجهة الله سبحانه وتعالي، ذلك أن المآسى البشرية التى يواجهها العالم العربى والعالم ترجع إلى تجارة السلاح وضمان تشغيل مصانع الموت والإثراء الفاحش من صفقات مريبة تسبقها قرارات دولية طائشة.

يؤكد شيخ الأزهر أن الخروج من حالة السياق العام المنتج للعنف والإرهاب يكون بالعودة إلى الدين والتداوى من صيدليته وترياقه لمنح الإنسان الشفاء من الأمراض التى أعضلته بها الفلسفات والسياسات الحديثة، وهذا الترياق يكون مستمدا من قيمة الأخوة والتراحم، وإبراز قيم العدل والمساواة، واحترام الإنسان أيا كان دينه ولونه وعرقه.

يدعو شيخ الأزهر إلى تحرير الدين وتنقيته مما علق به من أفهام مغلوطة وتطبيقات مغشوشة وتدين كاذب يؤجج الصراع ويبث الحقد والكراهية ويبعث على العنف، وهو هنا يعتبر ذلك جوهر تجديد الخطاب الدينى.

وينافح الشيخ عن الدين الإسلام ويعتبر أن القلة المجرمة التى اختطفت بعض نصوصه وأولوها تأويلا فاسدا، وذهبوا يقتلون الناس ويسفكون دماء الأبرياء ويجدون من يمدهم بالسلاح – هؤلاء الإسلام بريء منهم ولا يجب أن نحاكم الإسلام بجرائرهم وجرائمهم.

ويعتبر شيخ الأزهر أن المسيحية ليست دين إرهاب لنزوع طائفة منها حملت الصليب وقتلت الناس باسمه من دون تفرقة بين رجل أو امرأة أو طفل أو مقاتل وأسير، وكذلك اليهودية ليست دين إرهاب بسبب قيام قلة بتوظيف تعاليم النبى موسى عليه السلام فى احتلال أراضى فلسطين والتى راح ضحيتها الملايين.

كما يعتبر الشيخ أن الحضارة الأوربية ليست حضارة إرهاب ولا الحضارة الأمريكية بسبب أن الأولى نشبت على أرضها وبسبب سياسات قادتها حربان عالميتان كبيرتان راح ضحيتهما ما يزيد على ٧٠ مليونا، ولا أن الثانية هى التى استخدمت القنبلة النووية لأول مرة فى تاريخ الإنسانية فدمرت هيروشيما ونجازاكى بما عليهما من بشر وحجر.

يوضح الشيخ فى لغة واضحة أن هذا العنف والإرهاب انحراف عن نهج الأديان ومنطق الحضارات، وأن اتهام البعض فى الغرب والشرق للإسلام بأنه دين للإرهاب لو تم فتح ذلك الباب فإنه سيقود إلى أنه لن يسلم دين ولا حضارة ولا نظام ولا تاريخ من تهمة العنف والإرهاب.

خلاصات ونتائج لرؤية الشيخ والحبر

اتفق الاثنان على أن تجارة السلاح والرغبة الجامحة فى السلطة والمشاكل الاجتماعية الكبرى ثم وهذا هو الأخطر استخدام اسم الله الرحمن الرحيم فى الدعوة للقتل وباسمه، وهو ما عناه شيخ الأزهر بتحرير الدين من تلك الفئة التى تستخدمه للدعوة والكراهية والعنف.

يتفق الرجلان على أن التبرؤ من التفسيرات المتطرفة للدين التى تستخدمه لإقصاء الآخر والقضاء على التنوع الإنسانى والبشرى وهو ما عناه شيخ الأزهر بالتدين الكاذب الذى يؤجج الصراعات ويدعو لبث الحقد والكراهية والدعوة إلى العنف.

يتفق الرجلان على ضرورة العودة إلى القيم الدينية الأصيلة القائمة على روح المحبة والتسامح والأخوة والتراحم والتكافل بين الناس، ذلك أن التأكيد على هذه القيم سينزع روح الكراهية والحقد والعنف التى قد تقود إليه السياسات والمصالح والفلسفات الدنيوية.

يركز الرجلان على احترام الحياة الإنسانية والحفاظ عليها وحمايتها، وينددان بمن يتلاعب بالدين وبعقول الشباب لأخذهم وقودا فى معارك وحروب لا يعرفون أبعادها ولا يدركون نتائجها.
يؤكد الرجلان أن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أن يُقتل إنسان لأجله، فهو سبحانه من يحمى حياة الناس ويدعو لإسعادهم وتحقيق حياة حسنة تريحهم وتحقق الرضا لهم، ومن ثم فإن الله لا يحب قتل الإنسان لنفسه بل يحب حماية الحياة وحفظها.

الأديان جميعها مبرأة من الإرهاب، وأن قلة مجرمة اختطفت النصوص واستخدمت رموزا دينية لا يعنى محاسبة أهل الدين كله أو الدين نفسه، وإلا فإن ذلك سوف يفتح بابا لعدمية الحضارة وهدف الوجود والحياة والإنسان والعصر والعالم، وهذا منهج الإرهابيين، أما المنهج الصحيح فهو التمييز بين الدين وغالبية أهله وبين القلة المجرمة التى تحاول التشويش على الأديان ووضعها موضع الاتهام.