الإصرار والصمود ومواجهة الصعاب كانوا حلفائها، قطعت رحلة طويلة من
المعاناة وتحمل الهموم والمسؤولية، عاشت حياة بسيطة ومؤثرة لا تشبه القصص التي نقرأها
في الصحف والروايات، امرأة قهرت المستحيل وحاربت الظروف كي تصنع مجدًا خاصًا
وفريدًا من نوعه، حُـرمت من أحلامها ولكنها أصرت أن تواجه الزمن وتغير مسار وأسلوب
حياتها، حتى تذوقت طعم نجاحها والذي حاربت
من أجله.
كما أن الظروف التي عاشتها إسراء السيد رجب المُقيمة
بقرية الفاروقية التابعة لمركز بنها محافظة القليوبية، هي التي جعلتها تحول
أحلامها البسيطة إلى واقع حقيقي.
والتقت بوابة الهلال اليوم إسراء، للتعرف على المشكلات التي واجهاتها، وكيف استطاعت التغلب عليها وتحويل أخلامها إلى واقع.
تحدي الظروف
قالت إسراء، إنها كانت تعيش في أسرة ميسورة الحال
لأب يعمل في قطاع الإسكان، وأم مصرية أصيلة تعمل لخدمتهم وقضاء احتياجاتهم.
وأشارت إسراء إلى أنها كانت تعيش في بداية حياتها في وضع مستقر، وكانت طالبة تذهب إلى مدرستها وترى حلمها البعيد من
حافة القرية التي تسكنها، اجتهدت كثيرًا حتى تحقق هدفها وتلتحق بكلية من كليات
القمة، ولكن الحظ لم يكن حليف إسراء في هذه الفترة، حيث مرضت والدتها
وحكم عليها مرضها بالعجز عن الحركة والمكوث في السرير، في هذا التوقيت كانت إسراء
على مشارف الانتهاء من المرحلة الإعدادية، وكانت ترى اليوم الذي تدخل فيه المدرسة
الثانوية التي تعد خطوة من خطوات تحقيق حلمها للوصول إلى القمة.
وفي ظهر يوم من أيام عام 2012، ظهرت نتيجة
الإعدادية، وكانت إسراء من ضمن أوائل المدرسة والأعلى في الدرجات من بين زملائها،
كادت إسراء أن تستمر في مسيرتها التعليمية وتدخل مدرسة الثانوية العامة وتلتحق
بالشعبة العلمية، ولكن اشتد مرض والدتها وأصبحت تحتاج إلى الاهتمام والرعاية، لم
يكن هناك حل لدى إسراء سوى أن تتخلى عن حلمها وتكتفي بالتقديم في المدرسة الفنية
الصناعية للبنات، حتي يمكنها التفرغ لرعاية والدتها والاهتمام بسد متطلبات واحتياجات
المنزل.
طريق صعب
وأضافت أنه بعد دخولها المدرسة الفنية، تقدم أحد الشباب
لخطبتها، كان يُحبها كثيرًا ويرى فيها الخير الذي خبأته دنياه عنه، ساندها في
أوقاتها العصيبة، وشجعها كثيرًا وأخلص لها بشكل مبالغ فيه، وانتهى المطاف بهما بعد أن عاشا قصة حب جميلة وفي إطار مميز، إلى تحديد موعد
الزواج.
استكملت إسراء حديثها قائلة،"تشتت رأسي، حاطه
ألف خطة، وعاملة ألف حساب، عشان أمي هتبقى لوحدها وإخواتي كلهم متجوزين منهم اللي مسافرة مع جوزها واللي ساكنه بعيد، مين يشيل أمي ومين يراعيها هي وأبويا"،
مؤكدة أن يوسف زوجها الحالي قال لها حينها ألا تترك مجالًا للقلق أن يتخلل
داخلها، وأنه سيتركها تتناوب على والدتها يوميًا وبين الحين والآخر حتى تقضي لها
متطلباتها.
حياتها الآن
وتابعت: "وافقت على هذا الاتفاق وتزوجت يوسف، وتخيلت أنني سأعيش ولو وقت قصير من الراحة والسكون، ولكنني لم أسعد بأجمل لحظات
حياتي في بداية زواجي رغم سعادتي بزوجي وأسرته ولكنني عانيت كثيرا وأصيب جسدي
بالعديد من الأعراض المرضية التي جعلتني أتردد كثيرًا على الأطباء والمُعالجين، وتناوبت على بيت أمي لخدمتها وبيت أسرة زوجي كذلك بشكل يومي، كنت أريد أن أحيا حياة
سعيدة ومليئة بالبهجة والراحة".
واستطردت إسراء: "بعد مرور شهر من زواجي، أتتني بشرى عظيمة وهي
وجود جنين يتنفس في رحمي، كنت في قمة سعادتي، كنت أود أن أطير إن كنت أستطيع
الطيران، فأزال هذا الخبر كل الهموم والآلام التي أحملها على رأسي وفوق أكتافي،
حذرني الطبيب من الحركة بشكل كبير والإفراط في الطاقة، ولكن لم أستطع فهناك العديد
من البشر معلقين في رقبتي وخدمتهم واجب لابد من أدائه.
مرت شهور الحمل الذي وصفته إسراء بالحمل الشاق
المغمور بالسعادة، موضحة ذلك بأنها تعبت جسديا كثيرًا في حملها كما أنها لم تستطع
التخلي عن والدتها ولا عن أسرة زوجها في خدمتهم، وبالرغم من ذلك فإنها كانت في قمة
سعادتها بأداء هذه المهام.
وبعد معاناة وضعت إسراء صغيرتها "نورين"، وكانت لحظة ولادتها من أسعد اللحظات عند والدتها كما لو أنها لم تحظ بشعور مثل هذا من قبل.
مواجهة أعباء الحياة
وقالت إسراء: "زادت أعباء الحياة
وأصبح لدينا مولود جديد وزوجي يعمل باليومية، فكيف لنا أن نوفر كل احتياجاتنا دون
أن نلجأ لأحد، هذا السؤال كان يجول دائمًا في خاطري حتى قررت أن أعطي دروسًا
تأهيلية للأطفال فيما هم تحت الـ6 سنوات بأسعار رمزية ومناسبة لكل أهل القرية.
اجتهدت إسراء وأحبها كل أطفال القرية وبدأوا
يتناوبون عليها جميعًا وزاد الدخل وأصبحت تساعد في مصروف المنزل، واستمر الوضع
هكذا لمدة سنة.
وبعد مرور هذه السنة، حملت إسراء للمرة الثانية،
وزاد مرض والدتها بشكل أكبر، وكانت حينها مجبرة على تحمل كل هذه المسؤوليات التي
فُرضت عليها، عانت إسراء كثيرًا إلى أن فرغت طاقتها بالكامل وأصبحت غير قادرة على
تحمل أي عبء آخر.
تعلقها بوالدتها
تعلقت إسراء كثيرًا بوالدتها، تمنت لو أنها تظل
مريضة وتظل عاكفة على خدمتها كل العمر، مقابل ألا يخيب القدر ظنها ويمحي
أُمنيتها ويأخذ حبيبتها بعيدًا في مكان لا تستطيع فيه سوى محاوراتها دون أن تراها
أو تجد منها جوابًا، ولكن بالفعل لعب القدر لعبته معها وأخذ مصدر قوتها في
الحياة، أخذ مقلة عينها ومهجة فؤادها، وأصبحت إسراء كما تروي لنا منذ هذا اليوم لا
تشعر بطعم الفرح ولا الحزن بدون أمها.
بعد وفاة والدتها بحوالي شهر، وضعت إسراء ابنها
الثاني، ومع الظروف التي أطاحت بالبلاد، أعاقت الكورونا الكثير من الأعمال منها
دورتها للأطفال وعمل زوجها الذي يعمل باليومية.
وأشارت إسراء إلى أنها بكت كثيرًا وفكرت في تأمين
عائلتها وسد احتياجاتهم ومساندة زوجها، فقررت أن تقوم بعمل منتجات بخامات جيدة
ومضمونه وتبيعها في السوق بسعر يتناسب مع جميع الطبقات.
بدأت إسراء مشروعًا صغيرًا من خلال مطبخ شقتها،
قامت بعمل التورت والجاتوهات وجميع أنواع الحلويات بالاستعانة بوصفات اليوتيوب
والإنترنت ونشرتها على حالات الواتساب لزملائها وأقاربها.
وأشارت إسراء إلى أن الجميع تفاعل مع هذه الحالة
ووجدت بعض الطلبات من الأصدقاء لأعياد الميلاد والمناسبات الخاصة، منوهه أن أحد
الأصدقاء نصحها بأن تقوم بتفعيل صفحة على فيس بوك تعرض من خلالها منتجاتها فاستجابت
للنصيحة وقامت بعمل مجموعة على فيس بوك بالفعل، لاقت المجموعة تفاعلًا كبيرا من
الأصدقاء والمعارف وغيرهم.
وعلى الصعيد الآخر، استكملت حديثها قائلة: "رأيت دعوات أمي تتحقق، كل يوم بلاقي طلبات على حاجتي والناس عاجبها جودتها وسعرها،
شايفة حلمي بيتحقق بكرم ربنا ودعوة أمي".
واختتمت إسراء: "أسعى لتوسيع مشروعي وعمل كل أصناف
المأكولات والحلويات، وأتمنى من الله أن يرزق زوجي ويرحم أمي ويرفع البلاء والوباء
عن الأمة الإسلامية".