الأحد 29 سبتمبر 2024

البابا يدعو من مصر إلى فضح باعة أوهام الآخرة

3-5-2017 | 13:32

بقلم –  محمود الحضرى

اختار البابا فرنسيس بابا الفاتيكان ليطلق دعوة مهمة جاءت فى متن كلمته فى المؤتمر العالمى للسلام، من خلال عبارة بسيطة وواضحة ومُعبرة قال فيها “علينا واجب أن نفضح باعة أوهام الآخرة”، فهذه العبارة لخص بها البابا فرنسيس حجم الوهم الذى يبيعه دعاة التطرف والفتنة من الإرهابيين والدواعش، وكل من على شاكلتهم للشباب والأجيال الجديدة لتفجير أنفسهم، وارتكاب جرائم ضد أبناء وطنهم والمسلمين والآمنين فى بيوتهم، بزعم أن ذلك هو الثمن لحياة الآخرة، والنعيم الوهمي، والارتماء فى أحضان «حور العين».

عبارة البابا جاءت واضحة وصريحة، لحماية أجيال يتم الكذب عليهم، وإيهامهم بالآخرة «المزيفة» بالقتل والدماء، إلا أن كل الأديان من مثل هذا بريئة، ومن هنا دعا البابا فى رسالته للعالم بأن هناك مسؤولية مشتركة على الجميع بفضح هؤلاء الكارهين للحياة والأمن والاستقرار فى العالم، وعلينا فضح «الذين يعظون بالكراهية كى يسرقوا من البسطاء حياتهم الحاضرة وحقهم فى العيش بكرامة، ويحولونهم إلى وقود حرب، حارمين إياهم من إمكانية أن يختاروا بحرية، وأن يؤمنوا بمسؤولية».

وكلمات البابا تعانقت مع كلمات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر من أجل محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، وهذا العناق الحميمى أثبت للعالم أجمع أن الإيمان والعنف لا يجتمعان، فيما جسدت القبلات، ووفق ما أجمع عليه المحللون، أن الأديان بريئة من كل ما هو عنف، كما قدمت الزيارة واللقاءات المكثفة مع الرئيس السيسى وشيخ الأزهر والبابا تواضروس رسائل واضحة تفضح الإرهاب والإرهابيين، ومن يقف خلفه وبدعم من دول أو جماعات أو مؤسسات أو منظمات أو حتى أفراد.

كلمات البابا كانت واضحة وسريعة تؤكد أن العنف وراءه مستفيدون، وجسدت كلماته هذا المعنى عندما قال «العنف الأعمى وغير الإنسانى ناتج عن الرغبة الجامحة للسلطة، وتجارة الأسلحة، والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرف الدينى الذى يستخدم اسم الله القدوس لارتكاب مجازر ومظالم مريعة».

ولخصت وسائل الإعلام العالمية حجم الحفاوة التى جرى استقبال بابا الفاتيكان بها على أرض الكنانة وخصوصاً اللقاء المهم مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بأنها أحضان ضد الإرهاب والعنف ومن أجل السلام لكونه هو طريق الاستقرار، وأنها زيارة وأحضان ضد العنف ومواجهته، وأن الاتفاق العام بين الإسلام والمسيحية هو “معاً ضد التطرف”، وهذا نتاج اللقاءات مع شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

ويمكن القول إنه وخلال حوالى ٢٧ ساعة هى مدة زيارة البابا فرنسيس لمصر، كانت مصر محط أنظار العالم، والتى يبنى عليها الكثيرون فى محاربة الإرهاب المتستر وراء الدين، كما قال البابا نفسه «دور مصر لا غنى عنه فى الشرق الأوسط وبين البلدان التى تبحث عن حلول للمشاكل الملحة والمعقدة، والتى تحتاج إلى معالجة فورية، لتفادى الانحدار فى دوامة عنف أكثر خطورة».

والدور الذى على مصر «بسبب تاريخها وموقعها الجغرافى الفريد»، كما «لدى مصر واجب فريد، .. واجب تقوية وتعزيز السلام فى المنطقة، على الرغم من كونها جريحة، فوق أرضها، نتيجة للعنف الأعمى، والذى تسببت فى آلام للعديد من الأسر.

وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية الشديدة التى صاحبت زيارة البابا لمصر، إلا أن إصراره على الإقامة فى وسط العاصمة القاهرة، وفى مقر سفارة الفاتيكان، وإصراره على ركوب سيارة مكشوفة خلال قداس السبت الماضى باستاد الدفاع الجوى ورفض ركوب سيارة مصفحة، رسالة مهمة للعالم على أن مصر آمنة، وأن لديه ثقة فى الأمن المصري، رغم الأحداث التى سبقت الزيارة واستهدفت إلغاءها.

ولاشك أن زيارة قداسة البابا للأزهر الشريف هى رسالة دعم للحوار بين الأديان وترسيخ قيم التعايش المشترك وزيارته لبطريركية الأقباط الأرثوذكس رسالة مهمة لتعزيز الوحدة المسيحية، وتؤكد رسالته الرئيسية لدعم السلام والحوار بين الطوائف والأديان المختلفة من أجل نشر رسالة المحبة والسلام بين كل شعوب العالم وأن الإرهاب لن يستطيع هدم مصر مهما فعل. 

أتمنى أن يكون لدى الجهات المختصة بمختلف تخصصاتها فى البلاد خطط للتوظيف الأمثل لتعزيز نتائج الزيارة فى تعزيز السلام والحوار بين الأديان، وأن صلاته فى قداس استاد الدفاع الجوى رسالة أن مصر بلد آمنة وأن الحوادث الإرهابية التى تحدث بمصر مثلها مثل تلك التى تحدث فى كل بلدان العالم، مع أهمية توظيف ما أكدته الزيارة أنها تقدير من أعلى رأس على الكنيسة “الكاثوليكية” والتى يتبعها نحو ١,٥ مليار مسيحى حول العالم، على دور مصر فى نشر السلام ومحاربة التطرف والإرهاب.

وأتمنى أن يتحول ما أعلنته الرئاسة بتأكيدها مواصلة العمل مع بابا الفاتيكان من أجل تكريس التسامح والسلام والتعايش إلى برامج تنفذها جميع الجهات، ولاشك أن هناك فوائد اقتصادية خاصة فى المجال السياحي، ولا يجب أن نكتفى بالتصريحات التى جاءت على لسان وزير السياحة والتى قال فيها «إن زيارة البابا فرنسيس لمصر دعاية كبيرة على مستوى كل المجالات وأكبر دعاية للسياحة المصرية»، بل يجب أن تتحول التصريحات إلى برامج عمل تجوب العالم لدعم الحركة السياحية إلى البلاد، خصوصاً أن نجاح زيارة البابا هى رسالة دعم لمصر ضد كل أشكال الإرهاب، وأنها آمنة لاستقبال الزوار من بقاع العالم.

وهل هناك أكثر من هذه الكلمات يمكن توظيفها لصالح البلاد ضد كل حملات التشويه التى يرتكبها أعداء الوطن، «مصر التى فى زمن يوسف أنقذت الشعوب الأخرى من المجاعة، مدعوة اليوم لأن تنقذ هذه المنطقة العزيزة من مجاعة المحبة والأخوة، مدعوة لإدانة وهزيمة أى عنف وأى إرهاب، مدعوة لتقديم قمح السلام لجميع القلوب الجائعة لتعايش سلمي، لعمل كريم، ولتعليم إنساني. مدعوة لإثبات أن «الدين لله والوطن للجميع»، كما كان شعار ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وتلك هى مصر التى بيدٍ تبنى السلام وبالأخرى تحارب الإرهاب»...

كل كلمة من تلك العبارات برنامج ترويجى بالمجان.