الإثنين 29 ابريل 2024

جمال حمدان في حضرة «السيسي»

أخرى24-1-2021 | 21:03

في حضرة الرئيس، كعادة الافتتاحات الرئاسية، يكونُ هناك وزراء وبرلمانيين ومسئولين وإعلاميين، يجلسون وفق ترتيب مراسمي مُنمق، ليحكم المُتحدثين برنامج زمني صارم، يُحدد بدقة من بإمكانه اعتلاء المنصة للحديث أمام الرئيس، ولكن خلال الافتتاح الأخير أمس، ظهر على المنصة مُفكرٌ من طرازٍ خاص، اعتلى على غير عادته الانطوائية المنصة دون استئذان، ليفرض نفسه على الحدث، وتطل روحه بذات الهيئة التي عرفناه بها، نظرةٌ قلقة، وفمٌ مُطبق، لايُغادر مرفأ الصمت إلا نادراً، بينما قلمه لايكفُ عن صياغة الدراسات بعقلِ مُفكر، وضميرِ مُواطن، ورؤيةِ فيلسوف.


  يقولون: "لا كرامة لنبي في أهله" .. وأقولُ : "لا كرامة لمُفكر في عصره" .. فأطروحات المفكرين ونظرتهم للحاضر والمستقبل، تُثبت دوماً أنها خارج حدود الزمان والمكان، بل في اتساع الكون كله، فالمفكرين في كل عصر لاحقتهم تُهم الإلحاد والهرطقة والجنون لمجرد محاولة النيل من المعتقدات السائدة، والإبحار عكس التيار، بينما كُتب لبعضهم مشهد النهاية على نحو غامض لم تُفكُ طلاسمه حتى الآن، من بينهم هذا المفكر الذي اخترق خصوصية الحفل المهيب، وأطل في حضرة الرئيس كالطيف دون استئذان، ليطرح فكرة عمرها نحو 40 عاماً لكنها قابلة للتطبيق في هذا العصر.

 

المفكرُ جمال حمدان، كان أيقونة الافتتاح الرئاسي الأخير في محافظة بورسعيد، من منظور رؤيتي الخاصة، أولاً لأن ظهوره على المنصة كان بدعوة رسمية من رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، من خلال اقتباس نص يعود لـ "حمدان"، في لفتة تحمل معاني التكريم الذي يستحقه هذا الراحل العظيم، فضلاً عن أن النص الذي تم اقتباسه، كان يُلخص بدقة أحد المُشكلات العويصة التي مثلت تحدٍ هائل نال من جهود التنمية في الماضي، وكان يهدد المستقبل لولا تنبه القيادة السياسية وإصرارها على المواجهة والمعالجة حتى وإن كان ذلك يقترب من شعبيتها السياسية.  


للتدليل على أهمية التخطيط الإستراتيجي الذي تتبعه الدولة المصرية منذ يونيو 2014، اقتبس رئيس الوزراء في حضرة الرئيس عبد الفتاح السيسي نصاً لجمال حمدان في كتابه "شخصية مصر" يقول : "الفراغ العمراني هو وحده الذي يشجع الجشع، ويدعو الأطماع الحاقدة إلى ملء الفراغ.. وهناك اجماع تام على ضرورة نقل الكثافة السكانية المكتظة في الوادي إلى أطراف الدولة وحدودها، بما فيها وعلى رأسها سيناء.. ليؤكد أن التعمير هو التمصير".. هنا انتهى الإقتباس ليؤكد د. مدبولي أن "التمصير" هو نهج الدولة في الوقت الراهن، فوصول التنمية إلى أقصى نقطة ممكنة، وشمولها للشريحة الأعرض من أبناء الوطن، هي الضمانة الرئيسية لربط المواطن بقضايا وطنه، ليشعر أن هناك عيناً تراه، وقلباً يشعر به، ويداً تحنو عليه، ووطنًا يحتضنه ويستحق منه التضحية.


الحقيقةُ أن الأطماع الحاقدة التي قصدها "جمال حمدان" أكثرُ اتساعاً من المفهوم الضيق الذي قد يدفع البعض لأن يرى أن الفراغ العمراني يولدُ جشع البعض من أبناء الوطن للتعدي على الأراضي الزراعية أو المملوكة للدولة بغير وجه حق، إلا أن القضية أكبر وأعمق، حيث أن إغفال بقعة من أرض الوطن دون تنمية، وتركها صحراء قاحلة، يجعلها لقمة سائغة لجشع المحتل والغاصب الخارجي، تماماً كما أثبتت تجربة "سيناء" الحبيبة، التي عاشت لعقود مسرحاً لحروبٍ عصيبةٍ، وفراغاً يُغري كل طامع، لتتغير الجغرافيا الآن، وتصبح "سيناء" جزءاً مُتصلاً بأرض مصر من خلال الأنفاق التي تمتدُ أسفل قناة السويس تربطُ الشرق بالغرب، فـقديماً قال "جمال حمدان" : من يسيطرُ على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير، ومن يتحكم في هذا الخط يُهدد الوادي".


ظهور "جمال حمدان" في حضرة "السيسي" رسالةٌ بليغة بأن الدولة تستمعُ إلى مُفكريها بإنصاتْ، وتدرك أن كُل إنجاز يبدأ من "فكرة"، فاليد التي تبني يلزمها عقل يفكر ويخطط، والمستقبل لا تصنعه خطوط عشوائية، بل مسارٌ يحدد بدقة كم يلزمك السير فيه، وإلى أين سيقودك، ومتى تصل؟.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa