لم تترك جائحة
كوفيد 19 أي مجال من مجالات الحياة إلا وأثرت عليه، صحيح أن الجميع ينظر إلى تلك
التأثيرات من زواياها السلبية إلا أنها أيضا حملت في الوقت ذاته بعض الزوايا الإيجابية
خاصة فيما يتعلق بضرورة إعادة نظر العديد من الدول في أوضاعها، خاصة مع ما فرضته
من قيود على سلاسل الإمداد بسبب توقف حركة التبادلات التجارية مع سياسة الإغلاق
التي انتهجتها مختلف دول العالم للحد من انتشار الجائحة، الأمر الذي دفع بعض الدول
إلى تبني سياسات الاعتماد على الذات في القطاعات التي تمتلك فيها المقومات القادرة
على توظيفها.
وتمثل مصر واحدة
من الدول الرائدة عالميا – طبقا للتقارير الدولية – التي استطاعت أن تعيد ترتيب
كثير من أوراقها الاقتصادية في سبيل الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، ويعود ذلك إلى
الرؤية الناضجة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في يونيو
2014 حينما أكد على أهمية تبني سياسات تتمحور حول الاعتماد على الذات في كافة
المجالات، وبصفة خاصة في المجال الزراعي الذي أولاه اهتماما ملحوظا، إدراكا منه
لمكانة مصر الزراعية.
ومن ثم، جاءت
مبادرة المشروع القومي "مستقبل
مصر" والهادف إلى استصلاح 500 ألف فدان على امتداد محور الضبعة شمالا، صحيح
أن المشروع لا يزال في بدايته إلا أن الرؤية المحددة لتنفيذه تؤكد على بعدين
مهمين: الأول، النظرة بعيدة المدي إلى منطقة جديدة لم تشهد اهتماما بهذا الحجم من
قبل، ومن شأن هذه النظرة أن تسهم في تنفيذ استراتيجية الدولة للبناء والتنمية من
خلال العمل على زيادة نسبة الأراضي الزراعية من رقعة الجغرافيا المصرية من ناحية، وخلق
قيمة مضافة لسلسلة المشروعات القومية في مجال الإنتاج الزراعي والغذاء من ناحية
أخرى.
أما البعد الثاني يتعلق بمردودات هذا المشروع
العملاق على الواقع المصري سواء من ناحية توفير منتجات زراعية ذات جودة عالية
بأسعار مناسبة للمواطنين وسد فجوة السوق المحلي ما بين الإنتاج والاستيراد، أو من
ناحية توفير المزيد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة بما يسهم في حل واحدة من أهم
المعضلات الاجتماعية التي تواجه الدولة المصرية والمتمثلة في مشكلة البطالة.
نهاية القول إن
النظر إلى ما تحقق على مدار الست سنوات السابقة ليس فقط في المجال الزراعي وتحقيق
الأمن الغذائي للمواطن المصري بل وتصدير الفائض منه للخارج بما يعود بنتائج إيجابية
على الاقتصاد الوطني، وإنما في كافة المجالات، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا،
ما يؤكد على أن الدولة المصرية تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية، شريطة أن يدرك
المواطن المصري حجم التحديات التي خاضتها الدولة في مواجهة ليس فقط الاحتياجات
المعيشية لمواطنيها وإنما مواجهة الإرهاب والتطرف الذي حاول أن يهدم الدولة من
الداخل بالتآمر مع بعض القوى الدولية والإقليمية التي أثبت الواقع خطأ نظرتها إلى قدرات
الدولة المصرية ومؤسساتها التي استطاعت أن تقف حائط صد في مواجهة كل تلك الخطط وأفشلت
كافة المخططات.