الثلاثاء 4 فبراير 2025

فن

"رصاص مألوف".. قصة جديدة لـ أسماء حسين من "فسحة بويكا"

  • 25-1-2021 | 13:01

طباعة

تنشر بوابة "الهلال اليوم"، قصة "رصاص مألوف"، للكاتبة أسماء حسين، من مجموعتها القصصية "فسحة بويكا" الصادرة عن دار "فصلة" للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى يناير 2018.



رصاص مألوف


 

حلمتُ بأننّا في حرب.

كنت أحتمي مع عائلتي الكبیرة في ملجأ. بوجوه أجهل غالبیتها حولي وكلها تنظر نحوي بترقب مدروس. والقصف یدوّي بالخارج. كان الملجأ عبارة عن ساحة فسیحة تحت الأرض لمول تجاري كبیر ومتهدّم. كنت أرى في آخر الساحة سلالم كهربائیة مطمورة برماد الإسمنت المختلط بالنفایات، والأوراق، وتلال من الأعضاء البشریة المبتورة. وفي داخل الملجأ كانت تدار معركة أخرى لكنها بدائیّة تشق جراحها بالسیوف.

كان الجو خانقًا بالداخل، وتحت الضیاء الأبیض الضعیف یتهادى ضباب أسمنتي كثیف، تلتمع فیه أنصال سیوف یحارب بها أشباح غیر مرئیین. شعرت بأن كل تلك السیوف متجهة ضدي، وكنت متأهبة لأن یغمد أحدها في صدري.

كنت أراني كتلة معلقة في الهواء، والمعركة تدار من حولي، وجلجلة الأسلحة تصطك في أذني. ثمّ لوهلة سادت لحظة صمت بدت كأنها أبدیة. عُقدت فیها هدنة أو صلح ما. لحظة تشبه لحظة الصمت التي یلج خلالها النهار في اللیل. تشبه السكون الذي یتبع شهقة امرأة دفعت للتو طفلاً جدیدًا للحیاة. تشبه رغوة الصمت التي تتجمع فوق بحر من الضجیج، الذي یحدثه الرتم الواحد لتجمع أناس في مكان واحد.

بعدها، نظرت أسفل مني، فرأیت السیوف ملقاة على الأرض وقد تكسرت رؤوس أنصالها.

وجاءتني من بعید أصوات ضخّمها الصدى لأطفال یلعبون بالكرة. وأحادیث نساء كنّ یرفعن

أطراف أثوابهن وهنّ مجتمعات حول بقعة فاضت فیها المیاه. أغمضت عیني، وتطعّمت الملمس البارد للسلام، وذوبته في فمي، وتركته ینتشر بسكینة داخل جسدي، ثم فتحتها ببطء وأنا لا أزال أتهادى في الهواء. ورأیت عبر شق كبیر أحدثته شظیة لا زالت تدخّن مسارها في الأرض، قطعة من السماء في أول الفجر، قطعة أرجوانیة تتخللها سحب كثیفة مشتعلة أطرافها بالشمس، تشبه شعر عمتي التي حفر لها جدي قبرًا أسفل تربة سریري. لذلك كنت أحلم بالخصل الحمراء تتحول إلى رصاصات تضيء سقف الحجرة وتسحب أطرافها المدببة غطائي. وكانت في نهایة الحلم تتفتت في رذاذ خفیف یسقط على الأرض. ویتفتت معها كل ما تركته خلفي. والوجوه التي لم أحدد ملامحها مسبقًا كانت تحمل الآن عمري في نظراتها، صورة صورة. وجمیعها تشیر نحوي، كي أقفز للحاق بمكاني في صورة العائلة، قبل أن تلف أصابع أبي شریطًا أسود حول الإطار كحزام أمان أبدي كي لا نعود.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة