الحدوته الحقيقية لليوم العظيم 25 يناير بدأت في الإسماعيلية سنة 1952، حدوتة
بطولة بجد مش أي شعارات وهيصه وبس، حدوتة تضحية واستبسال في مواجهة المحتل الأجنبي
للأرض الطاهرة اللي ارتوت بدماء زكية وهبت حياتها لله والوطن وماتت في سبيله،
ومازالت الأرض الطاهرة تنجب من الأبطال من يقفون خلف الوطن دفاعاً وخدمة لترابه
وأرضه.
بدأ الكلام لما الأبطال رفضوا يسيبوا الميدان، ويخلوا مبنى قسم الشرطة
ومبنى محافظة الإسماعيلية ويسلموه للعدو، مع أنهم أكيد كانوا مدركين أنهم في
مواجهة جيش نظامي، وقتها كان أقوى جيوش العالم واعتاها، بس الإيمان بالوطن بيعطي
قوة وصلابة وتحدي وبيخلي الموت في سبيله أعظم الأمنيات، فكانت المعركة اللي استشهد
فيها 56 بطل مات وهو شايل سلاحه وبيحارب لأجل وطنه وشرفه، واتصاب 73 فضلوا صامدين
إلى أن انتهت ذخيرتهم كلها، وأصيبت أجسادهم جميعاً، ولكن ظلت القلوب تنبض بالولاء
لمصر.
قبل غروب شمس 25 يناير حاصر مبنى قسم البوليس "الشرطة" الصغير
ومبنى المحافظة في الإسماعيلية حوالي سبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة،
تدعمهم دباباتهم السنتوريون الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان، بينما كان
عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يتجاوز العشرات ولكن كان لديهم من الأيمان
والصبر والجلد ما مكنهم من أن يكونوا شرارة الجلاء التام للمحتل الغاشم.
نعم؛ تمكن المحتل
البريطاني وقتها أن يستولي على مبنى المحافظة بس بعد ما عرف أن الشرطة المصرية
ليست لقمة سائغة، ولا شرطة مدنية فقط تختصر مهامها على خدمة المواطنين والسلام
الداخلي، بل بالعكس كانوا من القوة والهيبة التي أربكت العدو وغيرت حساباته. وكانت
نتيجة المعركة إرهاب العدو، وزعزعة صفوفه، بل ولم يستطع الجنرال إرسكين المسؤول عن
المذبحة إلا ان يخفي اعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال:
"لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فان من واجبنا
احترامهم جميعا ضباطا وجنودا" ثم أمر جنوده بأداء التحية العسكرية لطابور
رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم تكريمًا لهم وتقديراً
لشجاعتهم.
في صباح السبت 26 من
يناير 1952انتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب
والسخط، وخرجت المظاهرات العارمة في القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة
في مظاهراتهم، وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير
الغاضبة، وكانت ملحمة حقيقية في تضامن الشرطة والشعب من أجل الوطن.
تسببت هذه الأجواء
الغاضبة في تدهور شعبية الملك فاروق لأبعد مستوى، مما مهد لقيام ثورة 23 يوليو، تلك هي الثورة الحقيقية التي كانت من أجل الوطن، وبمشاركة
جميع أهله من الجيش والشرطة والشعب.
ومنذ تلك اللحظة لم تنتهي
بطولات الشرطة المصرية، ولم تنتهي تضحياتها، سواء في حربها مع الإرهاب الغاشم، أو
في محاولاتها لحفظ الوطن والحفاظ على النظام والأمن وحتى على الحدود، سلام لهم في
عيدهم، وسلام لأرواح شهدائهم أينما كانوا، وسلام لكل وطني حر يعمل لأجل مصر.