شهدت مدينة طرابلس (شمالي لبنان) احتجاجات عنيفة ومواجهات حادة لليوم الثاني على التوالي بين المتظاهرين الذين يرفضون تمديد حالة الإغلاق العام الشامل التي تستهدف كبح تفشي وباء كورونا على وقع التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه المدينة من جهة، وبين القوى الأمنية والجيش اللبناني من جهة أخرى.
وتحولت شوارع مدينة طرابلس، لا سيما المحيطة بساحة النور (ساحة عبد الحميد كرامي) والتي تعد منطقة التظاهر المركزية منذ اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر 2019، إلى ساحة للاشتباكات والكر والفر، بعدما حاولوا اقتحام سراي طرابلس الحكومي ونجاح بعضهم في تسلق الأسوار قبل أن تتصدى لهم قوات مكافحة الشغب والجيش.
وقام المحتجون برشق القوى الأمنية وقوات الجيش اللبناني بالحجارة والأدوات الصلبة والألعاب النارية، ورددوا الهتافات المناهضة للسلطة والقوى السياسية اللبنانية، على خلفية تمديد حالة الإغلاق العام وتداعياتها الاقتصادية عليهم، ومطالبين بإطلاق سراح الشباب الذين ألقي القبض عليهم أمس خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة.
وقال المتظاهرون، الذين بدا عليهم الغضب العارم، إن مدينة طرابلس أكثر المناطق "المحرومة" في لبنان، وأن سكانها يعيشون أوضاعا اقتصادية بالغة القسوة جراء توالي إغلاق المؤسسات والأنشطة الاقتصادية والتجارية ومن ثم تسريح العمالة وتصاعد معدلات البطالة، فضلا عن تبعات حالة الإغلاق العام الشامل التي أثرت عليهم بصورة سلبية.
وأشار المتظاهرون إلى أن عددا كبيرا من أبناء وعائلات مدينة طرابلس لم يعد لديهم ما يعينهم على قضاء فترة الإغلاق الشامل، وأن أدنى مقومات الصمود المعيشية أصبحت غير متوافرة لديهم، مؤكدين أنهم لم يتلقوا الإعانات الاجتماعية التي تعهدت بها الدولة لصالح الأسر الأكثر احتياجا خلال فترة الإغلاق.
ونظم قسم من المتظاهرين مسيرات راجلة جابت الشوارع الرئيسية في طرابلس، كما عمد المحتجون إلى المرور أمام منازل أعضاء مجلس النواب والسياسيين من أبناء المدينة، حيث رددوا الهتافات المناهضة للسلطة والقوى السياسية مُحملين إياهم مسؤولية التدهور الكبير الذي تشهده المدينة على المستوى الاقتصادي، ورفعوا لافتات تحمل عبارات احتجاجية مناهضة للفساد ومطالبة بدعم وإنصاف فقراء المدينة.
واضطر الجيش اللبناني إلى التدخل لوقف أعمال الشغب والمحاولات التي استهدفت اقتحام سراي طرابلس، كما استقدم تعزيزات كبيرة من ضباط وجنود القوات المسلحة المزودين بالدروع وبنادق إطلاق الغاز المسيل للدموع، فضلا عن الاستعانة بأعداد كبيرة من العربات المدرعة والآليات العسكرية في سبيل السيطرة على الموقف.
وقام المحتجون بإضرام النيران في إطارات مطاطية وداخل صناديق ومستوعبات النفايات، بعدما استخدموها في قطع الطرق داخل المدينة، كما عمدوا إلى رشق قوات الجيش بالحجارة، على نحو اضطر معه الجيش إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع في سبيل وقف الاعتداءات وأعمال الشغب وحمل المتظاهرين على التفرق.
ونفذ الجيش تحت غطاء من الإطلاق الكثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع، عملية إخلاء لساحة النور من المتظاهرين، وقام بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحة باستخدام حواجز بشرية من عديدة، وكذلك باستخدام الآليات العسكرية، وفرض طوقا عسكريا محكما حول الساحة، في حين استمرت المطاردات وحالة الكر والفر في الشوارع الجانبية والفرعية ومحاولات المتظاهرين للالتفاف على قوات العسكرية ودخول الساحة بالقوة.
وامتلأت العديد من شوارع مدينة طرابلس بالحجارة والعوائق والزجاج، والتي يستخدمها المتظاهرون في التعدي على أفراد القوات المسلحة، في حين غيمت سحب بيضاء كثيفة جراء الإطلاق المتواصل للقنابل المسيلة للدموع التي استخدمها الجيش في محاولة لتفريق تجمعات المتظاهرين.