تنشر بوابة "الهلال اليوم"، قصة "الغبار"، للكاتبة أسماء حسين، من مجموعتها القصصية "فسحة بويكا" الصادرة عن دار "فصلة" للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى يناير 2018.
الغبار
يجثو على ركبتيه ليبحث تحت الأريكة عن سبب تعاسته، ليس مخبولًا ولكنه سمع والدته يومًا تقول أن تراكم الغبار في أماكن كهذه تجعل المنزل مأوى جيدًا للتعاسة والفقر والشياطين، كان لديه أمل بأن يجد أي سبب يفسر الضباب اللامرئي الذي يغطي عالمه وطعم اللوز المر في فمه، مهما أعدت له زوجته من مشهيات، كاد في مرة أن يهشم وجهه في المرآة برأسه لأن النقص ظهر بريئًا من تهمة تعاسته، كل شيء في حياته كامل ومثالي بطريقة استفزته، زوجته تغير لون شعرها باستمرار وتنجح في إختبارات اللغة للترقية السهلة وتظهر جميلة وذكية أكثر مما كانت عليه، مديره يرسل له ابتسامات ذات مغزى قبل إجتماعه مع رؤساء الفروع الأخرى لترشيح ممثليها في أوروبا، الأمر الذي سيصب عليهم الأموال صبًا، يعبر له بواب المجمع السكني الذي يقطن به كيف أنه لم ير رجلًا طيبًا مثله منذ زمن لأنه الوحيد الذي يبتسم له، رصيده البنكي يتضخم باستمرار، يزداد معدل سرعة تحقق أحلامه، بينما يتناقص معدل مشاكله الزوجية تمامًا، مع تغيب زوجته عن المنزل كثيرًا مؤخرًا، لم تعد تصادفه أي تعقيدات محتملة بالعمل مع تغيب مديره بدوره لفترات كافية لأن يدار العمل من خلاله، تتوفر الخيارات وتتوالد لديه ويشعر بأن حياته أصبحت كمركز تسوق ضخم ومجاني، ينتصر بطرق لم يخطط لها ضد الذين أساءوا له أو حاولوا ذلك، يحدث له أي شيء بمجرد أن ينوي فعله صباح كل يوم.
لجأ إلى اعتقادات والدته قبل أن يجنّ من هذه التعاسة التي لا تفصح عن أسبابها، لا بد أنه الغبار، الغبار اللعين الذي يتكوّم تحت الأثاث.