حذّر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية من خطورة تبني بعض القنوات الفضائية لأجندات سياسية بعينها فضلا عن انغماس البعض الآخر في تحريض وتأجيج المشاعر وإثارة المُشكلات بين الدول ومواطنيها، وبين الدول وبعضها البعض.
وقال أبو الغيط خلال كلمته اليوم في الجلسة الافتتاحية لملتقى "الإعلام وقضايا المرأة: واقع ورؤى" التي عقدت بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، إن "المشهد العربي قد تغير جذرياً منذ دخلت القنوات الفضائية حياة المواطن في تسعينيات القرن الماضي"، مشيرا إلى أن الوعي بالوضع العربي تصاعد والإلمام بالقضايا والمُشكلات تنامي وتعمق إلا أنه أكد أن المشهد لم يكن كله إيجابياً.
وشدد أبو الغيط، على أن "التجربة تحتاج إلى تقويم مُستمر وإعادة تفكير من أجل استخلاص العبر وتصويب الأخطاء، مشيرا إلى أن إشاعة المعرفة حقٌ، بل هي واجب أما التحريض وإذكاء النعرات الطائفية والشوفينية والمذهبية فهي تجعل الإعلام مُشعِل حرائق، لا منبر حقائق.
وقال أبو الغيط إن الإعلام العربي يتعرض لاختبار صعب في الوقت الراهن ، والمنطقة العربية تمرُ بلحظة مرتبكة وخطيرة حيث أن الصراعات الأهلية تتصاعد، والسُكان يُهجرون، والأزمات تتوالى، وتماسك الأوطان يتعرض للتهديد، لافتا إلى أن هذا ليس كله سوى مظاهر لأزمات أكثر تعقيداً تتعلق بالثقافة والخطاب الديني والعلاقة مع الذات والعالم.
وتابع أبو الغيط :" إن هذه الأزمات، في السياسة والفكر والثقافة، تضع الإعلام العربي موضع الاختبار".
وطالب أبو الغيط الإعلام العربي بضرورة أن يعكس هذه الحالة المضطربة وأن يكون أميناً في نقل صورة حقيقية عمّا يجري وأن يتقصى الجذور العميقة للمُشكلات التي انفجرت في وجه المجتمعات.
أضاف أبو الغيط :"إن إعلامنا العربي مطالبٌ بأن يكون مرآة أمينة تعكس الواقع كما هو، بلا تزييف أو تجميل وبغير تهويل أو تأجيج وهذا هو الاختبار الصعب، وتلك هي المسؤولية الكبيرة".
قال أبو الغيط إن الأزمات التي يواجهها العالم العربي مُستفحلة وضاغطة، ولكن الأخطر منها أن يكون الوعي بها مغلوطاً أو غير قائم على أساس، مؤكدا أن "الإعلام العربي يلعب الدور الأكبر في تنوير الأفهام بالواقع القائم بكل صعوباته وتحدياته وبجوانبه المُضيئة والمعتمة معاً".
مؤكدا على إن" الإعلام الذي ننشده هو إعلام حقيقي مؤسس على المعلومة الصحيحة والخبر الصادق والرأي الأمين" ،مذكرا في هذا السياق بما يقوم به رجال الإعلام العرب وما يبذلونه من جهد فوق الطاقة في تغطية مناطق الصراع فضلا عن قيامهم بدورٍ بطولي في إماطة اللثام عما يجري في بلدان الأزمات العربية.
قال أبو الغيط إن أهمية هذا الدور لكي يعرف العربُ ما يجري لإخوانهم في هذا البلد أو ذاك ولكي يدركوا أبعاد الأزمات في صورتها الحقيقية، ويحملوا همَّ من يُقاسون ويُشردون.
وأشار إلى أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الإعلام التقليدي، المرئي والمسموع والمقروء، يتمثل في تنامي دور ما يُسمى بـ "إعلام المواطن"، محذرا في الإطار ذاته من خطورة ما تقوم به أيضا وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت تلعبُ دوراً رئيساً يُزاحم الإعلام التقليدي بل ويتفوق عليه على الرغم من أنها تعتمد في أحيان كثيرة على إثارة المشاعر وجذب الانتباه، وبالتالي لا يُمكن الاعتماد عليها في تحصيل المعارف أو تنوير الناس.
ودعا أبو الغيط إلى ضرورة أن يتصدر الإعلام الصفوف في معركة التنوير والتحديث، وأن يتبنى قيماً تنويرية وأن يُسلط الضوء على الفئات الأكثر مُعاناة في المجتمعات العربية،مطالبا في هذا الإطار بضرورة الاهتمام بقضايا المرأة التي لازالت غائبةً إلى حد كبير عن الإعلام العربي.
وقال أبو الغيط "إعلام المرأة ليس رفاهية أو ضرباً من ضروب التسلية، بل هو إعلام يستهدف بالأساس الطفلة والفتاة والشابة والأم والجدة والمرأة العاملة وربة المنزل ولكل من هذه الفئات همومها الخاصة وقضاياها والإعلام الذي ننشده من واجبه أن يطرح هذه القضايا على ساحة الجدل العام، من دون مواربة أو تجميل".
وأضاف إن مشهد الأزمة الذي ضرب بعض المجتمعات العربية حمل معه قضايا جديدة لا يُمكن للإعلام أن يغُض الطرف عنها أو يتجاهلها، بل عليه أن يُبادر بتناولها وطرحها على الرأي العام فإلى جانب المرأة الفلسطينية الصامدة التي تُعاني عقوداً من الاحتلال، لدينا اليوم مُشكلة المرأة اللاجئة والمرأة التي تحتاج لإعادة تأهيل نفسي بعد مُعاناة في مناطق الصراع والمرأة التي تُمتَهن إنسانيتها وكرامتها على أيدي التنظيمات المتطرفة الإجرامية".
وقال أبو الغيط إن "هذه القضايا كلها تحتاج إلى مناهج جديدة ومُبتكرة في المُعالجة والطرح ويتعين على إعلامنا، بكافة وسائطه وأشكاله، أن يلعب الدور الرئيسي في هذا الميدان، فيكون صوتاً للمرأة التي تُعاني القهر أو الظلم ومُرشداً للمجتمع في كيفية التعامل مع هذه المُشكلات القديمة والمُستجدة".
وشارك في المنتدى الذي يعقد بالتعاون مع اتحاد الإعلاميات العرب وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج نبيلة مكرم والمدير العام لمنظمة المرأة السفيرة ميرفت تلاوي ونخبة من الصحفيين والإعلاميين العرب والشخصيات العامة.