الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

قضايا الدولة.. سطور من نور

  • 8-4-2021 | 13:57
طباعة

تعد هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، خص بها القانون المصري حماية المال العام والدفاع عن شرعية الحكم والإدارة في الدولة، فأسند إليها ولاية النيابة القانونية والدستورية عن الدولــة بسلطاتها قاطبة أمام القضاء في الداخل والخارج لتكون حائلا  قانونياً منيعاً لصد كل معتدٍ على المال العام أو غادر بمصالح مصر وشعبها.

ويعود تاريخ هيئة قضايا الدولة المصرية إلى عام 1874 ميلاديا حين أنشئت تحت اسم لجنة قضايا الحكومة بموجب فرمان أصدره نوبار باشا آنذاك، ومن ثم فهي تعد أعرق الهيئات القضائية من حيث النشأة حيث تم إنشاؤها قبل إنشاء المحاكم الوطنية عام 1883 بحوالي 8 سنوات .

وتكاد تكون هي الهيئة القضائية الوحيدة التي يتسع نشاطها لكافة فروع القانون ومن اجل ذلك فقد أنشئت بها أقسام للمحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض والقضاء الإداري بكافة فروعه وقضايا الضرائب والقضايا المدنية الابتدائية والجزئية والاستئناف العالي ومحكمة القيم والقيم العليا والمنازعات الخارجية والتحكيم الدولي .

وتاريخ هيئة قضايا الدولة هو في حقيقته تاريخ مصر سياسيا وقضائيا وتشريعيا وفقهيا تتحدث عنه ملفات القضايا في تراثنا القضائي القديم والحديث، وسوف تظل هذه الملفات عنونا للفكر القانوني والقضائي المتجدد في سطور من نور، تاريخيا دافعت عن الدولة المصرية في ملف قضية صندوق الدين الأجنبي وعن السيادة الوطنية ، وكذلك قضية اللورد كار نلفون حول ملكية الدولة لأثار توت عنخ آمون ثم قضايا القطن الدولية في الخمسينات وقضايا الرأي العام المساندة لحقوق الشعب المصري في الاستقلال في ظل الاحتلال الأجنبي قبل ثورة 1952 ثم قضايا تأميم قناة السويس وقضايا التعويضات التي أقيمت ضد مصر أمام المحاكم الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وغيرها وقضايا الإصلاح الزراعي في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثم قضايا التحكيم الدولي التي تولتها الهيئة دفاعا عن الدولـة المصريــة بالخارج والتي تقدر بمئات المليارات والتي جاءت لصالح الدولة المصرية وما زالت ممثلة في قسم المنازعات الخارجية الذي يرأسه رئيس هيئة قضايا الدولة لأهميته وحساسيته ويمثله نخبة من مستشاري الهيئة .

وعلى قــدر ما أخذتــه هيئة قضايا الدولة من صفحات التاريــخ المجــيدة وما سطرته في أعمالها الخالدة في مجالات الفقه والتشريع والسياسة والقضاء فقد كان طبيعيا أن ينال نصها الدستوري عقب ثورتي 25 ينايـر و30 يونيو كل هذا الحجم الهائل من الاهتمام والصراع والمجادلة فهي الأمينة على حقوق الدولة وأموال الشعب فهي ليست خصما لأفراد المجتمع وليست محاميا للحكومة كما يصورها البعض بل هي ضمانه لتحقيق العدل بين الدولة والأفراد فهي تحاكم الدولة قبل أن يحاكمها القاضي دفاعا عن الحق والمال العام الذي هو مال الشعب.

 كما أنها تدافع عن تطبيق القانون بعينين معصوبتين دون النظر إلى صفات الخصوم بما فيهم الشخص الاعتباري الذي تنوب عنه، وهى في مباشرتها لسلطة الدولة في التقاضي إنما تلتزم بنصوص الدستور والقانون وتلتزم بقيم القضاء وتقاليده نزاهة وحيده .

وينظر ضمير المجتمع إلى هيئة قضايا الدولة كخصم شريف حيث تستقل دون غيرها بتقدير متى تدعي الدولة، ومتي لا تدعي،‏ فلا تزج بالناس إلي ساحات المحاكم ظلما، أو تدفع حقا ليتحقق به ظلم، فتكون أول من يرفض للدولة طلباتها إن جنحت عن الحق،‏ وإذا فرض عليها الدفاع‏ لمصلحة عامة تستقل وحدها بتقديرها وفقاً لأحكام القانون فهي تحقق دفاع الدولة فإن صح أبدته، وإن حاد عن الصواب أغفلته، فلا تنطق إلا عدلاً وصدقاً‏‏ وتربأ بنفسها في الخصومة، فلا تتسبب في تأخير الفصل في الخصومات، وإن شرعت في جمع المعلومات والمستندات من الجهات الإدارية ذات الصلة بمناسبة دعوى تباشرها فهي تلتزم بالحيدة والتجرد فتجمع ما للدولة وما عليها لتنير به الطريق أمام منصة القضاء ‏وإذا ما صدر حكم لصالح أحد المواطنين، فهي تهب لاتخاذ ما يلزم نحو تنفيذه طبقاً لما قضي به، فتعطي كل ذي حقٍ حقه.

ويجيد أعضاء هيئة قضايا الدولة مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في الدستور، فهم يكبحوا من جماح الدولة بسلطاتها قاطبة فيوقفوها أمام منصة القضاء شأنها شأن خصومها من أفراد الشعب، الأمر الذي يزيد من جلال أعضاء تلك الهيئة.

ومن جهة أخرى فإن حضور مستشاري وأعضاء هيئة قضايا الدولة أمام منصة القضاء ليس لتجسيد مبدا خضوع الدولة للقانون فحسب، بل لعله أهم وأعظم شأناً هي حماية المال العــام (الذي هو مال الشعب) والدفاع عن المصلحة العامة ( التي هي مصلحة الشعب )، وهذا هو نبل الغاية ( وهي الدفاع عن المال العام والمصلحة العامة) وشرف الوسيلة ( وهي إخضاع الدولة للقانون )، علما بأن مصلحة الجماعة مقدمة دائماً على مصالح الأفراد شرعاً وقانوناً.

ويتمتع مستشارو وأعضاء هيئة قضايا الدولة طبقاً لأحكام قانون تنظيم الهيئة ببعض الضمانات التي تمكنهم من أداء مهامهم في حيدة وتجرد، وعلى رأس هذه الضمانات عدم القابلية للعزل وعدم جواز القبض على أي منهم في غير حالات التلبس إلا بعد إتباع الإجراءات المنصوص عليها قانوناً.

وتنقسم هيئة قضايا الدولة إلى أقسام يختص كلٌ منها بمباشرة قضايا الدولة أمام إحدى الدوائر القضائية ويرأس كل قسم أحد المستشارين نواب الرئيس، بينما يختص قسم المنازعات الخارجية بمباشرة قضايا الدولة المصرية في الخارج أمام المحاكم وهيئات التحكيم الدولية ويرأسه المستشار رئيس الهيئة لخطورة وأهمية القضايا المتداولة به.

وقد كان للعديد من العظماء شرف الانتماء إلى هيئة قضايا الدولة قاسم أمين، والمستشار الدكتور عبدالرازق السنهوري، والمستشار الدكتور عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، وسعد زغلول والدكتور إدوارد غالي الذهبي، والدكتور عصمت عبد المجيد أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، وغيرهم الكثير ممن كان لهم بالغ الأثر في تطور الحياة القانونية والسياسية في مصر والوطن العربي والعالم.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة