السبت 28 سبتمبر 2024

من النيل إلى الفرات.. «علي الطائي» فنان تشكيلي عراقي أحيا التراث بأساليب جديدة

الفنان التشكيلي علي الطائي

الهلال لايت21-4-2021 | 02:07

كتبت: نهلة الناقة - تصوير: أسماء المصري

فانوس عتيق يُلقي بأضوائه على رقم (2)، متمركزة على باب مزخرف يفصح عن يد فنان مرت من هنا، وقبل أن ندق الجرس كان هذا الفنان يفتح لنا بابتسامة بسيطة غير متكلفة، لم أعبأ كثيرًا بعبارات الترحاب فلقد حملتني سحابة من العطور الراقية نحو عالم جديد، وغمرت مسامعي موسيقى كلاسيكية جعلت حاجزًا عظيمًا بيني وبين العالم، أينما ذهبت عيناي ترى فن ولوحات غاية في الجمال، ببساطة شديدة ما إن دخلتُ حتى استحوذت روح الفنان على حواسي كلها وتوحدتُ مع صومعته.

جاءت محطتنا اليوم مع الفنان التشكيلي العراقي الجنسية، علي أمين الطائي -نعم هو حفيد حاتم الطائي- مواليد بغداد عام 1977، دراسته الأكاديمية هندسة الحاسب الآلي ولم يدرس الفن بشكل نظامي، بل درسه كحب وهواية من خلال "الكورسات الخارجية"، فمنذ طفولته يحب الفن والرسم وظهرت هوايته هذه في أنشطته المدرسية، شارك في العديد من المعارض الفنية المدرسية، حبه للفن لم يقتصر على كونه هواية ونشاط بل كان أسلوب حياة، كانت بصمته الفنية على ترتيب كتبه وحاجياته بل وصلت للهدايا التي يقدمها للأصدقاء كان يصنعها بنفسه، استمر هكذا حتى أدرك أنه يميل للفن ولا يرغب في سواه من المجالات العلمية، ولكن الظروف والأهل لم يدعموا هذا التوجه وكان لابد من دراسة أحد المجالات العلمية المعروفة، ولهذا درس هندسة الكمبيوتر، واستطاع توظيف دراسته هذه في خدمة فنه، كان أمامه جهاز كمبيوتر به إمكانيات يستطيع من خلالها صنع تصميمات للمفروشات ولوحات تتضمن أفكارًا جديدة، فقام بذلك فعلًا وبدأ أولى خطواته نحو الفن.

كانت بدايته الحقيقية في مصر، حينما راودته فكرة تحويل تصميماته لواقع ملموس، بدأ ينفذ أفكارًا صغيرة يكتشف من خلالها مهارته اليدوية، فعلى حد وصفه الفنان يتكون من مهارتين مهارة فنية إبداعية ومهارة يدوية تنفيذية، كانت مصر مصدر إلهام له خاصة وأنها بلد معروفة بثرائها الفني من معمار وتراث وحضارة علاوة على خلفيته العراقية التي تحمل طابع الحضارة العراقية والحس الفني البابلي، امتزجت حضارة بلاد الرافدين بحضارة وادي النيل في أعماله الفنية ولوحاته مما اكسبه ثراء فكري وحرفية عالية.


بين إحياء روح التراث والحضارة وخلق الجمال من العدم، شكَّل علي أمين الطائي طريقته الفريدة في عالم الفن، حارب فكرة أن الأثر عفا عليه الدهر فربط أعماله بالرموز البابلية والمصرية القديمة، فعندما ترى لوحاته ترى انعكاسًا لشئٍ مألوف في الذاكرة، لن تعرف ما هو لكن شعور الألفة لن يفارق خيالك، طرح رؤى السابقين بأساليب جديدة، وألوان جديدة، وخامات جديدة.

تمثل كل أعماله تجسيدًا لفترات من الحضارة العراقية برموزها ومعانيها، بجانب تأثره بالحضارة المصرية القديمة والتي ظهرت رموزها في العديد من لوحاته، يعتمد على أسلوب الدمج ليس فقط في أفكار اللوحات  وأساليب المدارس الفنية بل أيضًا في الخامات المستخدمة، دمج المعدن والزجاج، الخشب والسيراميك، الخيوط والبلاستيك، وأي خامة أخرى استطاع تطويعها لتخدم فكرته وتبرز جمال لوحاته.
 

كان خروجه من بلده الأم نتيجة للأوضاع غير المستقرة أثناء الحرب العراقية، بداية اضطر لحمل حقائبه مغادرًا أحلامه وخططه ومستقبله الذي رسمه وربما خطا فيه خطوات وعاش باقيته أحلام يقظة وردية، وكونه الرجل الوحيد في عائلته كان عليه أن يعبر بهم لبر أمان مناسب، والجيران أولى طبعًا، سافر مع عائلته برًا لسوريا على أمل العودة القريبة للعراق، وعاش هناك فترة ضغط وتكدير نفسي صعب نتيجة للأسباب السابق ذكرها.

لم تطل فترة بقائه في سوريا؛ حيث لعبت الصدفة أو ربما الأقدار دور الجني الذي يحول الأشياء لمواضع جديدة مناسبة ودقيقة تليق بك، جاء إلى مصر إثر "عزومة مراكبية" دعوة من صديق مصري ليزور أم الدنيا، وبالفعل حمل حقيبته وجاء وحده لزيارة مصر ولم يخطر بباله أنها ستأسره حتمًا ولن يبرحها بعد ذلك.
 

قرر بعد فترة قصيرة الاستقرار في مصر وأرسل لعائلته للقدوم، وأصبح لديهم منزل مستقر وجيران وأصدقاء، أصبح لديهم حياة، وبدأ يمارس فنه ويشارك في معارض وزاد إنتاجه الفني، ولكن واجهته مشكلة صغيرة وهي أنه يعمل في منزله وهو مكان غير مناسب للعمل بشكل عام وللفنانين على وجه الخصوص، الفنان يحتاج لصومعة حتى يبلور أفكاره لعمل فني يراه الجميع ولا يتعرض لقطع علاقته الروحية بأعماله الفنية، ولهذا كان لابد من مكان مخصص للرسم فبدأ بشقة متوسطة المساحة يرسم فيها، وبخطوات على مدى زمني لم يلحظه تحولت لمعرض لوحات رائع يقصده الزوار من كل مكان، نقل عالمه الخاص من منزله لمكان فيه روحه وأنفاسه وحياته.

أصبحت هذه الصومعة ملتقى وصالون لأصدقائه النحاتين والرسامين والخزافين، أصبح مساحة فنية آمنه لتبادل الأفكار والرؤى، ساعده في ذلك تفهم عائلته ودعمهم له، وأيضًا تشجيع أصدقائه والمقربين منه، أقام الكثير من المعارض الفنية الفردية منها والجماعية، ولكنه يفضل الجماعية لأنها تحتوي على لفيف من الفنانين المعاصرين والمخضرمين، فاجتماع هذا الكم من الفنانين باختلاف فنهم يثري الفنان ويجدد أفكاره.
 

كان أول معرض له في دار الأوبرا المصرية، كان مشاركًا بأكبر لوحتين في المعرض كله تقريبًا، واحدة مرسومة بالألوان الزيتية والأخرى مشغولة بالمعادن، كان هذا منذ عشر سنوات ووقتها كان استخدام المعادن شئ جديد غير متداول، فأحدثت اللوحات ضجة كبيرة، وكانت بصمته جديدة ومختلفة عن باقي الأعمال.