الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

توثيق الشهر العقاري المتنقل بين الجماعة والمجموع

  • 19-4-2021 | 13:54
طباعة

من المعايير الحاكمة للتشريع أن يكون ترتيب شئون المجتمع على نحو يتسم بالجدية والرشد والعقلانية، ويعبر عن المصالح الاجتماعية الراجحة في المجتمع، بحيث لابد أن تغلب المصالح الاجتماعية على مصالح أخرى، ومن ثم فإن جوهر التشريع الرشيد يقوم علي الموازنة بين المصالح بما يحقق التوفيق بينها إلي أقصى حد مستطاع، ويحقق المستهدف بالتشريع، ألا وهو خير المجموع لا مجرد مصالح جماعات محددة أو أهداف معينة، تحقيقا لاستمرارية التشريع ونزوعا به إلى العدل المطلق قدر الإمكان لتنظيم العلاقات الاجتماعية وتتحقق العمومية والتجريد من الناحية الفعلية .

ومن ثم تحققت غاية المشرع في قانون الشهر العقاري والتوثيق بأنها جهة حماية قانونية وليس جباية كما نص القانون، وكما نصت المادة 13 من الباب الثاني في إجراءات التوثيق من اللائحة التنفيذية للقانون رقم ٦٨ لسنة ١٩٤٧ بشأن التوثيق أن يكون توثيق المحررات فى المكتب فى مواعيد العمل الرسمية "إلا إذا كان أحد المتعاقدين فى حالة لا تسمح له بالحضور إلى المكتب فيجوز عندئذ للموثق أن ينتقل إلى محل إقامته لإجراء التوثيق وذلك بعد دفع الرسم المقرر للانتقال وعليه إثبات هذا الانتقال فى الدفاتر المعدة لذلك".

ويبدو أن المنوط بهم تطبيق القانون غلبت عليهم صالح الجماعة المحدودة علي المجموع، وانحدر العمل به لمصالح عارضة مؤقته، وتحول العمل التنفيذي للتشريع إلى تنظيم قلق تتجاذبه عوارض الأحداث التي يموج بها سطح الحياة الاجتماعية، وتفرغت النصوص القانونية من مضمونها عند بقائها بعد انقضاء الظروف التي أدت إليها إنشاء فروع توثيق شهر عقاري متنقلة بسيارات تكلفة السيارة الواحدة أكثر من مليون ونصف تقريبا وتكلفتها شهريا أعلى من القيمة الإيجارية لمكتب توثيق شهر عقاري أو مأمورية مستأجرة والتي تتراوح ما بين ( ٣٠٠٠ جنيه إلى ١٥ ألف جنيه)  كما تتعدى فروع توثيق البريد التي يتراوح إيجار الشباك الواحد بها ٥٠٠ جنيه في الشهر لصالح هيئة البريد المصرية، وحسب البروتوكول الذي تتراوح أعداد الشبابيك المخصصة للشهر العقاري بكل فرع بريد من ٢-٣ بما يقدر أقصى قيمة إيجارية الفرع ١٥٠٠ جنيه في الشهر، ورسوم التوكيل لا تتجاوز ٣٠ جنيها، بالإضافة إلى أن أعداد العمليات التي تتم في المكاتب والمأموريات الثابتة تتخطى في اليوم ستمائة عملية متوسط أعداد المترددين على هذه المكاتب والمأموريات بمحافظات الجمهورية.

 كما تتراوح من ٤٠ إلى ١٠٠ عملية في اليوم الواحد في أغلب فروع البريد التي يصل عددها لـ ٩٧ فرع والباقي لا يتعدى ١٥ توكيلا نظرا لعدم وجود بعض الخدمات كمثل إثبات التاريخ، بالإضافة لعدم قدرة المواطن في تسديد رسوم 30 جنيها للتوكيل، فيفضل التوجه لأقرب مكتب أو مأمورية يكون رسوم التوكيل بها 11 جنيها .

أما السيارة  المتنقلة فطاقتها الاستيعابية لا تزيد عن  عشر  معاملات يوميا وتتراوح الرسوم ما بين ٥٠٠ جنيه للفرد إلى ١٠٠٠ للشركات مقابل إجراء توكيل واحد!  في حين أن رسوم الانتقال طبقا للقانون لعمل توكيل لمسن أو مريض في المنزل لا تتعدى 30 جنيها .

 وبناء على ما سبق فإن تكلفة السيارة أول مرة وتكلفتها شهريا وسنويا تكفي لإنشاء مكتب توثيق وشهر عقاري ثابت يقدم خدماته للجمهور بما لا يقل عن ٥٠٠ معاملة توثيق يوميا، بخلاف الاستفادة من المكان الثابت في إنشاء مأموريات شهر عقاري لتسجيل الملكية العقارية، على سبيل المثال  في المدن الجديدة التي وجه رئيس الجمهورية بافتتاح مأموريات بها لوضوح الرؤية في تسجيل الملكية العقارية وعدم وجود تعقيدات في تسلسل الملكية الأمر الذي لم يلق منذ أكثر من ستة أشهر اهتماما سوى بافتتاح 7 مأموريات بالمدن الجديدة من إجمالي 37 مدينة منتظر حتى اليوم إنشاء مأموريات شهر عقاري بها وتوفير أعضاء وموظفين لهذه المكاتب، وبالرغم من تعاون وزارة الإسكان والتعمير ممثلة في أجهزة المدن الجديدة بتوفير مقرات للمأموريات طبقا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي .

وأخيرا وليس آخرا أزمة زحام مكاتب التوثيق علاجها تنفيذي وهو ما تملكه الحكومة من خلال فروع توثيق جديده ثابتة بتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن المدن الجديدة، واستكمال افتتاح ١١مركزا تكنولوجيا جاهزة منذ شهور في دواوين عام مجالس المدن والمحافظات، وبالتزامن مضاعفة أعداد الموثقين وتعيين ما لا يقل عن ٢٠٠٠ عضو قانوني لمواجهة الزحام بمكاتب التوثيق والشهر العقاري، وأما علاج  تسجيل الملكية العقارية التي لم تتعد 5% فقط حتى الآن، و٩٥% غير مسجل فلا بديل عن تعديل تشريعي شامل بصلاحيات وسلطات جديدة مستحدثة كما هو موجود بجميع دول العالم المتقدم والدول العربية.