تخاطب قصة موسى عليه السلام من كاد أن يكون قلبه فارغًا من الثقة بقدرة الله، فهي توحي بعجائب قدرة الله تعالى، وأنه قادر على كل شيء، حيث توضح القصة حكم مصر بواسطة ملك جبار، رأى بني إسرائيل يزيدون ويملكون، وسمعهم يتحدثون عن أن واحدًا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه، فأصدر فرعون أمره بألا يلد أحد من بني إسرائيل، وأنه سيقتل أي مولود ذكر، وبدأ تطبيق ذلك، حتى نصحه المستشارون، إن ذلك يضر بمصلحتهم، حيث أن الكبار من بني إسرائيل يموتون، والصغار يذبحون، مما سيتسبب في القضاء على بني إسرائيل، وإضعاف مصر نظرًا لنقص الأيدي العاملة بها، ومن الأسلم أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه.
ولد موسى عليه السلام في العام الذي يقتلون به الذكور؛ مما تسبب في خوفًا عظيمًا لأمه من أن يقتله فرعون، فحاولت إخفائه وإرضاعه في السر، ثم حلت عليها ليلة مباركة أوحى الله إليها فيها بصنع صندوق صغير لموسى، ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق، وإلقاؤه في النهر، ولم يكد الصندوق يلمس المياه حتى أصدر الله أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية، وهي تحمل ذلك الرضيع الذي سيكون نبيًا فيما بعد، وكذلك أصدر أمره بأن تحمله الأمواج بهدوء إلى قصر فرعون.
وفي هذا السياق تقدم بوابة "دار الهلال" للقارئ خلال شهر رمضان الكريم قصص الأنبياء، مستندة لمصادر موثقة في السيرة والتاريخ الإسلامي، ونعرض لكم استكمالًا لقصة موسى عليه السلام عندما وصل إلى قصر فرعون، ورغبة زوجة فرعون في تربيته لافتقارها القدرة على الإنجاب.
رفض موسى للمرضعات
وصلت الأمواج بالصندوق الذي يحمل موسى عليه السلام حتى وصل إلى قصر فرعون، فالتقطته جواري القصر، ورأته آسيا زوجة فرعون وكانت تفتقر القدرة على الإنجاب، فأحبته كثيرًا، وتمنت أن يعيش هذا الطفل معها في القصر كابن لها ولزوجها، فأخذت تطلب من فرعون ذلك وترجوه ألا يقتله حتى استجاب لها.
كان موسى يبكي من الجوع، فأمرت زوجة فرعون بإحضار المراضع له، فحضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها، وحضرت الكثير من المرضعات، لكن موسى رفضهن وظل يبكي.
لم شمل موسى ووالدته
ذهبت أخت موسى بأمر من والدتها لتتفقد أمر أخيها، ووصلت إلى جوار قصر فرعون، وعلمت بالقصة كاملة، حيث شاهدت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، فاستغلت الفرصة وقالت لحرس فرعون: "هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟".
ففرحت زوجة فرعون كثيرا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة سريعًا، فعادت أخت موسى وأحضرت أمه وأرضعته فلم يرفضها، وتهللت زوجة فرعون وقالت: (خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرًا عظيمًا على تربيتك له)، وهكذا أعاد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها.
مغزى القصة
إن الله قادر على كل شيء، وإذا أراد شيئًا هيأ الأسباب لحدوثه، فما عليك إلا الدعاء في يقين أنه سيستجيب لك.