قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إنَّ تاريخَ الأُمَمِ مَقْرُونٌ بالأحداثِ التي تُعَاصِرُها؛ وتاريخُ القاهرةِ مقرونٌ بإنشاءِ الجامعِ الأزهرِ الشريفِ، الذي يُعَدُّ بِحَقٍّ جامِعَ القاهرةِ، مشيرا إلى أن الجامعُ الأزهرُ منذُ نشأتِهِ، وهو يُعَدُّ جامعةً بحقٍّ، بلْ كان ولا يزالُ هو صِلَةَ رَحِمِ العِلْمِ بينَ مَدَارِسِ العِلْمِ في العالَمِ أَجْمَعَ؛ فكانَ على صلةٍ وثيقةٍ بمدارِسِ بغدادَ، إِبَّانَ الدولةِ العباسيةِ، وكان على اتصالٍ بالمعرفةِ والثقافةِ في مدارسِ قُرطبةَ بالأَنْدَلُسِ، فكان تبعًا لهذا الاتصالِ الفكريِّ والروحيِّ يُعَدُّ حلقةَ وَصْلٍ بين مصرَ والعالَمِ الإسلاميِّ كُلِّهِ.
جاء ذلك خلال مشاركة عياد في فعاليات احتفال الأزهر الشريف بالذكرى 1081 على إنشاء الجامع الأزهر الشريف، والذي يوافق السابع من رمضان.
وأضاف عياد أن الجامعُ الأزهر لم يكن مُجَرَّدَ مسجدٍ للصلاةِ والعبادةِ فَحَسْب، وإنما كان حافلًا طِيلَةَ تاريخِهِ بتعليمِ العلومِ؛ فكانتْ فتاوَى علمائِهِ النِّبْراسَ الذي يَسِيرُ على هَدْيِهِ الشعبُ المِصريُّ في كفاحِهِ الطويلِ، كما أنَّ أَرْوِقَتَهُ كانت- ولا تزالُ- مُلْتقًى علميًّا يقومُ على نظامٍ أكاديميٍّ، يَعْتَمِدُ على الموضوعيةِ والمنهجيةِ في التدريسِ والتعليمِ.
وأوضح أن دِرَاسَات الجامع الأزهر قديمًا دراساتٍ موسوعيةً شاملةً لمعظمِ ألوانِ المعرفةِ السائدةِ في حينِهَا، حتى تطوَّرَ الأزهرُ بمفهومِه المعاصِرِ، وبقيادةٍ حكيمةٍ لشيوخِهِ الأَجِلَّاءِ شَهِدَ طفرةً وتطورًا ملموسًا في كُلِّ قطاعاتِهِ وأنشطة الأروقة به وحلقات العلم، بإدارةٍ رشيدةٍ مِنْ فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لِيُكْمِلَ المَسِيرَ الذي امتدَّ لأكثرَ من ألفِ عامٍ، ولا يزالُ.
وأوضح الأمين العام أن الناظر في تاريخِ الجامعِ الأزهرِ، لا يقفُ فقط أمامَ منارةٍ علميةٍ دينيةٍ، بل سَيَشْخَصُ بَصَرُهُ متأملاً مِنْبَرَ الوَحْدَةِ الوطنيةِ ففي عامِ تسعةَ عَشَرَ وتِسْعِمِائَةٍ وألْفٍ من الميلادِ، خَطَبَ القُمُّصُ (سرجيوس) مِنْ على مِنْبَرِ الجامعِ الأزهرِ لِمُدَّةِ تسعةٍ وخمسينَ يومًا مُتتاليًا، داعيًا إلى استقلالِ مِصْرَ، ومُؤكِّدًا الوَحْدةَ الوطنيةَ.
وأشار إلى أن الجامع الأزهر لَمْ يكن منارةَ الدينِ الإسلاميِّ وعلومِهِ فقط، بلِ احْتَضَنَ الاختلافَ، ودَعَا إلى الائتلافِ، موضحا أنه على الرغم من تعرض الأزهر قديمًا وحديثًا لمحاولاتِ النَّيْلِ من علومِهِ وعلمائِهِ، إلا أنه صَمَدَ بِفَضْلِ اللهِ- تعالى- ثُمَّ بفضْلِ المُخلِصينَ من أبنائِهِ، لِيَظَلَّ- على الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ هذه المحاولاتِ- هو الجامِعَ لشُعُوبِ الدنيا، حَوْلَ مَنَارَاتِهِ الخَمْسِ، والجامِعَ للعِلْمِ والعبادةِ والعقلِ والدِّينِ.
وقال إن العلماءُ وطلَّاب العِلْمِ ما يَزَالونَ يَفِدُونَ إليه من كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ من رُبُوعِ الأرضِ، ليشهدوا في الأزهرِ منافعَ لهم؛ فحلقاتُ عِلْمِهِ مصدرٌ لكلِّ ظمآنَ للمعرفةِ الإسلاميةِ الخالصةِ؛ يَرْتَوِي من مناهِلِهَا الطاهرةِ، كما أنَّ صَحْنَهُ الذي تَعُجُّ أركانُهُ، ويَفُوحُ مُحيطُهُ برائحَةِ العِلْمِ شَهِدَ مِئَاتِ آلافِ من الحَلَقَاتِ الدراسيةِ؛ فكانتْ المعرفةُ في رِحَابِهِ الشريفةِ تنطلقُ مِنْ أفواهِ العلماءِ خالصةً، لا يُخَالِطُها تشويهٌ، أو تحريفٌ، أو تضليلٌ، فلم تُخَالِفْ صحيحَ الدِّينِ، كما أنَّها لَمْ تُغَرِّدْ بعيدًا عن واقعِ الناسِ وأعرافِهِمْ.
وختم عيّاد بالتأكيد على أنَّ الجامِعَ الأزهرَ كان حريصًا على الانفتاحِ على الثقافاتِ الأخرى، فَلَمْ يَطْغَ عليها؛ ولكنَّهُ نقَّاهَا، حتى أصبحتْ تتواءَمُ ورُوحَ الفِكْرِ الإسلاميِّ، مشيرا إلى أن هذا الجامعُ بمفهومِ الكلمةِ في معناها الحقيقيِّ قد جَمَعَ بينَ جُدْرَانِهِ الآلافَ من أئمَّةِ علماءِ الإسلامِ، لِيَتَدَارَسُوا علومَ الدِّينِ والدنيا، كما أنَّهُ لم يَحْظَ جامعٌ بمِثْلِ ما حَظِيَ به من ثقةِ العالَمِ كُلِّهِ شرقًا وغربًا وشَمَالًا وجنوبًا بأنْ يَتَلَقَّى أبناؤُهُم العُلومَ في رِحَابِهِ، وعلى أيدي رجالِهِ، لِيَبْقَى الجامِعُ الأزهرُ نَهْرَ العطاءِ، وقِبْلَةَ طُلَّابِ العِلْمِ، ومَنْهَلَ المعرفةِ.